كانت أصوات هدير محركات الطائرات الحربية وانفجارات الصواريخ والقنابل كفيلة بنزع الفرح من قلوب الأطفال السوريين وغرس الرعب فيها، بل وترك زهور العمر لديهم عطشى للحب والعطف والحنان.
هذا هو حال آلاف الأطفال السوريين في إدلب، فهم مكسورو الخاطر محرومون من مدينة ألعاب أو متنزه أو حتى حديقة منزل يلعبون فيها، فالخيمة التي تطوقها المياه مع سقوط المطر ويلفها الوحل ويطوقها البرد، هي آخر ما تبقى للأطفال النازحين، والمنزل البارد الذي نادراً ما توقد فيه مدفأة أيضاً، يحكي قصصاً لا تقل قسوة عن ظروف أولئك في المخيمات.
ولإسعاد هؤلاء الأطفال لا بد من نشاط ترفيهي يعيدهم لدرج الطفولة، وهذا ما فعله الدفاع المدني، الذي نظم نشاطات في مدرسة فيلون، جنوبي إدلب، احتفالاً بتكريم الطلاب المتفوقين، تضمنت نشاطات وفقرات توعوية، وشارك متطوعوه أيضاً في حفل لتكريم الطلاب الأوائل في مدرسة ببلدة رام حمدان، شماليّ إدلب، يوم الثلاثاء الماضي.
الفعالية حملت عدة أهداف، وفق ما أكد عبد الله حماد، مدير مكتب التوعية في المديرية الجنوبية للدفاع المدني السوري، لـ"العربي الجديد"، وعلى رأسها "إسعاد الأطفال ومشاركة الأهالي فرحتهم بأبنائهم، ولتشجيع الطلاب على النجاح والتفوق". وذكر أن نوع النشاط كان توعويا وترفيهيا وتثقيفيا في بلدة فيلون، بحضور 700 من الأطفال والأهالي والمعلمين، "والاهتمام بتحسين البيئة المدرسية، وكذلك العمل على مشاركة الأطفال بالعروض الترفيهية، والتنمية الاجتماعية والعاطفية، بالإضافة إلى نموهم المعرفي وتعزيز استعدادهم للتعلم".
وكانت الإجراءات المتبعة للوقاية من فيروس كورونا حاضرة، وفق المتحدث، ومنها تحديد ورسم مكان الوقوف للطلاب لتحقيق تباعد جسدي بمسافة متر واحد، مع ارتداء الحضور الكمامات، وتطهير الأسطح في المدرسة من قبل فريق مكافحة فيروس كورونا.
الأطفال في منطقة شمال غرب سورية محرومون من مدن الألعاب والملاهي وغيرها، وهذا حرمهم من الأنشطة الطبيعية التي قد يمارسها أي طفل، لذلك هناك حاجة ملحة للترفيه عنهم وانتشالهم من تبعات القصف والتهجير والنزوح وأثره في نفوسهم.
وأكد المدرس إبراهيم مازن صليبي، من المكتب التعليمي في المجلس المحلي لبلدة رام حمدان، وهو ممن حضروا النشاط، لـ"العربي الجديد"، أن الأطفال بحاجة دائما للأنشطة الترفيهية والتحفيزية في ظل الظروف الحالية من قصف ونزوح وحالة مادية سيئة لأغلب أهالي الأطفال، وعدم قدرة أغلب أهالي الطلاب على تقديم هدايا وإقامة نشاط يفرح أطفالهم، والطفل من خلال أنشطة الدعم النفسي أو حفلات ونشاطات التكريم يشعر بأنه موجود، ودراسته تأتي بنتيجة عليه مادية كانت أو معنوية. ولهذه النشاطات نتيجتان، الأولى للطفل المتفوق أنه يشعر بمن يقف بجانبه ويقدر تعبه، والثانية تحفيز وتشجيع الطالب الأقل منه درجة في المعدل لكي يتفوق ويبذل جهده.
وانعكست الظروف وتبعات القصف والتهجير بشكل مباشر على الأطفال ،كما بينت سونيا كوش، مديرة استجابة منظمة إنقاذ الطفولة في سورية، إذ قالت في تصريح لها: "لقد أدى عقد من الصراع إلى جر ملايين الأسر السورية إلى الفقر، وأجبر الأطفال على العمل فقط من أجل البقاء على قيد الحياة، ودفع مئات الآلاف منهم إلى ترك المدرسة، ما جعل التعليم حلمًا بعيد المنال".
بين خيام النازحين بالقرب من مدينة الدانا، يلهو الطفل خالد مع مجموعة من أصدقائه الذين يلعبون تحت أشعة الشمس التي يسترقون منها الدفء في فصل الشتاء، خولة (36 عاما)، مهجرة من ريف حمص الشمالي، وهي الدة الطفل، تقول لـ"العربي الجديد": "ليس هناك شيء آخر متاح لهم ليعشوا كالأطفال الطبيعيين. عندما يعود خالد، أجد التراب على ركبتيه وقدميه ويديه أيضا. كنت أنزعج بداية، لكن بات الأمر عاديا. لا أريد حرمانه من آخر فرحة لديه. أرجو أن يكون هناك نشاط ترفيهي يحضره خالد وأصدقاؤه ويشعرون بأنهم أطفال حقا".
يتحدث أحمد أبو بكر، من أبناء بلدة رام حمدان أيضا، عن حالة الضيق التي يعيشها الأطفال في المنطقة، ويقول لـ"العربي الجديد"، إن طلاب المنطقة لم يبق عندهم أي متنفس، وهناك حاجة لتنظيم نشاطات دورية لهم، فلا حدائق عامة يقصدونها ولا مدن ألعاب، فضلا عن حالة الفقر التي يعيشها أغلب سكان المنطقة، لافتا لأهمية تكرار حفل التكريم الذي جرى في مدرسة رام حمدان للطلاب المتفوقين.
وفي ظل الظروف الراهنة يعيش الأطفال في سورية تحت خطر العديد من التهديدات، منها الحرمان من التعليم، والافتقار للخدمات الصحية الضرورية لهم، إضافة لظاهرتي التسول وعمالة الأطفال، والزواج المبكر. وذكرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، في بيان صدر عنها في يناير/كانون الثاني الماضي، أنه يوجد في سورية أكثر من 2.4 مليون طفل غير ملتحقين بالمدرسة، و40 في المائة منهم تقريبًا من الفتيات.