أمنيات السوريين معلّقة على شجرة عيد الميلاد

25 ديسمبر 2022
تجهيز شجرة الميلاد بساحة الحطب في حلب (فرانس برس)
+ الخط -

تميّز الشعب السوري دائماً بتعدد انتماءاته الدينية والمذهبية، وتنوع عاداته وطقوسه في الاحتفالات بحسب المرجعيات والتقاليد المتوارثة في المدن والمناطق، أو تلك الوافدة والحديثة. هذه اللوحة الفسيفسائية التي رسمت التداخل بين فئات المجتمع خلقت عبر الزمن حالات من المشاركة والتأثير المتبادل بين جميع الفئات.
في دمشق وريفها أضاءت الكنائس أشجار عيد الميلاد قبل أيام، وبدأت في تحضير احتفالات ليلة عيد الميلاد، واستغل معظم تجارها هذه الفرصة لمحاولة إنعاش مبيعاتهم، وتخطي الكساد الملحوظ نتيجة ارتفاع سعر الدولار، ومعه أسعار كل السلع والمواد. 
وفي الوقت ذاته، أعلنت معظم المطاعم برامجها الفنية لعيد الميلاد ورأس السنة، واختلفت أسعار بطاقات الحجز بين مطاعم دمشق بحسب البرنامج الفني والمطعم وحتى مكان الطاولة. وتفاوتت أسعار الألبسة وأشجار زينة الميلاد بين 200 ألف ومليوني ليرة (31.7 و316 دولاراً).
يعلّق ستيف على حال عيد الميلاد الحالي بالقول لـ"العربي الجديد": "يختلف شكل العيد عن السنوات السابقة، إذ فقد جزءاً كبيراً من بهجته ومتعته في مظاهر الفرح والاحتفالات، وبات حلوله يشكل عبئاً وهمّاً لمعظم السوريين مثل باقي الأعياد. غيّر الفقر والجوع والعوز طريقتنا في الفرح، فمعظمنا يصطنع الابتسامة والفرح، ويخلق أجواء العيد مع قلة من الأقارب والأصدقاء للحفاظ على الأعراف والكرنفالات كي يتوارثها الأطفال".
ويقول الشاب قاسم لـ"العربي الجديد": "يبحث الشبان عن فرصة للفرح وسط اليأس الذي يعيشونه في هذا البلد، ويحاولون أن يستغلوا الأعياد بالطريقة الأكثر مثالية خصوصاً عيد الميلاد ورأس السنة. وقد جمعت مع أصدقائي مبلغاً من المال لإحياء ليلة الميلاد".
وفي مدينة خبب التي تقع بريف درعا الشمالي أضاءت كاتدرائية سيدة الانتقال للروم الكاثوليك شجرة الميلاد، وافتتحت مغارة "يسوع رسول المحبة" أمام المحتفلين والزوار. وتمنى راعي الكاتدرائية الأب مرعي النجم أن تحيي المناسبة آمال السوريين بالخلاص القريب مما حل ببلدهم من آلام ومعاناة بسبب الحرب.
وفي السويداء ازدحمت الأسواق بالزبائن والبائعين المتجولين والمتفرجين والكثير من الأطفال. وبدا على الجميع ملامح الفرح المصحوبة بالأمنيات بعام قادم أفضل.

تقول سلمى التي تبيع الألعاب في أحد المحلات لـ"العربي الجديد": "أتوقع كل عام أن يتراجع الإقبال على الأعياد، ثم أتفاجأ بزيارة أعداد كبيرة من الناس الأسواق بفرح عارم يؤكد رفضهم رغم  المآسي التي يمرون بها العيش في اكتئاب، واستبعاد أعراف الأعياد ومشاعر الفرح من حياتهم".

الصورة
مستلزمات زينة الميلاد في الرقة (دليل سليمان/ فرانس برس)
مستلزمات زينة الميلاد في الرقة (دليل سليمان/ فرانس برس)

ويتحدث اللحام أبو جهاد الذي يسكن في حي الميدان بدمشق لـ"العربي الجديد" عن أن "المبيعات والتوصيات الخاصة بليلة العيد قليلة، ما يوحي بأن معظم الناس سيسهرون ليلة الميلاد ورأس السنة ضمن مجموعات صغيرة في المنازل، ويؤكد معاناة معظمهم من القلة والضيق".
من جهتها، تقول شيرين التي تسكن في مدينة حمص، لـ"العربي الجديد": "يأتي كل عيد ميلاد مختلفاً بالكامل عن سابقه. تغيّرت شجرة الأمنيات، وذهب بعض من كانوا يلتفون حولها. وهي لم تعد تنبض بالروح وخف ضوؤها مع مرور الوقت، كما زالت حكايات الجدات عن الشجرة وبابا نويل الرجل الخيالي الضخم ذي الشعر الأبيض واللحية الطويلة الذي يرتدي الزي الأحمر، وعربته المحملة بالهدايا. لم يعد لدينا إلا أمنيات نعلقها على شجرة العيد، وهي تتمثل اليوم في أن تجتمع العائلات، وتنبض روح العيد من جديد. ليست مشاعري سوداوية، لكن الفرح ناقص وليس كما في السابق. شجرة العائلة في هذا العيد تختلف تماماً، فهي صغيرة جداً مقارنة بتلك التي كان يجهزها والدي. أقارن اليوم وضعي كأم وقد فارق والدي الحياة منذ زمن، وأرجو أن يكون عيدنا القادم أفضل. سنحتفل بأمل عيش أيام أفضل، ولن نترك الشموع تنطفئ أبداً". 

من جهة أخرى، يسخر الأربعيني عيسى من الواقع الحالي، ويقول لـ"العربي الجديد": "قد أغادر منزلي في دمشق وأذهب إلى بلدتي في ريف حمص للقاء عائلتي والاحتفال، لكنني لم أحسم قراري. أتخيّل كيف كنا نستخدم الأضواء لإنارة شجرة الميلاد، ثم أصبحنا اليوم مثل هذه الشجرة مطوقين بأسلاك وأضواء وتغذينا بطاريات بالنور. أحاول كل عام أن أتغلب على الشعور باليأس وأصرّ على الاحتفال. وهذا العام أرجو أن أملك هذه القوة، كي يبقى للعيد رونقه وخصوصيته".
وكان معظم السوريين المحتفلين ينتقون في السابق شجرة عيد ميلاد كبيرة مخروطية خضراء طبيعية، ويبتعدون عن تلك الاصطناعية والبلاستيكية، ويهتمون بأدق التفاصيل في تزيينها وإضاءتها، ومن بين الزينة مغارات تمثل مكان ولادة السيد المسيح كي يجتمعوا قربها صباح العيد بأجمل الملابس الجديدة للكبار والصغار، ويعايدون بعضهم البعض في برد الشتاء الذي يكسره دفء العائلة، أما هذا العام فيختلف من نواحٍ عدة، فمعظم العائلات هاجرت، والباقون يعانون من الظروف الاقتصادية الصعبة، لكن ذلك لا يمنع تطلعهم للأفضل.

المساهمون