أهالي العريش... احتجاجات السكان تؤدي لتسوية

14 يوليو 2023
أهالي العريش يصرون على حقوقهم (خالد دسوقي/ فرانس برس)
+ الخط -

مع مرور الوقت، يتزايد الضغط الذي يشكله رفض أهالي حي ميناء العريش بمحافظة شمال سيناء شرقي البلاد، على الدولة المصرية، التي تسعى إلى تنفيذ مشروع استراتيجي على حساب منازل المواطنين وأملاكهم. ويرفض هؤلاء السماح للدولة بالتنفيذ لعدم قبولهم بالتعويضات التي لا تتناسب مع حجم الضرر الذي سيصيبهم، ما دفع الدولة إلى التفاوض معهم مباشرةً بعيداً عن المؤسسات الحكومية المحلية.
وفي التفاصيل، يقول مصدر حكومي بمدينة العريش لـ "العربي الجديد" إنّ الاحتجاجات التي ينظمها سكان حي الميناء، وتنشر عبر مواقع محلية وعربية ومواقع التواصل الاجتماعي بشكل يومي، والتي يعربون خلالها عن رفضهم لهدم منازلهم والقبول بتعويضات مالية تراها محافظة شمال سيناء مناسبة لحجم الضرر، دفعت رئاسة الجمهورية إلى إرسال وزير النقل كامل الوزير مرة أخرى إلى سيناء لعقد لقاء مباشر مع أهالي حي الميناء وليس عبر الوسطاء المتمثلين بإدارة المحافظة ورئاسة مجلس المدينة والأمن.
يضيف أن حجم الاعتراض والرفض وصل إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي، من خلال آلاف المناشدات التي أطلقها السكان عبر كافة القنوات الرسمية والإعلامية والاجتماعية، إلا أنها لم تحقق أي إنجاز ملموس خلال السنوات الماضية، إلى أن أرسل السيسي الوزير الشهر الماضي للاطلاع على مشروع توسعة الميناء على حساب منازل المواطنين، وعقد لقاء عاجل معهم بناءً على طلب الأهالي. اللقاء الأول لم يكن كافيا في ظل إحاطة وزير النقل بعدد من المسؤولين المحليين الذين أعاقوا إيصال رسالة الاعتراض بشكل صحيح وواف إلى الوزير ومنه إلى رئاسة الجمهورية.
ويوضح أن استمرار تظاهرات الأهالي وحديثهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وإيصال رسائل مباشرة إلى الوزير ورئاسة الجمهورية، دفعت السيسي إلى إرسال وزير النقل إلى سيناء مجدداً قبل يومين وعقد لقاء مباشر مع الأهالي، والاستماع لكل مطالبهم، وتنفيذها بالشكل المطلوب، ما يؤدي إلى حل الأزمة بشكل كامل، وإنهاء اعتراضهم على توسعة الميناء، وانتقالهم للبناء في مناطق أخرى بعد حصولهم على تعويضات مجزية تساوي حجم الضرر اللاحق بهم من جراء إخلاء منازلهم وهدمها.
ويشار إلى أن الأهالي المتضررين من توسعة الميناء نظموا مسيرات احتجاجية يومية في مناطقهم ووقفوا في وجه آليات الهدم وقوات الشرطة التي تم إحضارها بشكل كثيف إلى المنطقة لطرد السكان. كما رفضوا تسليم أوراق منازلهم لإدارة المحافظة في مقابل الحصول على تعويضات مالية، ولم يتركوا مناسبة وطنية أو دينية إلا ووجهوا رسائلهم إلى السيسي وجميع المسؤولين في الدولة، وسط تجاهل لمطالبهم من المسؤولين المحليين وأعضاء سيناء في مجلس النواب.

وبحسب أحمد عوني، أحد القائمين على لجنة الأهالي المتضررين من توسعة الميناء، فإن لقاءً عقد في المدينة الشبابية بمدينة العريش بين وزير النقل والعشرات من الأهالي المتضررين، تضمن الاستماع إلى جميع الأطراف، فيما طُلب من الوزير أن يكون اللقاء المقبل في حي الميناء لطمأنة الأهالي بأن حقوقهم محفوظة، وأن وجودهم شرعي، ولا يمكن انتزاع ملكيتهم بالشكل الذي تم خلال الأشهر الماضية إلا برضا الطرفين، وتقديم التعويض المستحق لكل مواطن سيتنازل عن منزله وأرضه لصالح المشروع.
ويقول عوني لـ "العربي الجديد" إن زيارة هامة حدثت يوم الأحد الماضي من الفريق كامل الوزير بتكليف رسمي من رئيس الجمهورية للاجتماع مع الأهالي المتضررين من توسعة ميناء العريش، وقال خلالها إنه يحمل رسالة طمأنة شخصية من الرئيس السيسي للأهالي، مشيراً إلى أنه لن يتضرر أحد منهم ولن يخرج أي مواطن من بيته رغما عنه. وإذا كانت هناك أي تجاوزات أو أخطاء سابقة فإنها لن تتكرر. يضيف أن وزير النقل أكد أنه مفوض من الرئيس بالتواجد بشكل شخصي ومستمر مع الأهالي إلى حين حل هذا الأمر بما فيه الصالح للجميع، مؤكداً أنه مفوض بتشكيل لجنة رسمية من الأهالي لعرض رؤيتهم ومقترحاتهم والمساعدة فى إيجاد حل مناسب يرضى جميع الأطراف تحت مسمى "لجنة فض منازعات"، تعمل كهمزة وصل بينه شخصياً وبين الأهالي المتضررين ويستمر عملها إلى حين الانتهاء من هذه المشكلة بشكل نهائي والتغلب على أي معوقات تواجه الأهالي بحي الميناء.  

أعمال البناء مستمرة في العريش (خالد دسوقي/ فرانس برس)
أعمال البناء مستمرة في العريش (خالد دسوقي/ فرانس برس)

وأوضح أنه خلال المؤتمر الجماهيري وجلسة الحوار الحقيقية التي تمت لأول مرة بشأن هذا الموضوع منذ 3 سنوات طلب الأهالي من الفريق كامل الوزير ضرورة وقف جميع أعمال الإزالة، لحين إيجاد حل لهذه المشكلة، وأعرب الأهالي عن فرحتهم الكبيرة وأنهم ولأول مرة منذ ثلاث سنوات يشعرون بالطمأنينة والراحة النفسية بسبب الاهتمام بهم وبكلامهم وغضبهم، وأكدوا له أن كل طلباتهم ورؤيتهم للحل سيتم صياغتها بتقرير واف سيتم إرساله له شخصيا للاطلاع عليه والبدء فى النقاش حول كل بند من البنود بما فيه الصالح للجميع.
وكان الفريق كامل الوزير قد صرح في وقت سابق بأن الزيارة التي قام بها إلى العريش كانت بتكليف من الرئيس لطمأنة المواطنين هناك أن أي مشروع قومي يتم تنفيذه يستهدف خدمتهم، إذ يتم توسعة ميناء العريش وربطه عبر ممر لوجستي مع طابا لربط البحر المتوسط وخليج العقبة على البحر الأحمر. أضاف في تصريحات تلفزيونية أن كل هذه المشاريع ستفيدهم وستوفر العديد من فرص العمل لهم. وأشار إلى أن أهالي العريش كان لديهم طلبات واقعية ومنطقية لكن المشكلة الأساسية أن بعض النقاط لم تكن واضحة لديهم فتم توضيحها، قائلاً إن كل مواطن سيتم نزع أرضه أو منزله سيحصل على بدل نقدي لتأمين سكن بديل أو شراء أرض للبناء عليها، وقيمة التعويض تحددها هيئات حكومية مختصة بهذا الشأن وليس لوزير النقل أو المحافظ دخل في ذلك. وأشار إلى أنه عقب اللقاء، اتصل به الرئيس وطلب منه ترضية الأهالي حتى لو تطلب الأمر زيادة ميزانية التعويضات 50 أو 100 مليون جنيه (نحو 3 ملايين دولار أميركي).

مصر (خالد دسوقي/ فرانس برس)
أدى مشروع توسعة ميناء العريش إلى هدم 1108 منشآت سكنية (خالد دسوقي/ فرانس برس)

ويعود سرّ اهتمام السيسي بالاحتجاجات المتنامية من قبل أهالي حي الميناء رفضاً لقرار الإزالة، إلى أن هناك بديلا لإقامة المشاريع على شواطئ المحافظة المترامية الأطراف، بينما تصر الحكومة على تنفيذ مشروع في مكان الكتلة السكانية الوحيدة على الشاطئ.
ووجه السيسي رسالة إلى أهالي مدينة العريش المهجرين على خلفية أعمال الإزالة الجارية لمساكنهم بدعوى توسعة ميناء الصيد القديم قبل أسابيع عدة، قائلاً: "سنعوض الناس في العريش، وأقول لهم: نحن لا نعمل ضدكم بل لأجل بلدنا ولأجلكم، ولتجدوا عملاً لكم ولأولادكم، ولمستقبل يليق بمدينة العريش وكل سيناء". 
يذكر أن الاهتمام الرسمي بميناء العريش بدأ بتحويله إلى جزء من ممتلكات المنفعة العامة، ونزع الملكية الخاصة للعقارات الواقعة في نطاق حدوده. ثم أصدر السيسي قراراً رئاسياً بنقل تبعية الميناء إلى الجيش، وتخصيص الأراضي المحيطة به لصالح وزارة الدفاع بإجمالي مساحة 541 فداناً، مع إبعاد الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس عن استخدامه أو إدارته ليصبح منطقة عسكرية.

وأدى مشروع توسعة ميناء العريش إلى هدم 1108 منشآت سكنية، و32 مبنى تجارياً، و23 منشأة حكومية، ومناطق ترفيهية وشاليهات، بينما صرفت تعويضات مالية هزيلة لعدد من العائلات التي قبلت بالتعويض لإخلاء منازلها.
وتعقيباً على ذلك، يقول باحث في شؤون سيناء فضّل عدم الكشف عن اسمه لـ "العربي الجديد" إن ما جرى مع ملف تعويضات أهالي حي الميناء يُدرس في الحالة المصرية كإنجاز، إذ اضطرت الدولة إلى سماع صوت المواطن، ويجب استنساخ الأمر في ملفات أخرى في سيناء، كملف تعويضات أهالي مدينة رفح التي أزيلت من الوجود بشكل كامل، وعشرات القرى المحيطة بها. ولا يزال آلاف المواطنين يعيشون التهجير القسري في انتظار قرار حكومي بعودتهم إلى أراضيهم لإعادة إعمارها مجدداً في حال تم صرف التعويضات التي يستحقونها في ظل الغلاء الذي أصاب كل مناحي الحياة في مصر.
يضيف الباحث أن ما جرى في العريش يعتبر إنجازاً لكل مواطن في ذلك الحي، إذ وقفوا بصدورهم العارية أمام آليات الهدم والإزالة، ولم يقبلوا التهديد والوعيد الذي صدر عن مسؤولين أمنيين وحكوميين في سيناء، وجاء اليوم الذي ينالون فيه حقوقهم، في حين يتوجب على كل أصحاب المظالم في سيناء إعلاء صوتهم في وجه الحكومة والدولة، لنيل حقوقهم الأساسية في العودة إلى ديارهم، والحصول على التعويضات اللازمة، بعد سنوات طويلة من المعاناة نتيجة الإرهاب ومكافحته، ونتيجة الإجراءات الحكومية الخشنة والتجاهل لمطالب المواطنين واستحقاقاتهم كبقية المواطنين في المحافظات المصرية المختلفة.

المساهمون