"عقدنا قراننا عام 2018، وخططنا أنا وخطيبتي للانتقال إلى بيتنا الزوجي المشترك عام 2019. كنتُ قد ادخرت مبلغاً من المال استعداداً لتحضيرات العرس وشراء الأثاث وتأمين بدل إيجار شقة. لكن بدءاً من منتصف 2018، بدأ كل شيء يتغير، وبدأت الأسعار ترتفع بوتيرة متسارعة، بما فيها بدلات إيجار البيوت، بعد فرض الإدارة الأميركية عقوبات على إيران وارتفاع سعر صرف الدولار في مقابل تراجع الريال الإيراني. كان الوقت يمر سريعاً ومعه تخبو آمالنا بتحقيق أمنياتنا. كنا نتابع الأسعار يومياً عسى أن تقف عند حد معين ثم تنخفض بعدها، لكن لم يحدث ذلك أبداً، حتى أيقنّا أنه لا يمكننا إقامة حفل زفاف عام 2019". هذا ما يقوله الشاب الثلايني فتحي لـ "العربي الجديد" عن صعوبات الزواج. ويوضح أنه في نهاية عام 2019، اضطر إلى استدانة نحو 5 آلاف دولار من الأقارب والمصرف بالإضافة إلى ما ادخره، "لكنني وجدت أن المبلغ لا يغطي تكاليف العرس وبدل إيجار المنزل والأثاث. وكنت قد اتفقت مع خطيبتي على أن أتولى شراء الأثاث لتخفيف الأعباء عن أسرتها بسبب ضعف قدراتها المادية".
في إيران، تشارك أسرة الفتاة في شراء المستلزمات الأساسية، وفق ما يعرف بـ"جهيزية" أي تجهيز الأثاث اللازم. يضيف أنه اضطر إلى اقتراض مبلغ إضافي هو سبعون مليون تومان (نحو 3 آلاف دولار) بصعوبة بالغة، لاستئجار بيت جنوب العاصمة طهران، "لأدفعه لصاحب البيت كوديعة وأسترجعه بعد مغادرة البيت". خططنا لإقامة حفل الزفاف في أبريل/ نيسان 2020، "إلا أن فيروس كورونا قضى على آمالنا، فقد خسرت عملي في المطعم الذي أغلق لأشهر عدة. عاود العمل مؤخراً لكن بعدد موظفين أقل. لكن مشكلتي أن بدلات إيجارات البيوت ارتفعت بشكل كبير".
وشهدت بدلات إيجار البيوت في إيران، وخصوصاً في المدن الكبرى في مقدمتها العاصمة طهران، ارتفاعاً كبيراً منذ عام 2018 بنسبة تتراوح ما بين 150 إلى 250 في المائة، بعدما خسر الريال خلال هذه الفترة نحو 700 في المائة من قيمته أمام الدولار.
ودفعت هذه الظروف الصعبة الكثير من المستأجرين الإيرانيين، أحد ضحايا العقوبات الأميركية، إلى الانتقال من المدن إلى الأرياف والعشوائيات. ويقول عضو لجنة العمران في البرلمان الإيراني السابق مجيد كيان بور، لوكالة "خانه ملت" التابعة للبرلمان في 9 فبراير/ شباط 2020، إن عدد سكان المناطق العشوائية في طهران زاد بنسبة 18 في المائة خلال عامي 2018 و2019، بسبب سوء الأحوال الاقتصادية وتراجع القوة الشرائية للمواطنين.
الأربعيني أمير حسين عزيزي، كان قد تزوج قبل 5 أعوام ويسكن غربي العاصمة طهران بالإيجار، يقول لـ "العربي الجديد" إنه يعمل منذ 25 عاماً في شركة لصناعة البلاستيك وقد ادخر المال لشراء بيت في عام 2019 بعد الحصول على قرض من مصرف السكن. يضيف أن المال الذي ادخره كان يغطي نحو 70 في المائة من سعر بيت مساحته 60 متراً جنوب غرب طهران مطلع 2018. لكن خلال العام التالي 2019، لم يعد يغطي إلا نحو 40 في المائة من السعر. واليوم، بينما نقبل على عام إيراني جديد (في 21 مارس/ آذار المقبل)، لم يبق الكثير من مدخراتي، وقد اضطررت إلى تدبير احتياجاتنا الضرورية بعد الارتفاع الكبير في أسعار الخدمات والسلع".
بحسرة، يتابع عزيزي: "ما تبقى لدي لا يغطي إلا نحو 10 في المائة من سعر شراء بيت بمساحة 50 متراً. لذلك، فقدت الأمل بشراء بيت. وإن استمر الوضع على ما هو عليه، فلا أظن أنه سيكون بمقدوري شراء بيت في حياتي".
وبحسب بيانات مركز الإحصاء الإيراني والبنك المركزي، ارتفعت أسعار البيوت في طهران خلال الأعوام الأربعة الأخيرة أكثر من 6 أضعاف، فمتوسط قيمة كل متر مربع واحد في العاصمة ارتفع إلى نحو 30 مليون تومان (1200 دولار).
وبحسب مؤشر القدرة على التملك، وهو أحد أهم المؤشرات المستخدمة لقياس القدرة على التملك، تراجعت قدرة الإيرانيين على شراء البيت إلى مستويات قياسية. وتذكر وكالة "نور نيوز" الإيرانية، في تقرير نشرته يوم 5 فبراير/ شباط الجاري، أن العائلة في طهران إذا ما ادخرت راتبها الشهري لمدة 18 عاماً، يمكنها شراء بيت بمساحة 75 متراً. وحسب الوكالة، فإن تضخم الأسعار خلال السنوات الثلاث الأخيرة قد وصل إلى مستويات قياسية، ما رفع مؤشر القدرة على التملك من 7.72 عاما إلى 18 عاماً.
ويشرح عزيزي معاناته وزوجته وتعرضهما لضغوط نفسية من جراء التراجع الحاد في قوتهم الشرائية، مضيفاً: "كنا قد أرجأنا إنجاب طفل إلى ما بعد شراء البيت، لكن لم يحصل ذلك. واليوم، ظروفنا النفسية لا تسمح لنا بالإنجاب، فنحن لا نعرف ما قد يحصل لنا غداً". يتابع: "نحن المواطنين البسطاء ضحايا سياسة الضغوط القصوى الأميركية وليس الحكومة الإيرانية، التي ظلت مصرة على مواقفها ولم تتنازل"، مؤكداً في حديثه لـ "العربي الجديد" أن "العقوبات الأميركية، بالإضافة إلى ضعف السياسات الاقتصادية في البلاد، وتفشي فيروس كورونا، كلها عوامل ساهمت في تدمير حياتنا".