لا تكفي الأفغان التغيرات التي فرضت عليهم منذ سيطرة حركة طالبان على الحكم. ففي الوقت الحالي، يواجهون ارتفاعاً في نسب الجرائم بسبب عدم القدرة على التمييز بين مسلحيها وآخرين يسعون إلى السرقة باسمها.
تشهد العاصمة الأفغانية كابول ارتفاعاً في نسب الجرائم بسبب كثرة المسلحين، الأمر الذي دفع حكومة طالبان إلى منع مسلحي الحركة من الدخول إلى الأماكن العامة، وخصوصاً الحدائق والمستشفيات وغيرها. وجاء في بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء في حكومة طالبان الملا حسن أخوند، في الثاني من الشهر الجاري، أن الحكومة قررت منع دخول مسلحي طالبان إلى الأماكن العامة، مؤكداً أن على جميع المسلحين وقوات الأمن احترام القوانين الخاصة بالأماكن والحدائق العامة، وألا يصبح تعاملهم محط إزعاج لعامة المواطنين والزوار.
ورحب المواطنون والمعنيون بقرار طالبان، وإن اعتبروا أن هذه الخطوة غير كافية لتنظيم الأمن في كابول بسبب عدم وجود خطة متكاملة لدى الحركة لضبط تحركات مسلحيها بشكل عام، وخصوصاً أنه ما من زي خاص أو سيارات خاصة للتمييز بين المسؤولين عن أمن العاصمة وآخرين من حاملي السلاح.
ويقول عنايت الله خان شريف، وهو من سكان مديرية بغمان، لـ"العربي الجديد"، إن "فترة ستة أشهر كانت كافية لطالبان لترتيب أمنها وتنظيم عمل مسلحيها في العاصمة على الأقل، إلا أنها لم تتمكن من إحراز أي تقدم. كما لم تضع حكومة طالبان آلية خاصة لمسلحيها من أجل العمل في العاصمة. فعندما تتجول في شوارع وأسواق كابول، ترى عدداً كبيراً من المسلحين يرتدون أزياء مختلفة ومتنوعة ويستخدمون سيارات عامة"، مشيراً إلى أن هذه الفوضى هي أحد أسباب تفشي جرائم السرقة والخطف من أجل الحصول على المال، يضيف: "هناك قصص كثيرة تحدث بشكل يومي، علماً أن ميزة طالبان على مر السنوات كانت إحلال الأمن. إلا أن أمن العاصمة بات مرتبكاً للأسف".
وشهدت العاصمة جرائم سرقة وخطف كثيرة في العاصمة ارتكبها مسلحون ادعوا أنهم من عناصر طالبان. ويذكر عنايت جريمة سرقة حدثت أخيراً في شركة مالية في منطقة شهر نو، حيث دخل مسلحون جاؤوا في سيارتين إلى الشركة في وضح النهار بحجة أنهم من مسلحي طالبان ويريدون تفتيش المكان. وعندما دخلوا إلى مقر الشركة، اعتقلوا كل من كان في الداخل وسرقوا ستة ملايين أفغانية، مؤكداً أن هذه الجرائم تزداد في ظل عدم القدرة على التمييز بين قوات الأمن والمسلحين.
من جهته، يقول أحد سكان غرب كابول، ويدعى وحيد الله قزلباش، إن المسلحين جاؤوا إلى منطقة كولاي دواخانه ودخلوا منزلين في الخامس من الشهر الجاري بحجة التفتيش، فسرقوا الهواتف الخلوية والحلي والمال، مؤكداً أنه لا يمكن لعامة المواطنين استخدام الأسلحة في وجه المسلحين خوفاً من أن يكونوا من عناصر طالبان.
أما كاكا رحيم الله، وهو من سكان منطقة ليسه مريم، والذي تعرّض لسرقة في منطقة خير خانه أخيراً، فيقول لـ"العربي الجديد": "كنت متوجهاً إلى البيت بعد صلاة المغرب. وفجأة، توقفت سيارة بداخلها مسلحون عمدوا إلى إشهار السلاح في وجهي، ثم ضربوني على رأسي وأخذوا هاتفي والمال الذي كان في حوزتي وساعتي"، يضيف: "توقفت السيارة وظننت أن من فيها ينتمون إلى طالبان. لكنني أدركت بعد ذلك أنهم مجرد لصوص".
يشار إلى مقتل أربعة سارقين في سيارة كان عليها علم طالبان. هؤلاء كانوا يحملون أسلحة متطورة وادعوا أنهم من عناصر طالبان، وعند أحد حواجز التفتيش التابعة لطالبان على مقربة من المطار، حاولوا الفرار، فأطلق عليهم عناصر الحركة النار، ما أدى إلى مقتلهم جميعاً.
ويُشكّل عدم توفّر خطّة لتنظيم المسلّحين بعد تدهور المؤسسات السابقة، أهمّها الشرطة والاستخبارات، أحد الأسباب التي تؤدي إلى زيادة نسبة السرقات والجرائم في الشوارع، على الرغم من تمكّن قوات طالبان في الأيام الأخيرة من تفكيك خلايا ضالعة في أعمال سرقة وخطف. وكانت قضية الإفراج عن الدكتور نجيب الله إسكندر واعتقال خاطفيه، والإفراج عن التاجر الأفغاني محمد خالد، الذي خطف قبل أيام في العاصمة، من أهم إنجازات طالبان في العاصمة.
ويقول مراقبون وبعض الأهالي إن "طالبان ليست لديها خطة ممنهجة من أجل حماية العاصمة من الجرائم وأعمال السرقة". ويوضح الخبير الأمني أحمد زبير عصمت، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أنه "كان يفترض أن تهتم طالبان بهذه القضية من اليوم الأول، على أن يكون لعناصر وزارة الداخلية والأمن والشرطة زيهم الخاص. مع الأسف، هذا لم يتحقق. بالتالي، فإن جميع السارقين والعصابات تستخدم مظهر قوات طالبان وترتكب جرائم السرقة والخطف، على الرغم من الجهود المضنية التي تبذلها طالبان لإحلال الأمن"، يضيف أن المشكلة تكمن في الآلية والتخطيط، مرحّباً بما أعلنته طالبان عن منع المسلحين من الدخول إلى الأماكن العامة، لكن هذا جزءاً من الحل فقط. من جهته، يقول نائب الناطق باسم طالبان، عضو اللجنة الثقافية بلال كريمي، لـ"العربي الجديد": "الأعمال مستمرة والخطة ستأتي في القريب العاجل. لن نترك العاصمة وكل المدن الأفغانية كما هي عليه الآن. وستكون هناك قوات أمنية بزي خاص".