يكره الأطفال في قطاع غزة فصل الشتاء... يكرهه الكبار أيضاً، لكنّ الأطفال بالذات يعتبرونه أسوأ أوقات العام، ويؤكدون أنّه لا رابط بين ما يعيشونه يومياً، وما يدرسونه عن الشتاء، أو يشاهدونه على شاشات التلفزيون عنه.
وفي حين كان بعضهم سابقاً يحبون اللعب في الشوارع مع أبناء الحي بعد توقف المطر، باتت منازلهم تغرق سنوياً خلال السنوات الأخيرة، ويضطرون إلى مغادرتها انتظاراً لسحب المياه من داخلها.
درس يزن فضل الله (9 سنوات) في كتاب "التنشئة الوطنية والاجتماعية" أنّ "فلسطين تشتهر بمناخ معتدل. بارد معتدل شتاءً، وجاف معتدل صيفًا" لكنّه لا يصدق أبداً تلك المقولة، ويعتبر أن المعلومات الواردة بالكتاب خادعة، لأنه لا يرى أي اعتدال مناخي، فالصيف حار جداً، وهو ينتظر ساعات الغروب حتى تنخفض الحرارة في الشارع قليلاً ليخرج للعب مع أقرانه، وفي الشتاء يشاهد الحي الذي يعيش فيه بمنطقة الزرقاء شرقي مدينة غزة، يغرق سنوياً.
في كلّ شتاء يتعرض الجزء الأمامي من منزل فضل الله للغرق بمياه الأمطار، وهو الجزء الذي يضم غرفاً مخصصة للعب، ما يجعلهم أفراد الأسرة يقضون أيامهم في الغرف الداخلية من المنزل، لكن يزن وإخوته يشعرون بالانزعاج كونهم مجبرين على عدم استخدام الغرف الخارجية خلال تلك الأوقات، كما أنهم يمنعون من الخروج للعب في شارعهم الرملي الذي يتحول إلى حفر وأوحال عقب هطول الأمطار.
يقول الطفل فضل الله لـ"العربي الجديد": "لا أحب الذهاب إلى المدرسة في الشتاء، ففي الصباح نتبلل بمياه الأمطار، أو يعلق الطين الذي يغرق الشارع بأحذيتنا وملابسنا، والذي يبقى لأيام طويلة بعد توقف الأمطار، وكم من مرة تمزق حذائي، واضطرت والدتي إلى إصلاحه في السوق. الشتاء فصل قبيح لا يرحمنا، وهو في غزة يختلف عن الشتاء الذي نشاهده في الأفلام".
خلال العدوان الإسرائيلي الأخير في مايو/ أيار الماضي، دمرت 57.186 وحدة سكنية في قطاع غزة، من بينها 1514 وحدة دمرت كلياً، و880 دمرت بشكل بليغ يجعلها غير قابلة للسكن، حسب وزارة الأشغال العامة والإسكان.
منزل شهد (6 سنوات) ولمى (8 سنوات) من بين المنازل التي دمرت في شارع الوحدة بوسط مدينة غزة. تعيش الطفلتان حالياً في منزل جدهما بمخيم الشاطئ، إذ لم يعثر والدهما على مسكن للإيجار بعد أن تضرر معمل الحلوى الذي يملكه على الحدود الشرقية للقطاع.
تشعر الطفلة لمى بقسوة فصل الشتاء في المخيم، كما أنها تشعر بالخوف في كل مرة تسمع فيها صوت الرعد، والذي يذكرها بالمجزرة الإسرائيلية التي جرت في شارع الوحدة خلال العدوان الأخير.
وتقول والدتها مريم فهيم (36 سنة) لـ"العربي الجديد": "عندما كنت طفلة، كنت أحب الجلوس شتاء أمام المدفئة بالقرب من جدتي، وكنا نحصل على أغطية جديدة، لكن اليوم يعيش الأطفال تفاصيل الفقر والحرب، فصوت الرعد يشبه صوت القصف، والقصف يحدث في أي وقت على غزة. الشتاء فصل جميل بالنسبة للأطفال، لكنه ليس كذلك بالنسبة لأطفال غزة".
تنتظر أسرة فهيم إعادة الإعمار الذي من المقرر أن يدخل حيز التنفيذ في شارع الوحدة خلال العام الحالي، وينتظر معهم العديد من الأسر التي خسرت منازلها في الحي، والذين اضطروا إلى الانتقال للإقامة في مناطق متفرقة من القطاع الذي تزداد المعاناة فيه مع حلول المنخفضات الجوية، وخصوصاً المنخفضات القاسية مثلما هو حال المنخفض الأخير، فالبنية التحتية متدهورة، والقطاع محاصر منذ سنوات طويلة.
يؤكد الطفل أحمد ريحان (7 سنوات) أنّ منزله الواقع بالقرب من الشارع العام لسوق مخيم الشاطئ غربي مدينة غزة، غرق بمياه الأمطار خلال السنتين الأخيرتين، وأنه بات يفضل الذهاب إلى منزل جده في بلدة جباليا، لأنّ الحي الذي يقيم فيه جده لا يغرق، وعندما زار جده مؤخراً، طلب منه البقاء للعيش معه، لأنّ الشتاء شديد القسوة في المخيم.
خلال المنخفض الجوي الأخير، غرق منزل ريحان بالكامل، وتشارك مع أشقائه الفراش ذاته، لكنّه رغم ذلك لا يشعر بالدفء، مؤكداً أنّ جميع أشقائه الذين يكبرونه سناً يكرهون الشتاء، ويعتقدون أنّهم لو عاشوا في مكان خارج المخيم ستكون أوضاعهم أفضل. لكنّ والدهم الذي يعمل بائعاً في سوق الخضار لا يستطيع تحقيق "حلمهم" هذا.
يقول الطفل ريحان لـ"العربي الجديد": "أشعر بالبرد فور الخروج من المنزل. لديّ معطفان، الأول مهترئ، والثاني حالته غير جيدة، وعندما أكبر، سأشتري منزلاً خارج المخيم، وأصطحب أشقائي وأمي وأبي للإقامة فيه معي".