في الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، أطلقت مؤسسات مدنية في المغرب، بالشراكة مع مؤسسات أوروبية رسمية، الحملة الوطنية للوقاية من العنف السيبراني والتحرش الإلكتروني، من خلال إطلاق منصة إلكترونية تتيح للمواطنين الإبلاغ بشكل آمن عن الصور ومقاطع الفيديو المتعلقة بالاعتداء الجنسي على الأطفال، التي يجدونها منشورة على شبكة الإنترنت.
وتمتد الحملة التي يشرف عليها "المركز المغربي للأبحاث متعددة التقنيات والابتكار" بدعم من "الاتحاد الأوروبي" و"مجلس أوروبا"، لمدة شهر، وتتخللها ورش عمل في مناطق مختلفة لتدريب الأساتذة على التعامل مع الظاهرة بالتعاون مع وزارة التربية الوطنية، وحملات توعية في مدارس مدينة الرباط، ومجموعات عمل للأطفال والشباب حول اكتشاف أساليب العنف والتحرش الإلكتروني، وكيفية التصدي لها.
ويرى منظمو الحملة أن انتشار العنف السيبراني تجاه الأطفال كفيل بدفع كل مكونات المجتمع المدني المغربي إلى التفاعل بسرعة وفعالية لحماية الأطفال داخل الفضاء الرقمي.
تروي والدة الطفل المغربي ريان (12 سنة)، تفاصيل تعرّضه لواقعة تحرش جنسي عبر أحد تطبيقات التواصل الاجتماعي، قائلة: "خلال فترة الحجر الصحي، اضطررنا إلى اقتناء هاتف ذكي لابني بسبب قرار الدراسة عن بعد؛ لكن حدث ما لم يكن في الحسبان، إذ تعرّض ابني إلى تحرش جنسي عبر تطبيق (ماسنجر)، من شخص اتبع خطة لاستدراج الصبي، بداية من التعرف عليه، مروراً بإرسال صور ورسائل ذات طبيعة جنسية له، ثم الاتصال به عبر تقنية الفيديو طالباً منه نزع سرواله، ومداعبة أعضائه الجنسية أمام الكاميرا".
وتضيف والدة ريان في الشهادة التي كشفت عنها جمعية "التحدي للمساواة والمواطنة" (غير حكومية)، وهي إحدى الجمعيات المشاركة في الحملة: "قطع ابني الاتصال عندما طلب منه المعتدي خلع ملابسه، وجاء ليخبرني بالأمر بينما كان في حالة صدمة، وبعد فحص صفحة المعتدي على (فيسبوك)، وجدنا أنه شاب عشريني؛ لكن ما أثار شكوكنا حول نشاطه الإجرامي، أن قائمة أصدقائه لا تضم إلا أطفالاً".
تابعت الأم: "بحكم أننا كنا في فترة الحجر الصحي، وبالتالي لا نستطيع مغادرة البيت، قمت بالبحث عبر الإنترنت عن طريقة للتعامل مع الموضوع، فوجدت رقم هاتف جمعية التحدي للمساواة والمواطنة، واتصلت بهم، وبالفعل قدموا لي التوجيه القانوني، وقدموا لابني الدعم النفسي عن بعد، ثم مكنوني من رقم هاتف مفوض قضائي، والذي زارني في البيت، وقام بإنجاز محضر معاينة على حساب (فيسبوك) و(ماسنجر) الخاص بابني، وبعدها قمنا بوضع شكوى لدى النيابة العامة؛ لكن للأسف، حتى اليوم، لم يتم اتخاذ أي إجراء إزاء الشاب المتحرش".
ويقول رئيس "منتدى الطفولة" (غير حكومي)، عبد العالي الرامي، إن الحملة الوطنية للوقاية من العنف السيبراني والتحرش الإلكتروني مبادرة إيجابية للتعريف بخطورة تلك الجريمة، ولفت نظر المجتمع إليها، وتوعية الجميع، خصوصاً الأطفال والفتيات، لمنع وقوعهم ضحية عنف أو تحرش رقمي، لافتاً إلى أن هناك العديد من الأطفال الذين يعانون من التنمر الإلكتروني، والتحرش الجنسي الرقمي، والانتقام عبر مشاركات على مواقع التواصل.
ويضيف الرامي لـ"العربي الجديد": "للأسف الشديد، تحولت مواقع التواصل الاجتماعي إلى فضاء للعنف اللفظي، والتحرش الرقمي، واستغلال الصور والفيديوهات، وتفاقم الأمر بعد إقبال الأطفال على استخدام الإنترنت بشكل ملفت في زمن الجائحة، إذ أصبح سبباً في انتشار كثير من المعلومات المغلوطة، والأفكار التي تؤثر على نفسيتهم".
وتشير رئيسة جمعية "التحدي للمساواة والمواطنة"، بشرى عبدو، إلى أن "ظاهرة العنف الرقمي في المغرب عرفت، خلال السنوات الأخيرة، انتشاراً كبيراً بسبب تطور التكنولوجيا ووسائل الاتصال والتواصل، لترتفع نسبة هذا النوع من العنف"، موضحة لـ"العربي الجديد"، أن "منصات التواصل الاجتماعي، التي هي بمثابة فضاء خاص، بات يقتحمها الآخرون من دون إذن مسبق عبر رسائل تحرش، أو نشر مقاطع وصور إباحية، أو الاتصال الهاتفي، إذ ينظر المتحرش إلى الضحية من خلال هذه الوسائل باعتباره صيداً سهلاً".
وتؤكد الناشطة المغربية أن جمعيتها رصدت حالات قاصرات وقاصرين تعرّضوا لـ"الابتزاز المالي، والابتزاز الجنسي، والتحرش الجنسي، عبر نشر صور حميمية، أو نشر مقاطع فيديو جنسية، وهذا يدخل هؤلاء الأطفال في دوامة من الخوف والقلق والاكتئاب والترهيب، فضلاً عن الانعزال عن محيطهم العائلي والمدرسي والمجتمعي، والذي وصل في بعض الحالات إلى التفكير في الانتحار، أو الانتحار بالفعل".
وتضيف عبدو أن "العنف الإلكتروني لا يقتصر على القاصرين والقاصرات، بل يمتد إلى كل فئات المجتمع، وبالتالي يمس مستقبله المعتمد بشكل أساسي على العنصر البشري، خاصة في ظل وجود حالات خطيرة، وصلت إلى حد الاغتصاب، وتسببت في الانتحار".
وتشدد عبدو على أن "خطورة العنف الرقمي تتجلى في كونه لا يزول بمرور الزمن، وتبقى صورته قائمة في أذهان الضحايا، كما يترك آثاراً نفسية وخيمة"، في حين يرى الرامي أن "هناك حاجة ماسة إلى تعزيز الترسانة القانونية لحماية الأطفال من العنف والتحرش الرقمي، وضرورة تحرك جميع الأطراف، وفي مقدمتها وزارة التربية الوطنية، باعتبار أن المدرسة هي الوسيلة الأكثر نجاعة لمحاربة سلوكيات العنف والتحرش، وتجنيب الأجيال خطر الوقوع في براثنها".
وكشفت جمعية "التحدي للمساواة والمواطنة"، في إحصاء نشرته في وقت سابق، عن تلقيها 112 حالة عنف رقمي ضد قاصرات وقاصرين خلال عام 2020، في حين كشفت نتائج البحث الوطني حول العنف ضد النساء والرجال في عام 2019، الذي أنجزته المندوبية السامية للتخطيط (مؤسسة حكومية)، أن حدة العنف الإلكتروني تزيد بين الشابات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 15 و24 سنة، وعزت هذا إلى الاستخدام المتزايد لتكنولوجيا الاتصالات، وشبكات التواصل الاجتماعي، وأن مرتكبي العنف الإلكتروني كانوا من الرجال بنسبة 86.2 في المائة، وبلغت نسبة المجهولين من بينهم 72.6 في المائة.