أطفال الأردن: أوضاع نفسية مقلقة وتهديد لأجيال المستقبل

24 يونيو 2024
هناك خلل في تربية الأطفال وإبعادهم عن الاكتئاب في الأردن (محمد صلاح الدين/ الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- في الأردن، تظهر الدراسات ارتفاعاً في معدلات الاكتئاب والقلق بين الأطفال والمراهقين، بما في ذلك اللاجئين، مما يشير إلى تحديات كبيرة تواجه الصحة النفسية للشباب.
- الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة، بما في ذلك العنف والتفكك الأسري، تؤثر سلباً على صحة الأطفال والمراهقين النفسية، مع التأكيد على أهمية تطوير مهارات البالغين وتحسين أساليب التربية.
- يُشدد المختصون على ضرورة تعزيز دور المدارس والمؤسسات التعليمية في دعم الصحة النفسية، والحاجة إلى برامج متكاملة تشمل تدخلات متعددة الأبعاد لتحسين الصحة النفسية للأطفال والمراهقين.

لا يوجد اهتمام حقيقي بالصحة النفسية بين أطفال الأردن ومراهقيه، في حين أن الاهتمام السطحي عبر البرامج التلفزيونية والنشرات غير كافٍ، والأرقام الرسمية مقلقة في هذا المجال ومعاناة الأطفال من الاكتئاب الحاد. وقد كشفت دراسة أجرتها وزارتا الصحة والتربية والتعليم في الأردن بالتعاون مع وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، وهيئة التعاون الدولي اليابانية "جايكا" المتخصصة بمساعدة النمو الاقتصادي والاجتماعي في الدول النامية، وشبكة الشرق الأوسطية للصحة المجتمعية، عن ارتفاع ملحوظ في نسب الاكتئاب والقلق لدى أطفال الأردن ومراهقيه. واستنتج معدو الدراسة أن جهات عدة معنية بحماية الأجيال الحالية يجب أن تتحرك للحفاظ على سلامة المجتمع ومستقبله. وأظهرت الدراسة التي شملت مجموعات من أطفال الأردن ومراهقيه (مواطنون ولاجئون) أن 16.6 في المائة من الأطفال و23 بالمائة من المراهقين يعانون من أعراض الاكتئاب الحاد، في حين تشمل أعراض القلق المرضي نسبة 24.5 في المائة من الأطفال و27.5 في المائة من المراهقين.

وكشفت الدراسة أيضاً أن نسبة 17.9 في المائة من أطفال الأردن الذين تراوح أعمارهم بين ثمانية أعوام و11 عاماً (أردنيون وغير أردنيين)، يواجهون مشاكل عاطفية وسلوكية، في حين تبلغ هذه النسبة 14.1 في المائة لدى المراهقين الذين تراوح أعمارهم بين 12 و18 عاماً". وأفادت الدراسة أيضاً بأن 19.7 في المائة من المراهقين الأردنيين يعانون من الاكتئاب، و25.8 في المائة منهم من القلق. وذكرت أن أكثر من 30 في المائة من المراهقين السوريين يعانون من الاكتئاب، ونسبة مماثلة من القلق. وحددت الدراسة نسبة القلق بين المراهقين من جنسيات أخرى بـ27.6 في المائة، ونسبة من يعانون من الاكتئاب بـ24.7 في المائة. واستندت نتائج الدراسة إلى مسح وطني واسع شمل تسعة آلاف طفل ومراهق على مستوى المدارس، وشملت أردنيين ولاجئين سوريين وفلسطينيين.

وفي تقرير سابق لـ"العربي الجديد"، قال رئيس الجمعية الأردنية للتدريب والإرشاد الأسري (أسرتي)، أحمد أبو رمان: "من أبرز المشاكل التي تؤثر على استقرار الأسرة في الأردن الأوضاع الاقتصادية وعدم التمكين الاقتصادي، ما يخلق خللاً في مؤسسة الزواج، ويزيد حالة العنف والتفكك الأسري، وغالبية الأسر المفككة في الأردن فقيرة وغير قادرة على توفير الاحتياجات، وهو ما يزيد من حالات الطلاق".

قضايا وناس
التحديثات الحية

تقول الأستاذة المشاركة في قسم الإرشاد النفسي بجامعة فيلادلفيا المعالجة النفسية الدكتورة لينة عاشور لـ"العربي الجديد": "الأرقام الحقيقية أعلى بكثير، علماً أن الأمراض لدى الأطفال والمراهقين هي انعكاس لحياة البالغين التي يعكرها سوء الأوضاع المالية والاقتصادية والسياسية، وأبرزها حالياً العدوان على غزة".

تتابع عاشور: "لا يملك معظم البالغين في مجتمعاتنا المهارات اللازمة لمساعدة الأطفال على تحسين صحتهم النفسية. هناك ضعف في هذه المهارات وأساليب التربية والتمكين، كما أن هناك خللاً حقيقياً في تربية الأطفال بالبيوت التي تشكل نحو 80 في المائة من شخصياتهم في السنوات العشر الأولى من حياتهم. ومن البديهي أن يعاني أطفال من القلق والاكتئاب في حال شمل ذلك الوالدين". وتتحدث عن أن "بعض الأسر تعتقد بأن الأطفال يمكن أن يكبروا مثل نباتات لا تحتاج إلى عناية، ومن دون تمكينهم من المهارات المطلوبة لحلّ المشكلات والحفاظ على التوازن الانفعالي. ويعني ذلك أن هناك عشوائية في التربية لم تكن موجودة في مرحلة الآباء والأجداد، رغم أنهم كانوا أقل تعليماً".

وتطالب عاشور بتطبيق برامج شاملة للصحة النفسية، تبدأ منذ ولادة الأطفال، وتُركز على الوقاية وتواكب مراحل النمو، وتهتم بتقديم العلاج عند الحاجة. وفي مجال الصحة النفسية في الأردن تعمل وزارة الصحة والمؤسسات المعنية والجامعات والمدارس وحدها كجزر معزولة، ما يعني غياب العمل المؤسساتي الذي ينعكس سلباً على الصحة النفسية لأفراد المجتمع. وترى أن "الحدّ من انتشار هذه الأمراض النفسية يحتاج إلى برنامج إصلاح شامل، أما على المستوى الفردي فيتطلب ذلك مراجعة الاختصاصيين والمرشدين والمعالجين النفسيين، وعدم التردد في طلب المساعدة. ونحن نأمل في أن يكون المستقبل أفضل لحل هذه المشكلات وتأهيل المقبلين على الزواج لتربية أبنائهم، علماً أنني لاحظت خلال عملي أن هناك وعياً أكبر بأهمية الصحة النفسية لدى المراهقين الذين يطلبون العلاج والمشورة النفسية والمساعدة عند الحاجة".

وفي شأن الاهتمام بالصحة النفسية في المدارس، تقول عاشور إن "الخطط والمناهج ممتازة لكن المشكلة في تطبيقها وتأهيل المدرسين، فالمهم تطوير العنصر الإنساني، وزيادة عدد المرشدين النفسيين، وتأهيل المعلمين والإدارات للتعامل مع الطلاب. ولا بدّ من التحذير من تراجع مخرجات التعليم وزيادة العنف والمشاجرات في المجتمع".

الصورة
الأمراض النفسية لدى الأطفال والمراهقين هي انعكاس لحياة البالغين (Getty)
الأمراض النفسية لدى الأطفال والمراهقين هي انعكاس لحياة البالغين (Getty)

بدورها، تقول المتخصصة في مجال الإرشاد الاجتماعي والصحة النفسية نجوى حرز الله، لـ"العربي الجديد": "توضح الدراسة الأخيرة الكثير عن واقع الطلاب. ونحن نرى انعكاس الأمراض النفسية والاضطرابات على سلوكيات أطفالنا من خلال تفاصيل حياتهم اليومية في المدارس والبيوت، فهم يعيشون في خوف شديد من فقدان الوالدين، ويحاولون التقرب منهم، كما يخاف بعضهم من الذهاب إلى المدارس والتعامل مع الزملاء والأقران".

وتدعو حرز الله الأهل إلى التنبه من تصرفات الأطفال والمراهقين الذين يعانون نفسياً، فالطفل المراهق يتأثر بطريقة نومه وتناوله الطعام، ويشعر البعض بأن لا قيمة لهم في هذه الحياة، فيما يُظهر آخرون انفعالات الغضب المتكرر أو الهدوء غير المبرر في سلوكهم حيث يتغير مزاجهم بسرعة ومن دون أسباب. أيضاً هناك ضعف ملحوظ في الأداء الدراسي".

وتلفت حرز الله إلى أنه يجب أن "يلاحظ الأهل بعض السلوكيات التي تدل على المعاناة النفسية للأطفال والمراهقين، ويتنبهون لها، مثل عدم قدرتهم على التواصل مع الآخرين، حتى أولئك المقربين منهم، علماً أن هذه المشكلة لم تكن موجودة سابقاً". أيضاً يجب التنبه من الطريقة العدوانية في تعامل الأطفال والمراهقين مع الآخرين واحتمال تعمدهم كسر أشياء وتخريبها نتيجة فرط الحركة والنشاط الزائد غير المتوقع، ومن قلّة التركيز وعدم القدرة على التحكم بأحوالهم، والهروب من قول الحقيقة، واللامبالاة تجاه الأحداث التي تحتاج إلى رد فعل منهم بالقبول أو الرفض".

وتحذر حرز الله الأهالي من "دخول الأطفال والمراهقين في عالم الأشخاص ذوي الميول الغريبة الذين لا يعطون قيمة للحياة، ويتجهون إلى تعاطي المخدرات والمشروبات الكحولية لمحاولة نسيان الواقع أو ما حدث معهم، ما ينعكس عادة على شخصياتهم، ويقلل اهتمامهم بالنظافة والهندام الشخصي رغم أنهم ربما يكونون سابقاً من المحافظين جداً على هذه الأمور". وتلفت إلى أن هذه المشاكل تزداد وتصبح أكثر سوءاً عندما يتجاهل الأهل والمربون التغييرات في السلوك. وهنا يصبح من الواجب الخضوع لعلاج سلوكي ومعرفي أو العلاج الدوائي لبعض الاضطرابات من أجل تجنب بلوغ مراحل أكثر تعقيداً، مع التركيز على مهارات التواصل والتفاوض وحلّ المشكلات. وتؤكد "أهمية إشراك أولياء الأمور في الأنشطة المتعلقة بالصحة العقلية كي يكونوا على دراية بالجوانب المختلفة للصحة العقلية وكيفية دعم وتعزيز صحة أطفالهم. وقد يتطلب ذلك تنفيذ برامج لدعم الوالدين، وتنظيم دورات تدريبية ونقاشات حول المشاكل النفسية والاجتماعية للمراهقين والعنف المنزلي، وكيفية التعامل مع العنف والتوتر".

وتطالب باعتماد خطط وبرامج متكاملة ومنسقة للتدخل في أمور تؤثر في الصحة النفسية للأطفال والمراهقين، وتعزيز دور المعلمين والمرشدين في الكشف المبكر عن أعراض الأمراض النفسية، من أجل تقديم الدعم المبكر والإحالة الصحيحة للطلاب. وتشير إلى أهمية وجود مساحة مناسبة لأنشطة الدعم النفسي والاجتماعي داخل المدارس، وتنفيذ برامج ترفيهية صيفية للأطفال، وتفعيل دور حصص الفن والموسيقى والرياضة مع تخصيص الوقت الكافي لها.

المساهمون