إشكاليات كفالة الأطفال الناجين من الزلزال في سورية

21 فبراير 2023
رعاية الأطفال المتضررين ضرورة ملحة (أوزان كوسي/ فرانس برس)
+ الخط -

انقشع غبار الزلزال الذي ضرب مناطق واسعة من تركيا وسورية، وظهر حجم الدمار الذي أصاب المدن والأرياف، وكانت حصة الأطفال من الضحايا كبيرة، رغم عدم وجود إحصائية نهائية.
نجا آلاف الأطفال من الموت تحت أنقاض الزلزال، لكنهم فقدوا عائلاتهم، مما أثار موجة من التعاطف، ودعوات لكفالة الأطفال من مؤسسات وأفراد، من بينهم فنانون ورياضيون، لكن اختلاف وجهات النظر حول الكفالة وطرقها وتبعاتها القانونية والدينية والاجتماعية يتواصل. تقول مريم عيسى (48 سنة) من القامشلي، لـ"العربي الجديد": "لم يرزقني الله أنا وزوجي بأطفال، ونحن مستعدون لكفالة طفل أو طفلين من الناجين من الزلزال، والعمل على تربيتهم ورعايتهم، لكن العملية معقدة، فاختيار الأطفال ليس سهلاً، وهناك الناحية القانونية، وتعقيدات الإجراءات، وما يتعلق بالأوراق الثبوتية، وأمور تتعلق بحالة الطفل، وإذا ما كان أحد أفراد عائلته يرفض الكفالة، أو يضع شروطاً معينة، وفي حال غياب أي أقارب حالياً، ربما يظهرون فيما بعد ليطالبوا به، فضلاً عن إجراءات استلامه من الجهات التي قامت على الإنقاذ".
بدوره، يقول أحمد المحمد لـ"العربي الجديد": "رزقت بابنتين وولدين، وبعضهم اليوم أرباب أسر، والأصغر أنهى دراسته ويعمل، ومستعد أنا وزوجتي أن نكفل طفلاً أو طفلة، ونقوم على الرعاية والتربية كما ربينا أولادنا، وأن نؤمن ظروف العيش الكريم لتعويضهم قدر الممكن عن خسارة عائلاتهم، وأدعو كل من يملك القدرة على التكفل بطفل، وعدم الاكتفاء بتقديم الدعم المالي، فالأطفال في الأعمار الصغيرة يحتاجون إلى أكثر من المال والطعام. يحتاجون إلى ملاذ اجتماعي وعائلي آمن، وتربية حسنة". يضيف المحمد: "علينا الاعتراف بأن ذلك ليس سهلاً، ولا تقتصر القصة على المشاعر العاطفية والنية الحسنة، وإنما هناك قواعد وشروط وإجراءات معقدة، سواء قانونياً أو اجتماعياً، فضلاً عن القدرة على التقبل والتكيف المتبادل بين الطفل والعائلة المستقبلة".
ويطالب كثيرون بتسهيل إجراءات كفالة الأطفال لتوفير مستقبل آمن لهم، وحمايتهم من التعرض للاستغلال، سواء الجسدي أو النفسي، أو استخدامهم في أعمال غير مناسبة، إضافة إلى ضمان الحماية والرعاية الكافية، وتأمين التعليم والدعم النفسي.

الصورة
الأطفال ضحايا الزلزال هم الفئة الأضعف (سلوان جرجس/Getty)
الأطفال ضحايا الزلزال هم الفئة الأضعف (سلوان جرجس/ Getty)

توضح المحامية سحر الرسلان، لـ" العربي الجديد"، أن "التبني مقبول ضمن مناطق الإدارة الذاتية، والقوانين تسمح به ضمن شروط وإجراءات محددة تعالج كافة المواضيع، ويجيز القانون تبني طفل، مشترطاً تسجيله بدفتر العائلة للزوج والزوجة، وفي حال التفريق بين الزوجين، فإن الحضانة تكون للأم حتى عمر الخامسة عشرة كما هو الحال مع الطفل الطبيعي، علماً أن تسليم الطفل للعائلة يتم عن طريق هيئة المرأة".
وتبين المحامية حنان الكردي لـ"العربي الجديد" أنه "لا يوجد تبنٍّ في القانون السوري، ولا يوجد تبنٍّ دولي أيضاً، ولكن المرسوم التشريعي رقم 2 لعام 2023 صدر لتنظيم ورعاية شؤون الأطفال مجهولي النسب، ويكرس هذا المرسوم مفهوم الرعاية البديلة، أو ما سماه القانون (الإلحاق)، ويمكن الأسر الراغبة من رعاية الأطفال مجهولي النسب وتربيتهم والإنفاق عليهم بموجب عقد إلحاق، من دون إعطاء هؤلاء الأطفال حق النسب والميراث، وتسمى العائلات بالأسر البديلة، ويجب أن تكون الأسرة الراغبة برعاية الطفل مجهول النسب مقيمة داخل سورية، وتفرض عقوبة إذا سجلت الأسرة البديلة الطفل مجهول النسب على قيدها".

تتابع الكردي: "تستطيع المرأة غير المتزوجة رعاية الطفل مجهول النسب بشرط أن لا يقل عمرها عن 40 سنة، وتستطيع المطلقة أو الأرملة رعاية الطفل مجهول النسب بشرط أن لا يقل عمرها عن 30 سنة، وأن تكون غير قادرة على الإنجاب. في ظل هذه الكارثة، يمكن لأي شخص يرغب في مساعدة هؤلاء الأطفال بطريقة قانونية تقديم طلب إلحاق إلى الجهات المختصة التي تهتم بشؤون الأطفال مجهولي النسب، أو تقديم مساعدات نقدية للمؤسسات التي تهتم بهؤلاء الأطفال".
وتوضح المحامية السورية أن هناك فرقاً بين الطفل مجهول النسب والطفل اليتيم: "الطفل مجهول النسب هو الذي لا يعرف من هما والداه، ولم يثبت نسبه، ولا يوجد من يعيله شرعاً، وليس لديه حق في النسب أو الميراث، أما اليتيم فهو الذي فقد والديه، أو أحدهما، وهو معروف النسب، ويكون له الحق في الميراث".

ويرى الناشط ياسر العليان، أنه "مع اختلاف مناطق النفوذ في سورية، يمكن تجاوز القوانين، والعمل وفق العرف الشعبي، كأن يكفل الأطفال الأيتام أقاربهم، أو منظمات مختصة، فالمهم هو الطفل بالدرجة الأولى، ويفضل للحفاظ على النسب الابتعاد عن التبني كي لا ينسى الطفل نسبه عندما يكبر".

المساهمون