خلال السنوات الأخيرة، عاد الاهتمام الرسمي والشعبي بالمدارس القرآنية والكتاتيب في الجزائر. وتشير أرقام السلطات إلى تزايد عدد رواد هذه المدارس، وقد وصل إلى حوالي مليون في أكثر من 18 ألف مدرسة قرآنية في جميع البلدات والمحافظات. وفي كل البلدات الجزائرية، يحرص عدد كبير من العائلات على إرسال أبنائها إلى المدارس القرآنية، وخصوصاً في تلك الريفية، ويلجأ الناس إلى إلحاق أطفالهم بهذه المدارس لتعلم الحروف وحفظ سور من القرآن.
وتستقبل هذه المدارس الفتية لحفظ القرآن وتعاليمه في فترة ما بعد الظهر. وتُلحق الكثير من العائلات أبناءها في الكتاتيب خلال العطل الدراسية الرسمية، من أجل حفظ القرآن وتعلم أصول الدين، بغية الاستفادة وتعزيز ثقافتهم الدينية وإبعادهم عن الألعاب الإلكترونية وما يرونه سلوكاً انحرافياً.
ولا يزال الكثير من المدارس القرآنية يعتمد على القراءة الجماعية في تعليم القرآن. ويقول إمام ومدير المدرسة القرآنية في منطقة مناصر بمحافظة تيبازة زين الدين بلمهدي إن "هذه المدارس تنقل الطفل إلى جو روحاني وتزيد من تركيزه في قراءة القرآن، وتساهم في توطيد العلاقة بين الطلاب من خلال التلاوة المشتركة. وتعد هذه الطريقة متوارثة منذ سنوات طويلة"، مضيفاً أنها "ساهمت في تحفيظ الكثير من الأطفال القرآن". ويرى أن القراءات الجماعية ضرورية وتساهم في تحقيق النطق الصحيح للآيات القرآنية وتصويب مخارج الحروف من خلال التعلم من الأخطاء. وهذه الحلقات تحصل عادة بين صلاتي العصر والمغرب أو حتى صلاة العشاء في بعض الأيام".
مع التطور الذي يعرفه العالم من خلال الاستعمال المتزايد للتقنيات الحديثة وتطور الأدوات البيداغوجية، يسعى العديد من القائمين على المدارس القرآنية إلى مواكبة هذا التطور واعتماد وسائل حديثة بدلاً من تلك التقليدية التي كانت سائدة في السابق، منها استخدام اللوح الأبيض لشرح كلمات وسور القرآن. ويؤكد رئيس مصلحة التعليم القرآني في مديرية الشؤون الدينية لمحافظة تيبازة الشيخ عبد الله بعلا، لـ "العربي الجديد"، أن المعلمين الجدد يعتمدون التقنيات الحديثة خلال تعليم القرآن حرصاً على تحضيرهم بشكل جيد قبل الالتحاق بالمدارس الابتدائية.
وبسبب دورها في تنشئة وتعليم الأطفال، تقدم وزارة الشؤون الدينية والأوقاف الكثير من التسهيلات لصالح اللجان التي تدير المساجد، والجمعيات التي تتولى الكتاتيب، والمدارس القرآنية المستقلة، بهدف استقطاب معلمي القرآن أو المساعدة في توفير الإمكانيات اللازمة للمساهمة في استقبال الأطفال الراغبين في قراءة وحفظ سور من القرآن. ويقول مفتش مقاطعة منطقة أحمر العين الشيخ ملياني محمد، لـ"العربي الجديد"، إن السلطات التي تتولى الشؤون الدينية تقدم كل التسهيلات الخاصة بتعليم القرآن، من خلال منح المال وتراخيص للمعلمين متخرجي المعاهد المتخصصة، لتعليم الأطفال في المساجد والمدارس التي لا تتيح تعليم القرآن، بهدف تشجيع الأهل على تعليم أبنائهم وتعميم الفائدة على جميع المناطق، وخصوصاً تلك النائية والريفية.
وخلال السنوات الأخيرة، تضاعف عدد الأطفال المسجلين في المدارس القرآنية. وقال وزير الشؤون الدينية والأوقاف يوسف بلمهدي، خلال افتتاحه الملتقى الدولي حول "مدرسة القراءات في الغرب الإسلامي"، الذي نظم في جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية في محافظة قسنطينة شرقي الجزائر، إن مجموعها بلغ 18 ألف مدرسة قرآنية، بعضها جهزتها السلطات في المساجد، فيما بنى رجال أعمال ومحسنون مدارس قرآنية. وبلغ عدد المسجلين فيها أكثر من 1.1 مليون. وفي نهاية كل موسم دراسي، تنظم فعالية لتوسيم الأطفال الذين حفظوا أجزاء من القرآن. ولا تزال بعض البلدات، وخصوصاً في غرب وجنوب الجزائر، تشهد مسيرة لأطفال الكتاتيب وروادها تكريماً وتشجيعاً لهم على حفظ القرآن.
يشار إلى أنه خلال الفترات الصعبة التي عاشتها الجزائر، وخصوصاً خلال الاستعمار الفرنسي، لعبت الكتاتيب والمدارس القرآنية دوراً أساسياً في الحفاظ على الهوية الجزائرية والمعتقدات الدينية الخاطئة التي حاولت بعض الأطراف ترويجها.