قبل أيام من احتفال العالم بعيد العمال، لقي ثمانية أطفال مصريين، تراوحت أعمارهم بين 12 و15 عاماً، مصرعهم غرقاً في ترعة نيلية، وأصيب 6 آخرون، أثناء عودتهم من العمل فجراً في قرية إيتاي البارود بمحافظة البحيرة.
كان هؤلاء الضحايا في طريق عودتهم مع آخرين من عمل بأجر لا يتعدى جنيهات قليلة، كانت ستكفيهم يوماً أو بضعة أيام بحد أقصى، والتي ربما كانوا سيستخدمونها لإحياء عيد الفطر، أو يسلمونها كلها لأهلهم من أجل مساعدتهم في تحمل الظروف المعيشية الصعبة.
الأطفال الذين غرقوا وأولئك الذين نجوا وقعوا ضحايا للقمة العيش والفقر والعوز والظروف الاقتصادية الصعبة، وغياب القوانين التي تحميهم أو تضمن حقوقهم خلال العمل، وأيضاً ضحايا لمجتمع أصبح يستيقظ كثيراً على أخبار قاسية مماثلة. فقبل أسابيع قليلة، عاش المصريون صدمة خبر وفاة ثمانية أطفال تراوح أعمارهم بين 13 و16 عاماً، في حادث انقلاب سيارة سقطت في النيل أيضاً، لدى انتقالهم ضمن مجموعة ضمت 24 طفلاً وبالغاً من مزرعة على طريق مصر - الإسكندرية الصحراوي إلى قرية طليا بمركز أشمون في محافظة المنوفية بدلتا مصر.
وفيما تتشابه تفاصيل الحادثين المأساويين مع تكرار ظروفهما ومعطياتهما، تشير إحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء والبرنامج الدولي للقضاء على عمالة الأطفال إلى أنّ الأطفال العاملين في قطاع الزراعة بمناطق الصعيد والريف يشكلون نسبة تناهز 63 في المائة من إجمالي عمالة الأطفال في مصر، التي تشمل أيضاً قطاعات الصناعة والبناء والبيع في الشوارع والعمل في المطاعم وغيرها.
ويتعرض الإحصاء ذاته لعمل 1.6 مليون طفل تتراوح أعمارهم بين 12 و17 عاماً، ويمثلون نسبة 9.3 في المائة من أطفال البلاد، ما يعني أن طفلاً واحداً من أصل 10 يجريى دفعه إلى العمل الذي يرتفع معدله كثيراً في المناطق الريفية، ويبلغ ذروته في ريف صعيد مصر وريف الوجه البحري، والمحافظات الريفية التي تقع على الحدود.
ومعلوم أن أصحاب الأعمال، مثل المزارع والمنشآت الصناعية والورش، لا يعلنون عن الأطفال الذين يعملون لديهم، في حين تقصّر الجهات المعنية بمراقبة هذه المنشآت في إجراءات التفتيش.
وبحسب الخطة الوطنية لمكافحة أسوأ أشكال عمل الأطفال في مصر التي صدرت عام 2016 بالتعاون مع منظمة العمل الدولية، تتعرض نسبة 82.2 في المائة من الأطفال العاملين لظروف عمل سيئة وغير آمنة. أما إحصاءات الخطة ذاتها لعام 2010، فلمّحت إلى أن نسبة عمالة الأطفال أعلى بين الذكور، وتبلغ 83.5 في المائة. أما نسبة الأطفال الذين يعملون ساعات أكثر من المسموح به فتبلغ 16.9 في المائة من إجمالي الأطفال العاملين، وهي أكبر بين الإناث بنسبة 22.2 في المائة.
واللافت أن عمالة الأطفال في مصر تخضع لمظلة قانونية، لكنها تفتقر إلى الرقابة والإشراف، وبالتالي المحاسبة، فقانون العمل المصري رقم 12 الصادر عام 2003 نص في مادته الـ99 على أن "أحكام القانون تصنف الطفل كل من بلغ الـ14 سنة أو تجاوز سن إنجاز التعليم الأساسي ولم يبلغ سن الـ17 كاملة، ويلتزم كل صاحب عمل يستخدم طفلاً دون سن الـ16 بمنحه بطاقة تتضمن صورته وتثبت أنه يعمل لديه، ويصادق عليها مكتب القوى العاملة المختص".
وتورد المادة 100 من القانون ذاته أن "الوزير المختص، وزير القوى العاملة، أصدر قراراً حدد نظام تشغيل الأطفال والظروف والشروط والأحوال التي يخضعون لها، وكذلك الأعمال والمهن والصناعات التي يحظر تشغيلهم فيها وفقاً لمراحل السن المختلفة".
وتحظر المادة 101 تشغيل الأطفال أكثر من ست ساعات يومياً، وتطالب بأن تتخلل ساعات العمل فترة أو أكثر لتناول الطعام والراحة لا تقل في مجموعها عن ساعة واحدة. كما تمنع المادة الأطفال من العمل أكثر من أربع ساعات على التوالي، وتحظر تشغيلهم ساعات إضافية أو خلال أيام الراحة الأسبوعية والعطلات الرسمية، وفي كل الأحوال، يمنع تشغيل الأطفال خلال الفترة بين الساعة الثامنة مساء والسابعة صباحاً.
ومع وجود نصوص قانونية تتعارض مع بنود الاتفاق الذي أبرمته مصر مع منظمة العمل الدولية في شأن عمالة وتشغيل الأطفال، لا يوجد من يلزم صاحب العمل في المناطق الريفية والمصانع بمنح الأطفال العاملين بطاقات تعريف موثقة من مكتب العمل، ولا من يراقب الأعمال والمهن والصناعات التي يحظر تشغيل الأطفال فيها وفقًا لفئاتهم العمرية، ولا من يلزم صاحب العمل بتطبيق عدد الساعات المقررة قانوناً.
وقد لا يعترف صاحب العمل بتشغيله أطفالاً، أو يعترف بوجودهم من دون أن يقيدهم في الكشوف الرسمية للتنصل من المساءلة ومن الالتزامات القانونية على صعيد التأمين الاجتماعي والصحي، وبالطبع من الضرائب التي يدفعها بناءً على حجم المنشأة وعدد العاملين فيها، ما يبقي أزمة عمالة الأطفال في دائرة مفرغة في مصر، لن تسلك الخط المستقيم وصولاً إلى النهاية المقبولة المنشودة، إلا عبر تطبيق تشريعات ملزمة، وتعزيز الوعي المجتمعي لسد منابع التسرّب من التعليم، ما يفضي إلى نهضة مجتمعية شاملة، وإصلاح اقتصادي حقيقي يقضي على الفقر.
وتشير دراسات رسمية وغير رسمية إلى أن الفقر عنصر أساسي من عناصر أزمة عمالة الأطفال، حيث يزداد عدد الأطفال العاملين بشكل غير رسمي وغير شرعي مع زيادة نسب الفقر والتسرب من التعليم، وغيرها من القضايا الاجتماعية التي تعد رافداً لهذه العمالة.
ووفقًا لتقرير بعنوان "فقر الأطفال متعدد الأبعاد في مصر"، نشرته وزارة التضامن الاجتماعي بالتعاون مع الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) في ديسمبر/ كانون الأول 2017، يعاني أكثر من 10 ملايين طفل مصري من الفقر متعدد الأبعاد. ويقيس التقرير الحرمان بناءً على ثمانية أبعاد تحدد رفاهية الطفل وتتضمن الحصول على المياه، وخدمات الصرف الصحي، والمعلومات، وظروف الإسكان، والصحة، والتغذية، والتعليم، والحماية.