استمع إلى الملخص
- **عودة الأمراض وانتشارها**: ضعف التطعيم أدى إلى عودة أمراض مثل شلل الأطفال والسعال الديكي والدفتيريا، مع تسجيل أكثر من 62 ألف إصابة في 2023. 17% من الأطفال اليمنيين لم يتلقوا أي تطعيمات.
- **تدهور الوضع الصحي**: منع حملات التطعيم أدى إلى تفشي الكوليرا وسوء التغذية الحاد بين الأطفال، مما يفاقم الوضع الصحي في اليمن.
للعام الرابع على التوالي، تحرم جماعة أنصار الله "الحوثيين" ملايين الأطفال في مناطق سيطرتها من أخذ جرعات لقاح ضد الأمراض، والتي يصفها قادتها بأنها "مؤامرة صهيونية - أميركية".
وفي العام الماضي، نظمت السلطات الصحية للحوثيين ندوة بعنوان "خطورة اللقاحات على البشرية - ليست آمنة وغير فعّالة"، وحضرها رئيس وزارة حكومة صنعاء ووزير الصحة، وشجبت فيها اللقاحات وكل الطب الحديث، وزعمت أن "اليمنيين لا يستطيعون الحصول على مناعة من الأمراض والحفاظ على صحتهم إلا باتباع تعليمات زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي". وكان لافتاً تقديم أخصائي أمراض الباطنية والأستاذ المساعد في كلية الطب بجامعة صنعاء، عبد العزيز الديلمي، اعتذاراً علنياً من الجميع لأنه كان في يوم من الأيام رئيساً للجنة اللقاحات.
ولعلّ تحريض الحوثيين على لقاحات الأطفال ومنعها في مناطق سيطرتهم كان أحد أسباب وفاة طفلة تدعى ندى (5 أعوام) في مستشفى بصنعاء بعدما أصيبت بمرض الحصبة. يقول والد ندى لـ"العربي الجديد": "لم أمنح طفلتي أي لقاح ضد الأمراض بسبب قول الحوثيين إن اللقاحات مؤامرة أميركية تستهدف اليمن، وبسبب عدم وجود لقاحات في المركز الطبي القريب من منزلي أيضاً. ثم مرضت ابنتي، وفارقت الحياة قبل أن تصل إلى المستشفى".
وبحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) توفي 41 ألف طفل في اليمن عام 2022 جراء إصابتهم بأمراض يمكن الوقاية منها عبر الحصول على لقاحات. وقالت حينها إن طفلاً توفي بتلك الأمراض كل 13 دقيقة، في حين حذرت أخيراً في تقرير أصدرته بعنوان "اللقاحات تنقذ حياة الأطفال وتحمي اقتصاد اليمن"، من أن اليمن يشهد عودة لأمراض كان يُعتقد بأنها صارت من الماضي، مثل شلل الأطفال.
وأفادت "يونيسف" بأن عام 2023 شهد تسجيل أكثر من 62 ألف إصابة بأمراض السعال الديكي والدفتيريا والحصبة وشلل الأطفال، والتي أدت إلى مئات الوفيات. وقالت إن "هذه الأمراض لم تكن لتنتشر لولا ضعف التطعيم الذي تشمل جرعاته الكاملة نسبة أقل من 30% من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين سنتين وثلاث سنوات، ما ينذر بانتشار الأوبئة".
ويقول الدكتور أرتورو بيسيغان، رئيس بعثة منظمة الصحة العالمية في اليمن، إن "واحداً من كل أربعة أطفال يمنيين لم يتلقوا كل التطعيمات الموصى بها في جدول التحصين الروتيني الوطني، و17% من الأطفال لم يتلقوا أي تطعيمات من لقاحات الدفتيريا والتيتانوس والسعال الديكي".
ومنتصف يوليو/تموز الماضي، أعلنت "يونيسف" تسجيل 257 إصابة بشلل الأطفال نتجت عن منع الحوثيين حملات التطعيم منذ أربع سنوات. تزامن ذلك مع بدء الجولة الثانية من حملة اللقاحات في مناطق سيطرة الحكومة في عدن، والتي استهدفت أكثر من 1.3 مليون طفل دون سن الخامسة.
ويرجح أن تكون حالات الإصابة بمرض شلل الأطفال في مناطق الحوثيين أعلى بكثير من العدد المعلن نتيجة إصابة ووفاة أطفال بالمرض لم تسجل المستشفيات والمراكز الطبية حالاتهم، ما يعد مؤشراً خطيراً لتدهور الوضع الصحي ووسائل حماية الأطفال من الأمراض المعدية.
وأعلن المكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية في 16 يونيو/حزيران 2009 خلو اليمن رسمياً من مرض شلل الأطفال. لكن في سبتمبر/أيلول 2020، أعلنت السلطات اليمنية عودة ظهور مرض شلل الأطفال في محافظتي صعدة وحجة اللتين تخضعان لسيطرة الحوثيين. وعزت ذلك إلى منع الحوثيين لقاح شلل الأطفال في المحافظتين.
وتصنّف منظمة الصحة العالمية اليمن والصومال بأنهما الدولتان الوحيدتان في شرق المتوسط اللتان ينتشر فيهما فيروس شلل الأطفال، على الرغم من القضاء عليه تقريباً في العالم، حيث انخفض عدد المصابين بنسبة 99% منذ عام 1988.
ووفق تقرير أصدرته منظمة مشروع "تقييم القدرات" بالاشتراك مع البنك الدولي وأربع وكالات أممية مطلع إبريل/ نيسان الماضي، سُجلت 1566 إصابة مشبوهة بالكوليرا، بينها تسع حالات مؤكدة وست وفيات في 15 محافظة يمنية خلال الفترة بين الأول من يناير/كانون الثاني و17 مارس/آذار الماضيين.
وأشار التقرير إلى أن كل الحالات رُصدت في المحافظات التي يسيطر عليها الحوثيون، وتصدرت صعدة قائمة هذه المحافظات بنسبة 60% من إجمالي الحالات المسجلة منذ مطلع العام الحالي، فيما توزعت البقية على سبع محافظات، هي صنعاء بنسبة 8%، والبيضاء (5%)، والمحويت (5%)، وإب (4%)، والضالع (4%)، ومأرب (3%)، وعمران (3%). ويعود السبب الرئيس لتفشي المرض إلى رفض جماعة الحوثيين تنفيذ حملات التطعيم في مناطقها، إضافة إلى نظام الصحة العامة المنهك، وانخفاض إمدادات اللقاحات العالمية ونقص الموارد المالية.
وقالت منظمة "هيومن رايتس ووتش" في بيان أصدرته في 7 أغسطس/آب الجاري إن "الحوثيين يُعيقون أعمال الإغاثة والوصول إلى المعلومات، ويفاقمون تفشي الكوليرا القاتل في أنحاء البلاد".
وتحصي بيانات لـ"مجموعة الصحة في اليمن" التي تضم منظمات إغاثة وسلطات وجهات مانحة تقودها منظمة الصحة العالمية، نحو 95 ألف إصابة مشبوهة بالكوليرا خلال الفترة بين الأول من يناير إلى 19 يوليو/تموز الماضيين، ووفاة 258 شخصاً على الأقل.
ويفيد برنامج الأغذية العالمي بأن نحو نصف أطفال اليمن الذين تقل أعمارهم عن خمس سنوات (نحو 2.2 مليون طفل) يعانون سوء التغذية الحاد.
ويقول الدكتور أنور علي، لـ"العربي الجديد"، إن سياسة الحوثيين في محاربة اللقاحات أثرت كثيراً في مناطقهم نتيجة انتشار الجهل في أوساط الناس والضخ الإعلامي الهائل للحوثيين والناشطين وأئمة المساجد للتحذير من اللقاحات. والمؤسف أن أطباء يحملون شهادات علمية شاركوا في هذه الحملة".
ويؤكد أن "مناطق سيطرة الحوثيين مهددة بانتشار الأمراض التي يمكن الوقاية منها عبر أخذ جرعات لقاح، مثل شلل الأطفال والحصبة والسعال الديكي والدفتيريا والكزاز. والمنظمات الدولية تحرص على توفير هذه اللقاحات، لكن جماعة الحوثي تمنعها في مناطق سيطرتها، ما يضعنا أمام كارثة حقيقية تكشفها الاحصاءات الواردة من هذه المناطق حول المصابين بهذه الأمراض".