أكاديميون سوريون يواجهون أزمة في الشمال

29 مارس 2021
في جامعة حلب الحرة (بكر القاسم/ Getty)
+ الخط -

كان تأثير الحرب في سورية كبيراً على الأكاديميين في البلاد، خصوصاً في الشمال، في ظل استمرار النزوح والهجرة بحثاً عن فرص أفضل، بالإضافة إلى عوامل أخرى، ما قد يؤثر على المستقبل العلمي في البلاد

خلال سنوات الحرب في سورية، عانى الأكاديميون والمعلمون، كآخرين يعملون في قطاعات مختلفة. إلا أن تأثّر العاملين في القطاع التربوي كان له أثر سلبي كبير على العملية التعليمية في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، شمالي البلاد بشكل خاص، وأدى إلى نزوح الكثير من التلاميذ والطلاب إلى دول الجوار وأوروبا، خصوصاً أن عدم وجود أكاديميين يعملون على تأسيس هيئة ما من الداخل والاعتراف بهم أثر سلباً على تلك العملية، كما أثر على الجامعات الناشئة في الداخل.

وفي الشمال السوري، كانت هناك محاولات عدة لتأسيس نقابات وروابط للأكاديميين بهدف توحيد الجهود، وتذليل العقبات التي واجهها المعلمون، الذين ترك معظمهم وظائفهم في الجامعات التي ما زالت تخضع لسيطرة النظام السوري. لكن جميعها لم تنجح بشكل كبير، بسبب تراجع الوضع الاقتصادي لسكان الشمال السوري، وحركة النزوح المستمرة، واختلاف الجهات المسيطرة على المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، ومحاولاتها لتسييس تلك الجهود.
ويقول المعلم في جامعة إدلب ونقيب الأكاديميين في محافظة إدلب وريف حلب الغربي، محمد الخطيب، لـ "العربي الجديد": "أسسنا نقابة للأكاديميين في المنطقة في مايو/أيار عام 2020، وسعت النقابة منذ تأسيسها إلى جمع الأكاديميين تحت مظلة مدنية واحدة، وجرت انتخابات في حينها، وأسسنا مكتباً تنفيذياً للنقابة. وبدأ الأكاديميون ينتسبون إلينا، حتى بلغ عددهم نحو 200 من أصل 400 أكاديمي في المنطقة". يضيف: أن التأسيس جاء بسبب معاناة الأكاديميين كغيرهم من النزوح، وبسبب فقدان كثيرين منهم مصدر رزقهم لينتقلوا إلى العمل في مجالات أخرى، بالإضافة إلى قلة الاهتمام بهم من سلطات الأمر الواقع على الصعيدين العلمي والاجتماعي، على عكس ما نراه في دول الجوار وبقية دول العالم". وقلة الاهتمام هذه موجودة أيضاً في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات النظام، بحسب الخطيب، وقد أدت إلى هجرة الكثير من الأكاديميين من تلك المناطق.
وبحسب الخطيب، فإن الأكاديمي يحتاج إلى ظروف مثالية لتطوير عمله الأكاديمي، والقراءة وإجراء التطبيقات، الأمر الذي ينعكس إيجاباً على تطوير المجتمع وتنميته، فلا يمكن أن يحقق الأكاديمي نجاحاً عندما يكون فاقداً للاستقرار الذهني والنفسي والمعيشي. الأعضاء المنتسبون للنقابة يسكنون في بيوت مستأجرة بأسعار عالية، وقد يدفع أحدهم من أجلها نصف راتبه الشهري، إذ يتقاضى الحاصل على درجة الدكتوراه في إدلب وريف حلب الغربي 500 دولار، بينما يتقاضى الحاصل على درجة الماجستير 300 دولار.
ويؤكد الخطيب أن هذه الظروف مجتمعة دفعت الكثير من الأكاديميين إلى ترك عملهم والانتقال إلى مهن أخرى، أو مغادرة البلاد، مشيراً إلى أن هذا التسرب الأكاديمي، سواء داخل أو خارج البلاد، هو من العوامل التي ستطفو آثارها السلبية في القريب العاجل على السطح، وتؤثر سلباً على تطور المجتمع، وتؤدي إلى التخلف الحضاري والعلمي في سورية.

الصورة
في جامعة حلب - الشمال السوري (باكر القاسم/ Getty)
داخل إحدى قاعات جامعة حلب الحرة في أعزاز (بكر القاسم/ Getty)

بدوره، يقول وزير الاقتصاد في الحكومة السورية المؤقتة والمدرس في جامعة حلب الحرة وعضو "رابطة مدرسي الجامعات" العاملة في ريف حلب الشمالي، عبد الحكيم المصري، لـ "العربي الجديد": "يعاني الأكاديميون في الشمال السوري من عدم توفر المكتبات، حتى الإلكترونية منها، وربما يطلب الأكاديمي مرجعاً من العراق أو الأردن لا يصله إلا بعد أسابيع عدة، والأمر عائد لأسباب مختلفة، منها صعوبة التحويلات المالية، وعدم وجود مصارف يمكن التحويل عن طريقها في المنطقة. والأمر ينعكس على إعداد الأبحاث، ويجعل الأكاديمي غائباً عن متابعة المستجدات. كما أن الأكاديميين في الشمال فقدوا حقهم في الترفيعات الجامعية، ويزيد من معاناتهم عدم تناسب الرواتب مع الظروف المعيشية، على الرغم من إعطاء الأكاديمي 16 ساعة على الأقل، وهذا قد لا يكون كثيراً، لكنه يتطلب ضعفي ذلك الوقت من التحضير".
وبحسب المصري، فإنّ الأكاديميين لا يتمتعون بأية حصانة تتناسب ودرجاتهم العلمية. كما أنه ما من معلمين في كل التخصصات، مشيراً إلى أن جامعة حلب بدأت تخريج طلاب جدد لسد النقص، خصوصاً في العلوم المالية والمصرفية. وحالياً، تتم الاستعانة بأكاديميين مقيمين في تركيا، لكن هذا يفرض المزيد من الأعباء المالية، إذ يحتاج المعلم إلى مصاريف للتنقل، وبدل إيجار أكبر للسكن.
ويقول رئيس جامعة حلب الحرة عبد العزيز الدغيم، لـ "العربي الجديد": "من أبرز المشاكل التي يعانيها الأكاديميون هي عدم توفر وظائف تتناسب مع شهاداتهم. فهناك أكاديميون يعملون في منظمات المجتمع المدني أو أخرى غير مستقرة بسبب عدم وجود فرص عمل، وبالتالي لا تؤمّن لهم الدخل المناسب، بسبب وجود جامعتين رسميتين في الشمال فقط، وهما جامعة إدلب وجامعة حلب، ومن غير الممكن أن تستوعب هاتان الجامعتان جميع الأكاديميين".
ويشير إلى أن عمل الأكاديميين في بعض المهن الأخرى أدى إلى تراجع نظرة المجتمع لهم، الأمر الذي حدّ من القيمة الاعتبارية لهذه الفئة، وكل ذلك عائد إلى قلة فرص العمل وقلة المردود المالي للعمل في المؤسسات العلمية والبحثية التي أنشئت حديثاً في الشمال السوري، وباتت تستوعب عدداً لا بأس به من الأكاديميين.
وفي يناير/كانون الثاني الماضي، حذرت منظمة "مجلس الأكاديميين المعرضين للخطر" (كارا) الخيرية البريطانية، من وجود زيادة ملحوظة في عدد الأكاديميين الذين يحتاجون إلى المساعدة للفرار من الخطر والاضطهاد والتعصب، منهم أكاديميون من سورية.

طلاب وشباب
التحديثات الحية

وأوضح المدير التنفيذي للمنظمة ستيفن وردزورث، في حديث لصحيفة "إندبندنت" البريطانية، أنه خلال السنوات الخمس الماضية، تلقت المنظمة طلبات للمساعدة أكثر من أي مرحلة أخرى خلال 87 عاماً. أضاف أن العاملين في جامعات مثل جامعتي حلب وحمص لم يتمكنوا من الاستمرار بعدما أصبحت البلاد مركزاً للقتال والنزاعات. ومع انقطاع الكهرباء والمياه، لم تكن هناك طريقة يمكن من خلالها إجراء بحث أكاديمي منتظم في المختبر.

المساهمون