أطفال أوكرانيا... كييف والمحكمة الدولية تكافحان "الخطف الروسي"

05 مايو 2023
استقبلت عائلات روسية أطفالاً أوكرانيين أجلوا من مناطق القتال (ألكسندر نيمينوف/ فرانس برس)
+ الخط -

بعد مرور عام وبضعة أشهر على بدء الحرب الروسية على أوكرانيا، التي أدت إلى انقسام مناطق في شرق البلاد، أصبح آلاف الأطفال الأوكرانيين موجودين على أراضٍ لا تخضع لسيطرة كييف، بعضهم برفقة ذويهم، وآخرون كانوا في الأصل رعايا في دور أيتام أوكرانية، أو ممن أبعدوا عن والديهم بسبب وجودهم على طرفي الجبهة خلال اندلاع القتال.
وما يزيد صعوبة إعادة الأطفال الأوكرانيين إلى أراضي العمق الأوكراني، حمل كثيرين منهم حالياً الجنسية الروسية، إثر ضم روسيا مقاطعات دونيتسك ولوغانسك وزاباروجيا وخيرسون إلى أراضيها في نهاية سبتمبر/ أيلول الماضي.

قضايا وناس
التحديثات الحية

نسبة ضئيلة من العائدين
وتحدد بيانات رسمية أوكرانية بـ17 ألفاً عدد أطفال البلاد المهجرين الذين استطاعت جمع معلومات مفصلة عن مواقع إقاماتهم السابقة في أوكرانيا وأماكن وجودهم الحالية داخل روسيا. وتشير إلى أنه يُضاف إليهم بين 1500 و2500 طفل لم تعرف وجهاتهم، وفق ما توضح مديرة مركز قرى "الأطفال - أوكرانيا" (إس أو إس) التي تعنى بإعادة الأطفال إلى وطنهم، داريا كاسيانوفا، التي تضيف في حديثها لـ"العربي الجديد": "نتعامل مع طلبات يقدمها أقرباء لأطفال، ونساعدهم في محاولة إعادتهم إلى الأراضي الخاضعة لسيطرة كييف. وقد يكشف هؤلاء الأطفال بدورهم عن وجود آخرين ما زالوا ينتظرون قدوم ذويهم لأخذهم. ونحن نتعاون في هذه المهمة مع وزارة إعادة الاندماج وغيرها من الجهات الحكومية، ونتلقى منهم طلبات أيضاً".
وتلفت إلى أن "الأطفال المهجرين ينقسمون إلى فئات عدة، أولها من تواجدوا مع أجدادهم في مقاطعات محتلة خلال سفر والديهم على سبيل المثال، ثم وجدوا أنفسهم في روسيا في نهاية المطاف. وتضم الفئة الثانية الأطفال الذين ذهبوا إلى معسكرات أو مصحات شبابية حين اندلعت الحرب، والثالثة من لقي آباؤهم حتفهم في أثناء عمليات الإجلاء. أما الفئة الرابعة فهم أبناء عسكريين تعمدوا تركهم مع أهاليهم بعدما ذهبوا إلى الجبهة". 
وتعطي كاسيانوفا أمثلة على الصعوبات التي تعترض إعادة الأطفال، وتقول: "ترتبط حالات بحصول أقرباء لأطفال على الجنسية الروسية، ثم رفضهم تسليم هؤلاء الأطفال لآبائهم في أوكرانيا حتى إذا كانوا على قيد الحياة، وأخرى بعدم إمكان إعادة أطفال كانوا تلاميذ في مدارس داخلية، ونقلوا إلى روسيا أو القرم".
وتصف كاسيانوفا عملية إعادة الأطفال بأنها "معقدة تنظيمياً وذات تكاليف عالية، في وقت لا يملك الأهالي في أحيان كثيرة القدرة على تحمل نفقات السفر"، لكن ذلك لا يمنع كاسيانوفا من التمسك بأمل عودة جميع الأطفال الأوكرانيين إلى وطنهم يوماً ما.
أيضاً يُقرّ مدير المركز الأوكراني للتحليل وإدارة السياسات، رسلان بورتنيك، بصعوبة إعادة العدد الكبير من الأطفال المهجرين، مشيراً إلى أن أوكرانيا تتعامل مع تهجير الأطفال من أراضيها بأنه خطف. ويقول لـ"العربي الجديد": "من الصعب في المرحلة الراهنة تقدير عدد الأطفال المهجرين بدقة، علماً أن أكثرهم أيتام كانوا في دور رعاية ومؤسسات صحية حكومية تقع في الأراضي المحتلة حالياً، لكن يمكن القول إنهم عشرات الآلاف، ولم يتسنَّ حتى الآن إلا إعادة مئات منهم، وهذه نسبة ضئيلة جداً تمثل أطفالاً لديهم أقرباء لرعايتهم في أوكرانيا".
وتشير بيانات رسمية أصدرتها أجهزة رسمية في أوكرانيا إلى إعادة 361 طفلاً مهجراً إلى وطنهم بمشاركة نشطة من ذويهم. 

الصورة
أجلي أكثر من مليوني طفل أوكراني أيضاً إلى دول غير روسيا (جو كلامار/ فرانس برس)
أجلي أكثر من مليوني طفل أوكراني أيضاً إلى دول غير روسيا (جو كلامار/ فرانس برس)

جهود أوكرانية
وفي شأن الموقف الرسمي لأوكرانيا من تهجير الأطفال إلى روسيا، يوضح بورتنيك أن "كييف طرحت المسألة أمام المنظمات الدولية، باعتبارها بمثابة خطف الأطفال، وطالبت بإجراء محاكمات دولية، وإبداء المجتمع الدولي ردود فعل أكثر حزماً تجاهها".
واقترح نواب أوكرانيون إخضاع حوادث خطف البشر من أوكرانيا للمسؤوليات الجنائية الناتجة، وقدموا مشروع قانون يحمل الرقم 9204 لتنظيم هذا الأمر، ومعاقبة من يسببون تهجير أشخاص إلى خارج أوكرانيا بالسجن بين 8 سنوات و12 سنة مع إمكان زيادة هذه العقوبة إلى 15 عاماً في حال تهجير قاصرين. 
وحالياً يقدم المكتب الوطني الأوكراني للاستعلامات توجيهات للأقرباء في شأن آليات التصرف في حالات تهجير أطفال، بدءاً بجمع بيانات حول هوياتهم وظروف تهجيرهم، وتحديد الموقع الأخير الذي وُجدوا فيه، وتقديم صور شخصية لهم وتحديد أرقام مخصصة للاتصال بذويهم. 

آراء روسيا
وفيما تشير البيانات الروسية إلى أن أكثر من 5.4 ملايين شخص وصلوا إلى روسيا من أوكرانيا، بينهم 744 ألف طفل، ما يتناقض مع الأرقام التي أعلنتها أوكرانيا، يعلّق بورتنيك بالقول: "تعتبر روسيا أن المناطق المحتلة شرقي أوكرانيا أصبحت جزءاً من أراضيها، وقد ثبتت هذا الأمر في دستورها ما يعني، بحسب تصورها، أن أجهزتها باتت معنية برعاية هؤلاء الأطفال".  
ويعتبر عضو مجلس العلاقات بين القوميات التابع للرئاسة الروسية، بوغدان بيزبالكو، في حديثه لـ"العربي الجديد" أن "الأطفال القادمين من شرق أوكرانيا يندمجون جيداً في المجتمع الروسي، في ظل تكلمهم اللغة ذاتها واعتناقهم الديانة المسيحية الأرثوذكسية. وقد أتى قسم من الأطفال برفقة عائلتهم، وآخرون أيتام أُجلوا في شكل منظم من دور أيتام كانوا يقطنون فيها، أما أوكرانيا والغرب، فيستخدمان ذلك ذريعةً لشيطنة روسيا". 
ويقلل بيزبالكو من أهمية زعم أوكرانيا أن قدوم أطفال أوكرانيين يساهم في تحسين الوضع الديمغرافي في روسيا، ويقول: "روسيا دولة كبيرة تحتاج إلى معالجة عميقة لأزمة تراجع عدد المواليد من طريق اتباع سياسات للحدّ من حالات الإجهاض وربما حظره، وتطوير آليات الرعاية الاجتماعية، وتغيير نمط المجتمع الاستهلاكي الذي يتقبل انتقال أفراده من علاقة إلى أخرى بسهولة". 
بدوره، يقرّ عضو المجلس الإقليمي لحزب "يابلوكو" (تفاحة) الليبرالي المعارض في موسكو، أليكسي كرابوخين، بضرورة إجلاء الأطفال ورعايا دور الأيتام من مناطق القتال في أوكرانيا، ويرى في حديثه لـ"العربي الجديد" أن "هذا الأمر لا يترتب عنه تغيير هوياتهم، أو بقاؤهم مدى الحياة في روسيا".

الصورة
طفل أوكراني يحمل علم "جمهورية دونيتسك الروسية" في موسكو (ألكسندر نيمينوف/ فرانس برس)
طفل أوكراني يحمل علم "جمهورية دونيتسك الروسية" في موسكو (ألكسندر نيمينوف/ فرانس برس)

المحكمة الدولية
وفي مارس/ آذار الماضي، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف في حق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والمفوضة الروسية لحقوق الطفل ماريا لفوفا بيلوفا، ووصفتهما بأنهما "مسؤولان عن تهجير أطفال من الأراضي الأوكرانية إلى روسيا خلال الفترة التي تلت بدء الحرب المفتوحة بين البلدين".
وفي حديث سابق لـ"العربي الجديد" من مقر المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، عزا المحامي الروسي سيرغي غولوبوك المصرح له بالعمل في المحكمة الجنائية الدولية، إصدار مذكرتي التوقيف في حق بوتين ولفوفا بيلوفا في قضية تهجير الأطفال، إلى "قدسية الأطفال والإجماع على ضرورة حمايتهم، وإقرار السلطات الروسية نفسها بنقل بعضهم، ما يوفر إثباتات واضحة لحصول ذلك".
ونفت روسيا اتهامات المحكمة التي أعلنت أنها لا تعترف بسلطاتها القضائية، ووصفت المذكرة بحق بوتين ولفوفا بيلوفا بأنها "باطلة".

وفي تصريح أدلت به في وقت سابق من إبريل/ نيسان الماضي، قالت لفوفا بيلوفا إنّ "ثمانية أطفال أوكرانيين فقط من أصل 2500 ما زالوا موجودين في مصحات توجد في شبه جزيرة القرم (التي ضمتها روسيا عام 2014)، وإقليم كراسنودار جنوبيّ روسيا، وتتعثر مهمة تسليمهم لذويهم بسبب منع السلطات الأوكرانية الذكور في سنّ التجنيد من مغادرة البلاد، بينما لا تستطيع روسيا تسليم الأطفال إلّا لأولياء أمورهم". 
وشددت أيضاً على أن "موسكو تصرفت على أساس إنساني لحماية مصالح الأطفال في منطقة تشهد أعمالاً عسكرية ولم تنقل أحداً بخلاف إرادته أو إرادة والديه أو الأوصياء القانونيين عليه والذين تم السعي دوماً للحصول على موافقتهم إذا لم يكونوا مفقودين".
وإلى جانب الأطفال المهجرين، تشير تقديرات المنظمات الدولية إلى إجلاء أكثر من مليوني طفل أوكراني إلى دول أخرى، ونزوح ثلاثة ملايين آخرين في الداخل.  

المساهمون