أهالي الضاحية الجنوبية يأملون بالعودة السريعة إلى الحياة الطبيعية

15 ديسمبر 2024
فرحة العودة إلى منزله في الضاحية، 28 نوفمبر 2024 (حسام شبارو/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- بدأت الحياة تعود تدريجياً إلى ضاحية بيروت الجنوبية بعد وقف إطلاق النار، حيث يعمل السكان على إصلاح الأضرار في منازلهم، وفتح التجار محلاتهم لتلبية احتياجات العائدين.

- تعبر سميرة فخر الدين عن مشاعرها المختلطة عند عودتها، حيث تشعر بالطمأنينة رغم الدمار، وتبدأ في تنظيف منزلها وتلتقي بجيرانها لاستعادة تفاصيل حياتها السابقة.

- يواجه السكان تحديات كبيرة في إعادة تأهيل منازلهم، ويصرون على العودة والإصلاح رغم الصعوبات، منتظرين المساعدات لإعادة إعمار الأحياء المدمرة واستعادة حياتهم الطبيعية.

بدأت الحياة تعود إلى ضاحية بيروت الجنوبية التي احتضنت سكانها الذين غادروها عنوةً بعد غيابٍ طويل. في غالبية الأحياء، يبادر التجار إلى تنظيف محلاتهم، ويزيلون الحجارة المتراكمة أمامها، أما أصحاب الشقق السكنية، فباشروا بتصليح الأضرار.
ينظف عشرات الشبان مداخل المباني في منطقة الجاموس التي تعرضت لقصف عنيف، ويزيلون الزجاج المكسور. وفي كل أحياء الضاحية، حتى تلك التي تضررت بشكل كبير، فتحت المتاجر المتخصصة لبيع الزجاج والألمنيوم والخشب أبوابها، وبالقرب من أوتوستراد هادي نصر الله، فتحت بعض الأسواق التجارية أبوابها رغم الدمار، وتحديداً محال السلع الغذائية وأدوات التنظيف التي يحتاجها السكان العائدين.
تقول سميرة فخر الدين، لـ"العربي الجديد": "في الخامسة من صباح يوم الأربعاء 27 نوفمبر/ تشرين الثاني، وبعد مرور ساعة واحدة على بدء تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، غادرت منزلي المؤقت في بيروت متوجهةً نحو الضاحية الجنوبيّة. كان مشهد الدمار قاسياً وموجعاً ورائحة البارود قوية ومزعجة. تأملت الأحياء القريبة من منزلي في منطقة بئر العبد. صمد منزلي ولم تُدمّره الطائرات الحربية الإسرائيليّة، لكن ملامحه تغيرت. فتحت باب البيت بعد شهرين من نزوحي، وأشعلت النار لتحضير القهوة. أردت فقط أن أشرب قهوتي على الشرفة كما اعتدت سابقاً في كل صباح. وضعت الكرسي الخشبيّ في مكانه المُعتاد وشربت القهوة. هذا كل ما كنت أرغب في فعله بعد وقف إطلاق النار. أن أشعر بالطمأنينة والسكون لبعض الوقت. تجولت في المنزل أكثر من ست مرات. إنها المرة الأولى التي أشعر فيها باشتياق للإسمنت والحجارة. تمنيت لو أنّ في استطاعتي احتضان بيتي. اختلطت مشاعري كثيراً، وشعرت بسعادة كبيرة بالرجوع إلى منزلي، لكنني حزنت على الدمار". 

احتضنت الضاحية الجنوبية سكانها الذين غادروها عنوةً بعد غياب

تضيف فخر الدين: "منذ اليوم الأول، باشرت بالتنظيف، وبدأت الشوارع من حولي تزدحم بالسكان. كل جيراني زاروا منازلهم وتفقدوها. رميت ألواح الزجاج المكسورة، وحاولت أن أقضي الليلة في غرفتي، لكن الأمر كان صعباً. المنطقة بأكملها معزولة، والتيار الكهربائي غير متوفر، والمياه مقطوعة، وشبكة الاتصالات معطلة. من الصعب العودة إلى المنزل قبل توفير الأمور الأساسية". 
وتوضح: "الطريق المؤدية إلى منزلي مقطوعة بالردم، ومن الصعب تحرّك السيارات بسهولة. لذا ننتظر إزالة الردم. رغم أن الأمر قد يحتاج إلى أسابيع، لكنني أزور المنزل يومياً، وأقضي ساعات عدة أنظفه وأرتبه، وألتقي الجيران ونتبادل الأحاديث. إحدى جاراتي زارت منزلي، وشربنا القهوة معاً. المنازل تحتاج إلى ترميم وتنظيف، لكننا لم نعد نرغب في مغادرتها، ونتوق إلى استعادة كل تفاصيل حياتنا السابقة".

أهالي الضاحية يتولون تنظيف الأحياء بما تيسر، 2024 (حسام شبارو/الأناضول)
أهالي الضاحية يتولون تنظيف الأحياء، 2 ديسمبر 2024 (حسام شبارو/الأناضول)

في منطقة الصفير بالضاحية الجنوبية، عاد علي نصور إلى منزله وقرّر المكوث فيه منذ اليوم الأول. ويقول: "انتظرت هذه اللحظة كثيراً بعدما أرهقنا النزوح والتنقل. لذلك قررت الرجوع. نظفت مدخل المبنى من الزجاج والحجارة، وأخرجت الزجاج المكسور. الدمار يحيط بمنزلي، لكنني لم أكترث. اجتمعت مع الجيران، وقررنا الاستعانة بمتخصصين للكشف على المبنى، سواء كان متصدعاً أو متضرراً، لكنني لم أنتظر موعد المعاينة، بل قضيت الليلة في منزلي، علماً أن التيار الكهربائي في حاجة إلى صيانة، والمياه مقطوعة من الشارع. كانت الليلة الأولى التي أشعر فيها براحة وطمأنينة. كنت أريد الرجوع فقط إلى منزلي. هناك الكثير من الأضرار المادية، وخلال وقت قريب سيتوفر التيار الكهربائي والمياه. بدأت التصليح على نفقتي، وبعض الأبواب خُلعت بسبب قوة الانفجارات، وبالقرب من منزلي، فتحت أبواب متاجر تصليح الزجاج والألمنيوم لتيسير أمور السكان".  
تعيش هنا الجواد في الضاحية الجنوبية بالقرب من أوتوستراد هادي نصرالله. وبعد وقف إطلاق النار، زارت منزلها لتفقده. تروي لـ"العربي الجديد": "كان المنزل مظلماً وغريباً. فتحت أبواب النوافذ لتهويته، وتأملته كثيراً، لكنني لم أتمكن من حبس دموعي. بكيت فرحاً لأنني لم أخسر منزلي، أو لأنني اشتقت إليه كثيراً، وربما بسبب قسوة الحرب. كان الغبار يكسو كل شيء، حتى أن لون الأثاث تغير. رغم ذلك، استلقيت على الكنبة المفضلة لي، ونمت أكثر من ساعتين. هذا أفضل ما قمت به منذ بدء الحرب الإسرائيليّة على لبنان". 
وتوضح الجواد: "خلال الحرب، كنت أتبادل مع زوجي الأحاديث حول مصير العائلة، وأن العودة إلى الضاحية الجنوبية لن تكون سهلة. كنا نخاف من أن تصبح المنطقة معرضة للقصف دائماً، وفكرنا في إيجاد شقة خارج بيروت للاستقرار فيها، لكن بعد توقف الحرب، لم نعد نفكر في أي شيء سوى العودة إلى منزلنا وتصليحه، ولم نعد نرغب في تركه أبداً لأننا تعبنا سنوات كثيرة كي نتمكن من شرائه".

تضيف: "يحتاج المنزل إلى الكثير من الوقت ليصبح جاهزاً للسكن، فالأبواب مخلوعة والزجاج محطم وبعض الخزائن الخشبية مكسورة. سأحتاج إلى أيام لأعيد ترتيب الأغراض التي أخرجتها خلال الحرب، كالفرش والأغطية وثياب عائلتي. نقل ابني كل أغراضه خلال الحرب خوفاً من أن يخسر كل شيءٍ. لذلك لن تكون العودة سهلة أو سريعة، لكن لم أعد أحتمل المكوث خارج المنزل. قبل إعلان وقف إطلاق النار، رتبت الثياب في أكياسٍ بلاستيكية، ووضعت الوسائد والأغطية في أكياس أيضاً. وضعت هذه الأغراض في صندوق السيارة صباحاً، وتوجهت إلى منزلي، وأفرغتها في الخزائن".
تتابع الجواد: "بدأت بشراء أدوات التنظيف، وتابعنا مع أصحاب المبنى لترتيب الأمور الأساسية، كالمياه والكهرباء والإنترنت وغيرها. كذلك يزيل عناصر البلديات الركام تدريجياً، وننتظر إعادة إعمار الأحياء المدمرة، وكذلك المساعدات التي ستقدم إلى العائلات كي يتمكنوا من تصليح الأضرار. لم أعد أتمكن من البقاء خارج منزلي، وهذا حال الكثير من العائلات، وخلال وقت قريب، سأعود، حتى وإن لم أتمكن من تصليح كل الأضرار، يكفي أن أقوم بتأمين التيار الكهربائي والمياه، ثم سأرتبه وأزيل الزجاج، وسأغطي النوافذ المكسورة بالنايلون مؤقتاً، وبعدها تتضح الصورة". 

المساهمون