تعيش أغلب المحافظات التونسية على وقع غضب أصحاب الشهادات العليا من العاطلين عن العمل والمتخرّجين منذ ما يزيد عن 10سنوات، بعد قرار الرئيس التونسي، قيس سعيد، التراجع عن قانون يقضي بتشغيلهم تمّت المصادقة عليه منذ عام.
وفي محافظة القصرين، تجمّع اليوم الأحد عاطلون عن العمل للتعبير عن صدمتهم من تعامل رئاسة الجمهورية مع ملف التشغيل، وفي جندوبة وسيدي بوزيد وقفصة، انتفض أصحاب الشهادات العليا، مهدّدين بالتصعيد وتدويل قضيتهم في المحاكم الدولية.
وتأتي هذه التحرّكات مباشرة بعد لقاء وفد من العاطلين عن العمل برئيس الجمهورية قيس سعيد، والذي لم يعترف بالقانون عدد 38 لسنة 2020 والقاضي بانتداب من طالت بطالتهم، مقترحاً تعويضه بشركات أهلية، الأمر الذي رفضه العاطلون عن العمل.
ودخل المنخرطون في تنسيقية "الانتداب حقي" بمحافظة القصرين، مساء أمس السبت، في إضراب مفتوح عن الطعام بمقرّ اعتصامهم في مركز المحافظة، وذلك كشكل تصعيدي رفضاً لتصريح رئيس الجمهورية.
وقالت العضو من التنسيقية الجهوية "الانتداب حقي" بالقصرين، فايزة علاقي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنهم "يجتمعون اليوم أمام مقرّ المحافظة، وإنّ 12 من العاطلين عن العمل دخلوا في إضراب عن الطعام منذ ليلة أمس، وتعكّر وضع بعضهم". وأكّدت أنّ "كافة أصحاب الشهادات العليا العاطلين عن العمل متمسّكون بقرارهم ومستعدّون للتصعيد وخوض جلّ الأشكال النضالية في سبيل تحقيق مطلبهم في التشغيل". وأضافت أنّهم "يرفضون مقترح الرئيس العمل في شركات أهلية".
وأوضحت المتحدثة أنها "متخرّجة في اختصاص علوم الحياة رفقة شقيقتها منذ 2009، وتنحدر من عائلة معوزة يعاني الأب والأشقاء من إعاقات مختلفة فيها، مؤكّدة أنها شاركت في أغلب الوقفات والاعتصامات بالقصرين وسيدي بوزيد، وكان أملهم تفعيل القانون عدد 38، ولكنهم فوجئوا بتنصّل الرئيس".
وأكّد أحد العاطلين عن العمل بوادي مليز جندوبة، شمال غرب، عبد اللطيف مرغمي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ "رفض رئيس الجمهورية لقانون انتدابهم، وهو القانون عدد 38، الذي ختمه بنفسه وأمر بنشره في الرائد الرسمي، هو بمثابة رصاصة الرحمة التي أطلقت على آمال الراغبين في العمل". وأضاف أنّ "تصريح الرئيس فاجأهم وشكّل صدمة لمن طالت بطالتهم، وأنّ التحركات لن تقتصر على الإضراب عن الطعام في القصرين، بل ستتخذ أشكالاً غير مسبوقة قد تصل إلى حدّ تقديم شكاوي في محاكم دولية لأنه لم يعد لديهم ما يخسرونه بعد مضي هذه السنوات"، وأكّد أنّ "الغضب امتدّ لعدة محافظات، ففي جندوبة نفّذوا مساء أمس وقفة احتجاجية، وفي سيدي بوزيد وقابس وقفصة خرج العاطلون عن العمل للتنديد، وستتصاعد تقريباً وتيرة التحركات الأسبوع المقبل". وأشار إلى أنّ "الأمن أوقف زميلتين لهما، من العاطلات عن العمل بالعاصمة، كانتا تنويان الاحتجاج سلمياً وتعرّضتا للإهانة".
وأضاف مرغمي أنّ "ما حصل شكّل خيبة أمل كبرى وصدمة للعاطلين، إلى درجة أنّ هناك من يفكّر جدياً في وضع حدّ لحياته، وهناك من أصيب بالإغماء". وأضاف أنّ "الوفد الذي قابل الرئيس وجلّه من الفتيات قضوا ليلتهم في الشارع وفي البرد وفي وضع مهين ومخجل ولا إنساني".
وأضاف أنّ "عدد الذين فاقت بطالتهم 10 سنوات وعمرهم فوق 35 عاماً يقدّر بنحو 29 ألفاً، بحسب إحصائيات حصلنا عليها من مكاتب التشغيل، وليس 70 ألفاً كما يشاع وروّج البعض، إذ إنّ هذه النسبة قد تشمل جميع العاطلين عن العمل، كما أنه يمكن تشغيل 7 آلاف سنوياً ممن طالت بطالتهم على ثلاث سنوات".
ولفت إلى أنّ "هؤلاء، لا منظمات ولا أحزاب تقف وراءهم، وتصريح الرئيس بأنّ من أعدّ القانون فاسد، مغلوط، والغريب أنه وقّعه"، مؤكداً أنّ "أغلبهم من ضعاف الحال، وهناك حالات اجتماعية مخجلة، ومنها أنّ صاحب شهادة عليا بكالوريا مع 6 سنوات من التعليم العالي، يعاني من أمراض مزمنة يتسوّل تحت حائط جامع، وفتاة من سيدي بوزيد تعيش رفقة والدتها الثمانينية المريضة على صدقة الأجوار، فإنّ تولوا إطعامهما وإلّا تبيتان دون عشاء". وأكّد مرغمي أنهم "ثمانية أفراد في العائلة وهو حاصل على شهادة في الفيزياء صحبة ثلاثة من أشقائه، ولا أحد منهم يعمل"، وأضاف أنه "اشتغل سابقاً في أعمال هامشية وأصيب بحروق في يده جرّاء العمل الهشّ في البناء، ولا يستطيع إخبار والدته بقرار الرئيس لأنه كان يمنيها في كل سنة بالعمل، وكان لديهم أمل بعد 25 يوليو/ تموز في حلّ معضلة البطالة، ولكن للأسف هناك خيبة كبرى وبالتالي هؤلاء الذين يحتقرهم الرئيس هم شباب وراءهم أسر ومنهم من درس في ظروف صعبة وقاهرة". وأشار مرغمي إلى أنه كان يقطع أربعة كيلومترات للدراسة، وكانت أسرته تأمل أن يقدم لها العون ذات يوم".
كما أضاف أنّهم "اعتقدوا أنّ الرئيس سيحترم القانون، بحكم أنه أستاذ قانون دستوري ولكنه تنصل من تطبيق القانون، في الوقت الذي كان يجب فيه أن يتحاور مع الشباب ويستمع إلى مقترحاتهم لحلّ المشكلة، مؤكداً أنّ هناك عاطلين عن العمل من طلبة سعيد وممّن درّسهم هو بنفسه القانون".
وأوضح المتحدّث أنّ "الادعاء بأنّ الوظيفة العمومية لا تحتمل مزيداً من الانتدابات، أمر مغلوط لأنّه هناك نحو ثلاثة آلاف معلم وأستاذ سيحالون على التقاعد قريباً".