قضاة وحقوقيون يتهمون السلطة الفلسطينية بمحاولة التحكم في السلطة القضائية

29 سبتمبر 2020
مجلس القضاء الأعلى في فلسطين (عباس موماني/فرانس برس)
+ الخط -

علم "العربي الجديد"، بأن مجموعة من القضاة الفلسطينيين يجرون مشاورات لتقديم طعن أمام المحكمة في قرار تعيين وكيل وزارة العدل الفلسطينية، محمد أبو السندس، قاضياً في محكمة الاستئناف، مع احتفاظه بأقدمياته القضائية، وكافة علاواته واستحقاقاته المالية، إذ كان قاضياً من عام 2006 حتى 2015، حين تم تعيينه وكيلاً للوزارة.
وأكد أمين سر جمعية نادي القضاة الفلسطينيين، القاضي فاتح حمارشة، أن بعض القضاة يتشاورون لتقديم الطعن في التعيين مع ندبه ليبقى وكيلاً لوزارة العدل، معتبراً أن المرسوم الرئاسي الصادر في 7 سبتمبر/ أيلول الجاري، بالتعيين هو "اعتداء على حقوق القضاة وأقدمياتهم".
وقال رئيس نادي القضاة، عبد الكريم حنون، لـ"العربي الجديد"، إنه يرفض التعليق على قرار التعيين باعتبار أنه موضوع قابل للطعن أمام المحاكم، ويمكن لأي شخص يرى به خللاً أو خطراً، أو أي متضرر منه، الطعن عليه أمام محكمة إدارية مختصة، مضيفا أن "القاضي لا يمكنه التعليق على ما قد يطرح عليه بصفته".

وأثار قرار التعيين الذي نشر في جريدة الوقائع الرسمية قبل أيام، سلسلة من التعليقات من قبل حقوقيين وقضاة حول الآثار المالية المترتبة عليه، وأخرى حول أثره في فرض مزيد من هيمنة السلطة التنفيذية على السلطة القضائية.
واعتبر المركز الفلسطيني لاستقلال المحاماة والقضاء "مساواة"، في بيان، أن القرار "تعزيز لنفوذ السلطة التنفيذية المسبق على مجلس القضاء الأعلى قبل تشكيله"، إذ يعمل حاليا مجلس قضاء أعلى انتقالي بمرسوم من الرئيس محمود عباس منذ يوليو /تموز 2019.
وقال مدير مركز مساواة، إبراهيم البرغوثي، لـ"العربي الجديد"، إن "هذه الخطوة ستضمن ثلاثة أعضاء محسوبين على السلطة التنفيذية من أصل تسعة أعضاء في مجلس القضاء الأعلى في حال تشكيله وفقا لقانون السلطة القضائية. الأخطر من المخالفات القانونية في التعيين، بما ينبئ عنه من بسط نفوذ السلطة التنفيذية".
وفسر البرغوثي الأمر بأن القاضي أبو السندس عمل كوكيل لوزارة العدل، وشغل موقع عضو في مجلس القضاء بصفته وكيلاً للوزارة، ليعيده المرسوم الأخير كقاضي استئناف مع احتفاظه بأقدمياته القضائية، ويقول: "يراد من ذلك أن يشغل منصب رئيس محكمة الاستئناف على اعتبار أنه أقدم قضاة الاستئناف، ويصبح عضواً في مجلس القضاء القادم وفق القانون، فيما سيشغل عضوية المجلس وكيل وزارة العدل الجديد، والنائب العام، وبذلك سيكون ثلث المجلس محسوبا على السلطة التنفيذية".

ورغم عدم التحقق من أن أبو السندس سيكون أقدم قضاة الاستئناف وفقاً لاحتساب سنوات أقدميته القضائية، فإن أمين سر جمعية نادي القضاة، فاتح حمارشة، يوافق البرغوثي على طرحه، قائلا: "السلطة التنفيذية بدأت ترتيب مراكز قانونية من شأنها الهيمنة على مجلس القضاء الأعلى الدائم، والذي تطالب المؤسسات الحقوقية بتشكيله لإنهاء المجلس الانتقالي الحالي".
ولم يتسن لـ"العربي الجديد"، الحصول على رد من رئيس مجلس القضاء الأعلى الانتقالي، عيسى أبو شرار، بعد أن رفض التعليق، أو من وكيل وزارة العدل، محمد أبو السندس، والذي فضل عدم الحديث في الأمر أيضاً.
في المقابل، أكدت مصادر في مجلس القضاء أن أبو السندس تقدم بطلب العودة كقاضٍ منذ العام الماضي، في بدايات عمل المجلس الانتقالي، وتم التنسيب من المجلس في سبتمبر/ أيلول 2019، معتبرة أن ذلك يفند فرضية الترتيب لجعله عضواً في مجلس القضاء، وأن ما حصل أن مرسوم الرئيس محمود عباس تأخر لعام كامل، في ظل تخوف من تأثير شغور منصب وكيل وزارة العدل على تعطيل المجلس الانتقالي عدة أشهر قبل تعيين وكيل وزارة جديد، واعتمد المرسوم بعد موافقته على الانتداب كوكيل للوزارة لستة أشهر؛ أي مدة ما تبقى من عمل المجلس الانتقالي.
وتأخر اعتماد التنسيب لعام كامل هو ما اعتبره القاضي حمارشة "أمرا يشي بتضارب مصالح، فضلاً عن تضارب المصالح في تنسيب مجلس القضاء الانتقالي للقرار، كون أبو السندس عضوا فيه"، ويعتبر حمارشة أن "وضع التنسيب في الدرج لقرابة العام يعني أن هناك شبهة عدم إمكانية قدرته على الاستقلال في آرائه، كونه يرغب في وظيفة القاضي، وفي ذلك شبهة إمكانية الخضوع لرأي الآخرين باعتبار أن له تنسيبا في الدرج لا يعلم إن كان سيصدر أم لا".
وحول ما يراه مخالفات قانونية في القرار، يقول إبراهيم البرغوثي: "تعيينه قاضياً محتفظاً بأقدمياته القضائية فيه مس بحقوق قضاة آخرين، ويمس بشروط تعيين القاضي، فضلاً عن أن الوظيفة القضائية بحاجة لمسابقة قضائية، وإعلان، ومبدأ تكافؤ الفرص، وتقرير الاحتياج الحقيقي لشغل الموضع القضائي".

ويرفض القاضي حمارشة ندب القاضي لوظيفة وكيل الوزارة بعد تعيينه قاضٍيا، مستدلاً بالمادة 23 من قانون السلطة القضائية، والتي تنص على أن يكون الانتداب لأعمال قانونية وليس لوظيفة، متسائلا "أين المصلحة العامة في تعيينه قاضيا؟ ونفس المصلحة العامة بندبه وكيل وزارة، وإبقائه وكيلاً للوزارة؟ تبدو هذه مصلحة خاصة تم إلباسها ثوب المصلحة العامة. راتب القاضي أعلى من راتب وكيل الوزارة، وبالتالي فإن المنفعة المالية واضحة، وفي نفس الوقت الحصول على امتيازات وكيل الوزارة المالية وفقاً للمرسوم الرئاسي".
ورأت شخصيات قانونية أخرى ضرورة النظر بشكل شامل في مشكلة القضاء، ويقول المحامي في مؤسسة الحق، أشرف أبو حية، لـ"العربي الجديد": "القضاء بحاجة إلى إصلاح"، مطالباً بتشكيل مجلس قضاء دائم وفق القانون، معتبراً أن "تشكيل مجلس القضاء الأعلى الانتقالي كان مخالفاً للقانون، وما رشح عن أعمال قام بها من ندب للقضاة، ومساءلة أو إحالة بعضهم على التفتيش والمجالس التأديبية على خلفية حرية الرأي والتعبير أثبت أن المجلس الانتقالي لم يعمل في إطار المبتغى منه، وهو إحداث إصلاح في القضاء".
وأضاف أبو حية: "يجب أن يتم النأي عن التدخل بالسلطة القضائية، سواء في محاولات لإحداث ترتيبات قبل انتهاء مجلس القضاء الأعلى الانتقالي، أو في مرحلة العودة للمجلس الدائم. نحن بأمس الحاجة إلى أن تكون هناك وقفة جادة، ورغبة سياسية حقيقية لوقف التدخل في الشأن القضائي".

المساهمون