حضر عماد أبو عيشة من الخليل، جنوب الضفة الغربية المحتلة، إلى أمام مجلس الوزراء الفلسطيني في رام الله، وسط الضفة، حاملا طفله الذي لم يتجاوز عامين وتبدو على رأسه آثار العمليات الجراحية بسبب إصابته بسرطان في الدماغ، كان ينتظر آخر جلسة للعلاج الشعاعي في مستشفى إسرائيلي، لكنه لن يتمكن من ذلك، كما يقول، بعدما أبلغته دائرة التحويلات في وزارة الصحة الفلسطينية خلال الأسبوعين الماضيين، بوقف التحويلات لمشافي الاحتلال بشكل كامل.
وسط العشرات من المعتصمين من أهالي المرضى أمام مجلس الوزراء الفلسطيني، يقول أبو عيشة لـ"العربي الجديد"، إن الوزارة تريد تحويله لمشفى فلسطيني في القدس أو إلى الأردن، رافضا ذلك بسبب التقارير الطبية الصادرة عن الأطباء التي تفيد بضرورة إكمال علاجه بالمستشفى نفسه، متخوفا من عودة الورم إليه في حال لم يحصل على جلسة العلاج الأخيرة.
واستغرب أبو عيشة توقيت القرار قائلا: "حين كان التنسيق الأمني والعلاقات متوقفة مع الاحتلال كانت التحويلة متوفرة وحين أعيد التنسيق تلغى التحويلات"، في إشارة إلى قرار السلطة الفلسطينية في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، استئناف العلاقات والتنسيق الأمني مع إسرائيل إثر فوز جو بايدن بالانتخابات الأميركية، وحصول السلطة على رسالة من منسق حكومة الاحتلال بالضفة تجيب عن سؤال التزامها بالاتفاقات الموقعة مع السلطة.
وبمثل ذلك الاستغراب يقول بسام عادي، القادم من بيت أمر في الخليل، لـ"العربي الجديد"، إن ابنه البالغ من العمر 18 عاما يعالج منذ 17 عاما بسبب مشاكل في الكبد والمناعة شبيهة بما يحتاجه مرضى السرطان من علاج، ليتوقف علاجه لأول مرة منذ ذلك الحين حين أخبرته وزارة الصحة قبل عشرة أيام بوقف التحويلات، وإبلاغه بعدم التغطية المالية لآخر مرة توجه فيها للعلاج في مشفى إسرائيلي لمدة 20 يوما بعد انقطاع الأدوية الخاصة به في الضفة الغربية، ويتابع: "حين كانت العلاقات مع الاحتلال متوقفة كان ابني في المشفى الإسرائيلي، وحين عادت العلاقات توقفت التحويلات".
ويقول فهد فوارغة، أحد منسقي الوقفة الاحتجاجية أمام مجلس الوزراء، لـ"العربي الجديد"، إن الأزمة سببها توقف التحويلات بشكل تعسفي ومفاجئ بدون علم الأهالي، ودون الحصول على تبريرات من الوزارة.
ولم يستطع "العربي الجديد" الحصول على توضيح رسمي من وزارة الصحة الفلسطينية حول القرار الأخير الذي يحتج ضده الأهالي بسبب وجود اجتماعات للوزارة مع رئيس الوزراء حول الملف ذاته، كما جاء الرد، ولكن حصل على معلومات من مصادر بأن القرار صدر خلال الأيام العشرة الماضية، ووصفت المصادر ذلك القرار بأنه سيادي وسياسي بوقف كامل لكافة التحويلات الطبية للمشافي الإسرائيلية، وإلغاء الاستثناءات التي كانت تعطى لتحويل مرضى إلى تلك المشافي رغم القرار السابق بوقف التحويلات، حيث كانت السلطة الفلسطينية قد أعلنت وقفها عام 2019 بعد اقتطاع الحكومة الإسرائيلية لأموال رواتب الأسرى وذويهم من المقاصة ضمن خطة للانفكاك الاقتصادي عن الاحتلال.
الاعتصام شهد نزول رئيس الوزراء محمد اشتية من مكتبه إلى مكان قريب من بوابة مجلس الوزراء حيث تمكن عدد من المحتجين من الوصول متخطين الحاجز الأمني الذي أقامته الشرطة الفلسطينية. واستمع اشتية للمحتجين الذين شرحوا حالاتهم، وطلب الاستماع إلى عدد من الأهالي ومعاناتهم، وليطلب منهم بعدها التوجه إلى مدير التحويلات الطبية في الوزارة هيثم الهدري، قائلا: "اذهبوا إلى الهدري، الجواب لديه، أبناؤكم أبناؤنا وسنقدم لهم كل ما نستطيع، وإذا لم تحصلوا على الإجابة عودوا إلي".
وبناء على تطمينات رئيس الوزراء بوجود حل لقضيتهم، توجه الأهالي للقاء مدير التحويلات الطبية، لكن لقاءهم باء بالفشل، من وجهة نظرهم، ليعودوا إلى الاعتصام مرة أخرى أمام مجلس الوزراء في رام الله.
يقول بسام عادي لـ"العربي الجديد": "الهدري قال إن الوزارة ستدرس كل حالة على حدة، حيث سيتم استكمال العلاج وفقا للتحويلات الطبية في المشافي الإسرائيلية لتلك التي تحتاج لعمليات زراعة والحالات الصعبة، فيما لن تستكمل التحويلات لكل الحالات"، وأكد عادي أن الأهالي رفضوا هذا الطرح وعادوا للاعتصام لأنهم يطالبون بحل للجميع.
بعض المعتصمين طالبوا بإعادة التحويلات التي توقفت لأبنائهم منذ عامين أي منذ القرار السابق بوقف التحويلات إلى المشافي الإسرائيلية. تحرير زهران، من قرية دير أبو مشعل في رام الله، تقول لـ"العربي الجديد"، إنها تطالب بمعالجة طفلها في مشفى إسرائيلي لطفلها البالغ من العمر 5 أعوام، والذي يعاني من سرطان الدم ومنذ عامين توقف تحويله، وتعلل طلبها بعدم الثقة في المشافي المحلية حيث تروي تجربتها في أحد المشافي بإعطائه أدوية لا علاقة لها بمرضه.
في حين تستغرب أم هاني عدم توفير مشاف فلسطينية بديلة رغم قرار وقف التحويلات المستمر منذ ما يقارب عامين تقريبا.