إخلاء مئات مراكز الإيواء في قطاع غزة... خارج الخدمة

26 اغسطس 2024
كرر الاحتلال استهداف مدارس الإيواء في قطاع غزة (إياد البابا/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **مراكز الإيواء في غزة وتحدياتها المتزايدة:** تم استخدام قرابة ألف مبنى لإيواء النازحين في غزة، بما في ذلك المدارس والجامعات، ومع تزايد القصف خرجت العديد من مراكز الإيواء عن الخدمة.
- **تجارب النازحين ومعاناتهم:** عاش العديد من سكان غزة في مراكز الإيواء المؤقتة، التي أصبحت الآن خطرة وغير قادرة على توفير الحماية، مما دفع الكثيرين للبحث عن الأمان في الخيام.
- **تحديات إخلاء المراكز وتوفير المساعدات:** استهداف الاحتلال لمراكز الإيواء جعلها خطرة، وإخلاؤها يتطلب انسحاباً فورياً للمؤسسات الدولية، مع نقص كبير في الخيام اللازمة لإيواء الأهالي.

تشير تقديرات المكتب الإعلامي الحكومي في غزة إلى أن قرابة ألف مبنى تم استخدامها لإيواء النازحين منذ بداية العدوان الإسرائيلي، وأن جميع المدارس والجامعات تم استخدامها مراكز إيواء.

‏شهدت مراكز الإيواء مراحل عديدة خلال العدوان المتكرر على قطاع غزة، إذ كانت تعتبر مدارس وكالة "أونروا" الملاذ الأول بالنسبة للنازحين رغم القصف الإسرائيلي الذي استهدف الكثير منها في مرات العدوان السابقة، وقد كان لها أهمية كبيرة في العدوان الحالي، وإن اختلفت التفاصيل، إذ نزح سكان غزة إلى مدارس "أونروا"، وإلى المدارس الحكومية والخاصة، وحتى رياض الأطفال، وإلى مخازن المدارس، ومراكز توزيع المساعدات التابعة لـ"أونروا"، وإلى مؤسسات وجمعيات أهلية، وأيضاً مخازن تتبع وزارة التنمية الاجتماعية. 
ويواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي ملاحقة سكان قطاع غزة من مكان إلى مكان حتى حشرهم خلال الشهرين الأخيرين في بعض مناطق خانيونس وفي مدينة دير البلح التي أصبحت الأكثر اكتظاظاً في القطاع، قبل أن يبدأ الاحتلال تكرار قصف المدينة، ثم تهديد عدد من المناطق الجديدة في الفترة الأخيرة، من بينها المناطق الشرقية، ومناطق بالقرب من شارع صلاح الدين، وصولاً إلى إعلان خروج مراكز إيواء جديدة من الخدمة.
وخرج 25 مركز إيواء عن الخدمة في مدينة دير البلح، ليصل عدد المراكز التي خرجت عن الخدمة منذ بداية العدوان إلى أكثر من 400 مركز، من بينها مدارس ومقار جامعات كانت تؤوي عشرات الآلاف، حسب بيانات المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، والتي بات معظمها يقع في المنطقة الحمراء التي يصنفها الاحتلال "منطقة قتال"، رغم وجود بعض النازحين فيها حتى الآن، من دون مشرفين أو نقاط طبية أو نقاط لتوزيع المساعدات الغذائية. 

خرج 25 مركز إيواء عن الخدمة أخيراً في مدينة دير البلح

ويعتبر قرار المنظمات والمؤسسات المحلية إخلاء مركز إيواء بمثابة خروج عن الخدمة، إذ تتوقف تلك المنظمات عن تقديم الخدمات الإغاثية والطبية للنازحين، وتقوم بإخلاء المسؤولية عن المكان، ومطالبة النازحين بالبحث عن مكان آمن آخر. 
في الشهر الأول من العدوان الإسرائيلي، أعلن الناطق باسم وزارة الداخلية في غزة، إياد البزم، أن عدد مراكز الإيواء في قطاع غزة بلغ 225 مركزاً موزعة على جميع المحافظات، وكانت تشمل غالبية مدارس وكالة "أونروا" وعدداً قليلاً من المدارس الحكومية، ومع تزايد القصف الإسرائيلي توسعت عمليات النزوح. 
وبلغ عدد المدارس في قطاع غزة حسب إحصاء عام 2023 لجهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني 796 مدرسة، من بينها 442 مدرسة حكومية و284 مدرسة تابعة لوكالة "أونروا" و70 مدرسة خاصة، في حين بلغ عدد الأبنية المدرسية في القطاع 550 مبنى مدرسياً، منها 303 مبانٍ حكومية و182 مبنى تابعاً لـ"أونروا" و65 مبنى مدرسياً خاصاً.

يتعمد الاحتلال قصف كل مراكز إيواء النازحين (أشرف أبو عمرة/الأناضول)
يتعمد الاحتلال قصف كل مراكز إيواء النازحين (أشرف أبو عمرة/الأناضول)

ودمر الاحتلال الإسرائيلي معظم الجامعات التي تحولت في بداية العدوان إلى مراكز إيواء، وكان قطاع غزة يضم 17 من مؤسسات التعليم العالي، ما بين جامعة وكلية، ولم يتبق منها سوى فرع جامعة الأقصى في مدينة خانيونس على حدود منطقة المواصي.
وجرب الكثير من سكان غزة العيش داخل مراكز الإيواء المؤقتة. كان أسامة المصري واحداً من هؤلاء الذين عاشوا لأشهر داخل مدارس ورياض أطفال وجامعات ومحال تجارية، وقد انتهى به الأمر في خيمة نزوح صغيرة.

جرب الكثير من سكان غزة العيش داخل مراكز الإيواء المؤقتة

يقول المصري لـ"العربي الجديد" إنه بات يكره لفظ "مركز الإيواء" لأنه فقد نحو 20 فرداً من عائلته أثناء المجازر الإسرائيلية التي استهدفت مراكز الإيواء، وخصوصاً مدارس المنطقة الشمالية، ومدارس مخيم النصيرات، لكنه في نفس الوقت يعي أن الخيمة ليست مكان إيواء آمناً.
يضيف: "كنا نعيش في مراكز إيواء مؤقتة بالمنطقة الشمالية، ونزحنا مشياً على الأقدام لأن المراكز باتت خطيرة، ولا يوجد من يحمينا من المؤسسات الدولية أو المحلية، وقد لاحقنا جيش الاحتلال في مدارس أونروا ومراكز إيواء أخرى، ما جعل أملنا الأخير هو الخيمة، فإما سنموت مباشرة بالقصف فيها، أو ننجو بأعجوبة".
بدوره، نزح علي النجار (50 سنة) وأسرته المكونة من ثمانية أفراد إلى أحد مستودعات الأدوية التابعة لوزارة الصحة بالقرب من مخيم النصيرات، لكن الاحتلال قصف خلال الشهر الماضي منزلاً ملاصقاً للمستودع، ما أدى إلى إصابة خمسة أشخاص من بينهم طفلته الصغيرة سلمى (4 سنوات)، فاضطر للنزوح مجدداً، حتى وصل إلى غربي مدينة دير البلح. 

دمر قصف الاحتلال عشرات المدارس في غزة (داود أبو الكاس/الأناضول)
دمر قصف الاحتلال عشرات المدارس في غزة (داود أبو الكاس/الأناضول)

ويشدد النجار على أنه أحد الذين نزحوا بشكل متكرر بين مدارس "أونروا" والمدارس الحكومية والخاصة، كما عاش لفترات في عدد من المقار الحكومية في مدينة غزة، حتى تجاوزت عدد مرات نزوحه عشر مرات، ويوضح: "بات معظم أهالي غزة يدركون أن مراكز الإيواء أصبحت أماكن خطيرة بعد سلسلة الاستهدافات الإسرائيلية التي تعرضت لها، وقد نجوت من مجزرة مدرسة الرازي في مخيم النصيرات في يونيو/حزيران الماضي، وبعد المجزرة، انتقلت مع كثيرين إلى مستودع الأدوية الذي كان يؤوي عشرات الأسر، فقد أصبحت أتخوف من مراكز الإيواء، لأنه في كل مرة أتوجه إلى أحد المراكز يتم قصفه، وأنا أحد من نجوا مرات عديدة من القصف الإسرائيلي منذ دمر الاحتلال منزلي في مدينة غزة بالكامل". 
يضيف: "في الحروب السابقة كانت نسبة الأمان أكبر، وكانت تصل إلينا المساعدات الغذائية والإغاثية، وقد عملت في المطابخ الكبيرة لتجهيز الطعام للنازحين، لكن في هذا العدوان فقدت مدارس الايواء قدسيتها، سواء تلك التي تحمل علم الأمم المتحدة أو المدارس الحكومية. زوجتي تعاني من مرض سرطان الرحم، ولم تتلق أي مساعدات صحية عندما كنا نازحين في عدد من مدارس مدينة غزة، والتي خرجت عن الخدمة حالياً، وقد نزحنا إلى المناطق الجنوبية للبحث عن الأمن والخدمات، لكن فوجئنا بالقصف يلاحقنا، وبخروج مراكز الإيواء عن الخدمة، حتى أصبحت بالنسبة لي مراكز الموت وليس الإيواء".
كان محمد الأغا ‏أحد المشرفين على مركز إيواء في مدينة خانيونس، قبل أن يخرج مؤخراً من الخدمة بعد سلسلة التحديثات الإسرائيلية للمناطق الحمراء في وسط مدينة خانيونس، وتم إبلاغ الجهات والمؤسسات التي كانت تزود المركز بالخدمات أنه سيخرج من الخدمة لاعتبارات القتال، فقام الأغا بإبلاغ الأهالي بذلك، وانتقل إلى إحدى مناطق الخيام ليشرف على توزيع مساعدات تقدمها المنظمات الدولية فيها.
يعمل ‏الأغا موظفاً في وزارة التنمية الاجتماعية، وهو أحد من يتسلمون المساعدات ويشرفون على الإحصاءات الخاصة بالنازحين واحتياجات المرضى والأطفال، ويؤكد لـ"العربي الجديد"، أن صعوبات إخلاء المراكز تكمن في ضرورة الانسحاب المباشر للمؤسسات الدولية في حال حدوث أي تهديد إسرائيلي، ما يؤدي إلى أزمة كبيرة في ظل عدم وجود طريق آمن للنزوح. 

ويشير إلى أن "مراكز الإيواء أصبحت خطرة بالنسبة للجميع في ظل استهداف الاحتلال الإسرائيلي لجميع التجمعات، وبعد أن كانت تلك المراكز تستوعب مئات الآلاف من أهالي قطاع غزة، أدى خروجها عن الخدمة إلى تزايد الحاجة إلى كميات كبيرة من الخيام، وتقديري أن حجم النقص يقترب من 10 آلاف خيمة لإيواء الأهالي بعد قرارات الإخلاء الأخيرة".
‏يضيف الأغا: "مدارس الإيواء كان لها حضور كبير في عدوان عام 2014، وكذلك في العدوان الأول بين عامي 2008 و2009، ‏كذلك في عدوان 2021، وكانت جزءاً أساسياً من خطط الطوارئ السريعة نظراً لأن فيها حمامات، وخزانات مياه ومرافق، وتضم ساحة كبيرة تجعلها مؤهلة لأن تكون مكاناً مناسباً لفترة إيواء مؤقتة. عايش العديد من سكان قطاع غزة تجارب كثيرة من البقاء في مراكز الإيواء، وفي عدوان عام 2014، استمرت العائلات لقرابة العام داخل مدارس الإيواء، وكانت تستخدم الفصول للمعيشة، ثم تم استخدام كرفانات لإيوائهم بالقرب من منازلهم المدمرة. لكن في العدوان الحالي، أصبح هناك توجه واضح من المؤسسات، وعلى رأسها أونروا، لعدم التواجد الكثيف داخل المدارس، حتى لو كانت داخل ما يسمى المنطقة الآمنة، وأن تظل مراكز إيواء مؤقتة نظراً للتهديدات الإسرائيلية المستمرة، وتكرار قصف العديد منها من دون أي سابق إنذار".

المساهمون