أهالي الشهداء المحتجزة جثامينهم لدى الاحتلال: "هناك تقصير من كل الجهات في هذا الملف"
لم تنسَ الفلسطينية فطّوم ابنها الشهيد براء صالح الذي لا يزال جثمانه محتجزاً لدى سلطات الاحتلال الإسرائيلي، والتساؤلات تحرق فؤادها عن مكان احتجازه، فهي لا تعلم إن كان في الثلاجات كمعظم الشهداء المحتجزين منذ ما بعد هبّة القدس عام 2015، أو أنه دُفن في مقابر الأرقام.
حملت فطّوم صورة ابنها، من بلدة دير أبو مشعل شمال غرب رام الله وسط الضفة الغربية، وسط عشرات من أهالي الشهداء أمثالها على ميدان المنارة في رام الله، متأثرة بمشهد رأته قبل أيام قليلة لجثمان شهيد سلمته سلطات الاحتلال في بيت لحم والثلج يغطي كل وجهه.
تقول والدة براء الذي استشهد في باب العامود في القدس المحتلة بعد تنفيذه عملية ضد جنود إسرائيليين عام 2017 لـ"العربي الجديد"، إنّ معنوياتها عالية، لكنها في كل مرة تفتح باب الثلاجة (البراد) تتساءل: "هل يعقل أن ابني في الثلاجة؟ الجميع رأى الشهيد الطفل أمجد أبو سلطان وكأنه مدفون في الثلج، لا أحد يهتم بقضيتنا".
لا تعرف الأم بالضبط أين هو ابنها، وتقول إن من حقها أن تعلم أين يحتجز الاحتلال جثمانه، وتؤكد أن محاكم الاحتلال ومتابعة المحامين لملفه هو وزميليه الشهيدين أسامة عطا وعادل عنكوش الذين استشهدا معه، لم تسفر عن أي معلومة دقيقة، وهو ما يزيد حرقتها.
في ميدان المنارة وسط مدينة رام الله، وقف العشرات من أهالي الشهداء كل يحمل صورة ابنه، صور باتت الشيء الوحيد الذي يستطيع الأهالي زيارة أبنائهم من خلاله، فلا قبر لتلاوة الفاتحة.
لا يُخفي كثير من أهالي الشهداء المشاركين في الوقفة شعورهم بتقصير كل الجهات الرسمية والحقوقية والشعبية، مطالبين بتوجيهات من أعلى المستوى السياسي بإيلاء ملف جثامين أبنائهم الأهمية.
يطالب عبد الرحمن قوقاس، والد الشهيد عاهد قوقاس، من بلدة بيت أمر شمال الخليل جنوبيّ الضفة الغربية، الحكومة الفلسطينية بتشكيل لجان قانونية لمتابعة القضية، ويتابع في حديثه مع "العربي الجديد": "مطالبنا أيضاً موجهة إلى المؤسسات الحقوقية الفلسطينية والمؤسسات الدولية العاملة على الساحة الفلسطينية، أين دورها؟".
يتحدث قوقاس وسط وجع كبير يصفه بالقول إن ساعته توقفت منذ الخامس من يناير/ كانون الثاني الماضي، عند الثالثة عصراً، أي وقت استشهاد ابنه، إذ "لم نشاهد الجثمان، وهنالك ألم كبير جداً، من حقي أن أتعرف إلى الجثمان، حتى لحظة استشهاد ابني مجرد خبر، وأنا لم أره شهيداً".
فتح قوقاس لابنه قبراً بعد أسبوع واحد من استشهاده، لكن مَن دُفن فيه شهيد آخر، هو شوكت عوض. يقول إن دفن العائلات للشهداء يريحهم، فعلى الأقل يستطيعون زيارة القبور وقتما يشاؤون.
أما عدنان رواجبة، والد الشهيد بلال رواجبة، وهو أحد أفراد جهاز الأمن الوقائي الفلسطيني، فيقول في حديثه مع "العربي الجديد"، إنّ العائلات لا تريد لجاناً تتشكل دون فعل، بل تريد عملاً لإنهاء هذا الملف المؤلم، مطالباً الرئيس الفلسطيني محمود عباس بإيلاء الملف أولوية وتوجيه الحكومة بالعمل الجدي فيه.
ويطالب رواجبة القيادة الفلسطينية بتمكين أهالي الشهداء من فضح جرائم الاحتلال، عبر تشكيل وفد منهم وتأمين سفرهم لمحافل دولية من أجل شرح معاناتهم وآلامهم.
وتبدو المسارات القانونية أمام ملف الجثامين مغلقة داخل القضاء الإسرائيلي الذي لا يخرج عن استخدام المستوى السياسي الإسرائيلي له كورقة ضغط سياسي.
في هذا السياق، يقول منسق الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء والكشف عن مصير المفقودين حسين شجاعية لـ"العربي الجديد": إن أحد الردود من نيابة الاحتلال جاء فيه ربط ملف الجثامين بملف المفاوضات مع المقاومة في قطاع غزة حول جنود الاحتلال.
ويتابع شجاعية، قائلاً إن رد محكمة الاحتلال العليا الاسرائيلية الشهر الجاري، جاء برفض تسليم الجثامين، وبالاحتفاظ بها لتشكيل ورقة ضغط على المقاومة في المفاوضات، ما يعني انسداد الأفق القانوني بسبب هذا التعنت الإسرائيلي.
ويؤكد شجاعية أن الفلسطينيين يرفضون دفع أي ثمن مقابل تحرير جثامين الشهداء، فهو حق إنساني تضمنه الأعراف الإنسانية العالمية والدولية.
وبحسب الأرقام الموثقة لدى الحملة، فإن 90 جثماناً لا يزال الاحتلال يحتجزها منذ ما بعد عام 2015، إضافة إلى 254 جثماناً قبل ذلك منذ احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة وباقي القدس عام 1967.
وكانت الحملة ومركز القدس للمساعدة القانونية قد قدما عام 2015 التماساً بشأن الجثامين، وجاء الرد بتفاصيل أماكن دفن 121 جثماناً، فيما لم يُعلَم بأماكن دفن باقي الجثامين.
أما الشهداء المحتجزون منذ عام 2016 حتى اليوم، فمعظمهم في الثلاجات باستثناء 4 جثامين دفنت في مقابر معروفة لجيش الاحتلال، كما أكد شجاعية.