إيران في مواجهة الشيخوخة

08 نوفمبر 2021
مضطر إلى العمل على الرغم من تقدّمه في السنّ (دومينيكا زارزجيسكا/ Getty)
+ الخط -

أمام سيارة الأجرة الصفراء الخاصة به، كان حسين آغا يقف في ساحة أزادي (الحرية) غربي العاصمة طهران في انتظار ركاب، منادياً بصوت خافت ضعيف "إمام حسين"، في إشارة إلى وجهته. فاستقللت سيارته. كان الشيب وملامح الكبر واضحين عليه، وفي طريقنا توجّهت إليه بسؤال عمّا اذا كان يستفيد من معاش تقاعدي. أجاب: "لا معنى للتقاعد عندي. هذا مصطلح على الورق فحسب. التقاعد يعني بدء مرحلة جديدة في الحياة، مرحلة جني ثمار ما مضى من العمر والعمل، مرحلة الراحة بعد سنوات طويلة من العمل". يضيف آغا، وهو من طهران، أنّه تقاعد في عام 2015 من عمله في بلدية العاصمة، لكنّه مضطر إلى مواصلة العمل لإعالة أسرته، وإنّه دخل سبعينياته في العام الماضي، ويؤكد "ها أنا الآن سائق تاكسي في هذه السنّ. فظروف الحياة الاقتصادية الصعبة أجبرتني على ترك التقاعد جانباً ومواصلة العمل".
يتقاضى آغا شهرياً أقل من 200 دولار كمعاش تقاعدي، لكنّ ذلك لا يكفيه في ضوء الأزمة الاقتصادية الراهنة، على خلفية العقوبات الأميركية المفروضة على إيران منذ عام 2018، مشيراً إلى أنّ "حياتي كانت سالكة وجيدة قبل هذه العقوبات، لكنّها اختلفت تماماً بعد العقوبات". ويلفت آغا إلى أنّه يعشق العمل ولو بعد التقاعد، "لكن ليس من منطلق الاضطرار إليه، بل كخيار ولتمضية الوقت. ثمّة فارق ما بين أن تكون مضطراً إلى العمل لمدّة ثماني ساعات يومياً وبين أن تقوم به اختيارياً لساعة أو ساعتَين فقط"، مشيراً إلى أنّ لديه ثلاثة أولاد، هم ابنة عزباء وابنان متزوجان.
ويتحدّث السبعيني عن أحد أبرز أسباب اضطراره إلى مواصلة العمل بعد التقاعد، وهو الحاجة إلى توفير مبلغ قدره 10 آلاف دولار أميركي على أقلّ تقدير بهدف تجهيز منزل ابنته الزوجي المستقبلي. وابنته البالغة من العمر 31 عاماً، مطلوبة يدها للزواج، وقد جرت العادة لدى العائلات الإيرانية أنّ تجهّز النساء وعائلاتهنّ المنزل الزوجي كاملاً. وقصّة حسين آغا ليست معزولة في إيران، فكثيرون يشبهونه وإن اختلفت تفاصيل قصصهم. هؤلاء جميعاً لا تغطّي معاشاتهم التقاعدية تكاليف الحياة الخاصة بهم وبعائلاتهم، فيضطرون إلى العمل في هذه الفترة الاقتصادية الصعبة.

وقد تأثّرت حياة المسنّين في إيران بالأزمة الاقتصادية، في وقت تسجّل الشيخوخة في البلاد ارتفاعاً مستمراً، سواءً بسبب ارتفاع متوسط العمر المتوقع في خلال العقود الأخيرة وبلوغه 76 عاماً حالياً، أو تراجع الخصوبة خصوصاً في خلال العقدَين الأخيرَين. فوتيرة هبوط معدّل الخصوبة الكلية في إيران تراجعت من 2.07 أطفال لكلّ امرأة في سنّ الخصوبة في عام 2017، إلى 1.77 طفل في عام 2019، بحسب بيانات مركز الإحصاء الإيراني. كذلك تفيد دراسات سكانية حديثة بأنّ المعدّل تراجع في خلال عام 2020 إلى 1.7 طفل لكلّ امرأة.
وفي هذا الإطار، صرّحت مستشارة وزير الصحة الإيراني بهرام عين اللهي، شهلا خسروي، بأنّ الشيخوخة تسلك مساراً متصاعداً في إيران أسرع من المعدّل العالمي، إذ إنّه "في خلال الأعوام الستين الماضية، زاد معدّل الشيخوخة عالمياً خمس سنوات، أمّا في إيران فزاد 10 سنوات". وهذا ما دفع رئيس سكرتاريا المجلس الوطني لكبار السنّ الحكومي في إيران حسام الدين علامة إلى القول إنّ بلاده سوف تواجه "تسونامي الشيخوخة"، متوقعاً أن يشكّل كبار السنّ في عام 2056 ثلث سكان إيران. أضاف علامة في تصريحات بمناسبة اليوم العالمي للمسنّين الذي حلّ في الأوّل من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي واحتُفل به هذا العام تحت شعار "المساواة الرقمية لجميع الأعمار"، أنّ كبار السنّ الإيرانيين الذين تفوق أعمارهم 60 عاماً "يشكّلون 10.2 في المائة من سكان البلاد أي نحو ثمانية ملايين ونصف مليون". ولفت علامة إلى أنّ عدد هؤلاء في عام 1977، أي قبل عامَين من الثورة الإسلامية، كان خمسة في المائة من سكان إيران.

رجال مسنون في إيران (روزبه فولادى/ Getty)
الإيرانيون فوق 60 عاماً يشكّلون 10.2 في المائة من السكان (روزبه فولادى/ Getty)

وأكمل علامة أنّه من المتوقّع أن تصل نسبة كبار السنّ إلى 20 في المائة في عام 2041 (بعد عشرين عاماً) ثمّ إلى أكثر من 30 في المائة في عام 2056 ليشكّل هؤلاء بالتالي ثلث سكان إيران، محذّراً من أنّ ارتفاع الشيخوخة بهذا الشكل يضع البلاد أمام تحديات.
في سياق متصل، قال علامة إنّ ثمّة ارتفاعاً متوقّعاً في معدّل العزوبة النهائية والوحدة بين كبار السنّ في خلال العقدَين المقبلَين، نظراً إلى تراجع معدّل الإنجاب والعزوف عن الزواج أو ارتفاع معدّلات الطلاق في المجتمع، شارحاً أنّ من شأن ذلك أن يسبّب "مشاكل كثيرة لهذه الشريحة في ضوء النقص الشديد في البنى التحتية والقدرة الاستيعابية لمراكز رعاية المسنّين". كذلك يشير علامة إلى أنّ مستوى التعليم زاد بين المسنّين الإيرانيين نحو خمسة أضعاف مقارنة بما كانت الحال قبل خمسة عقود، ومن شأن ذلك إلى جانب التطوّرات التقنية المتسارعة أن يؤدّي بطبيعة الحال إلى رفع التوقعات لديهم لمفهوم الرفاهية. ودعا إلى تخطيط يواكب هذه التطوّرات لتأمين حياة أفضل لهذه الشريحة في المجتمع في ظلّ المتطلبات العصرية.

طلاب وشباب
التحديثات الحية

تجدر الإشارة إلى أنّ لدى المسنّين في إيران مكانتهم الخاصة في الحياة الأسرية، ويعيشون بمعظمهم مع أسرهم، وفقاً للقيم الإسلامية والإيرانية الموروثة من الماضي. فالبلد ما زال محافظاً على الرغم من التحوّلات الاجتماعية المتسارعة التي يشهدها في خلال العقود الأخيرة، بما فيها تبدّلات في أنماط الحياة وقناعات أبناء المجتمع. لكنّ نتائج هذه التحوّلات بدأت تظهر في المجتمع الإيراني، وسوف تظهر لاحقاً بشكل أكبر وسوف تطاول المسنّين أكثر من اليوم، وهو ما دفع الإيرانيين إلى إبداء الاهتمام بهم عبر إطلاق أسبوع المسنّ الوطني ما بين 28 سبتمبر/ أيلول والرابع من أكتوبر/ تشرين الأوّل. ومن بين التحوّلات الاجتماعية في إيران، أنّ الأسرة صارت أصغر حجماً مع مرور الوقت، إلى درجة أنّ الأسر الإيرانية بمعظمها باتت تكتفي بإنجاب طفل أو اثنَين، لأسباب اجتماعية وثقافية واقتصادية، بالتالي فإنّ المسنّين في المستقبل سوف يجدون أنفسهم وحيدين وبلا رعاية أسرية ومضطرّين إلى الاحتماء بمراكز الرعاية.

المساهمون