أطفال أوروبا... حصار نفسي بسبب حرب أوكرانيا

01 مارس 2022
في كوبنهاغن يطالبون بإنهاء الحرب (توماس سووجيروب/ فرانس برس)
+ الخط -

"لا يمكن تجنّب الانعكاسات النفسيّة لأخبار الحرب في أوكرانيا على الصغار. هم يسمعون في البيت وفي المدرسة بما يجري ما يعني أنّه يجب مواجهة القلق لديهم بطريقة صحيحة" بحسب ما يقول الطبيب المتخصّص في علم النفس، بيورن غامستروب لـ "العربي الجديد". 
قبل بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، كان هناك خوف لدى الأجيال الشابة في أوروبا، والذين سمعوا وقرأوا فقط عن الحربين العالمية الأولى والثانية أو تلك التي شهدتها دول البلقان. وجاءت الحرب الروسية - الأوكرانية لتُعزّز مخاوف المتخصصين في علمي الاجتماع والنفس من آثار وصول الحرب إلى حدود مجتمعات كانت تظن أنها بمنأى عنها. وبعدما شكّلت أخبار الحرب الأولوية على وسائل الإعلام، لم يكن في الإمكان حماية الصغار من تأثيراتها تماماً. 
تقول الطبيبة النفسية السويدية، كريستين أندرسون، إنّ "اضطراب ما بعد الصدمة يمكن أن يؤثر بشكل ثانوي حتى على أولئك الذين يعيشون في بلدان أخرى" موضحة أنّ الأخبار المتعلقة بالحرب التي كانت تتناقلها وسائل الإعلام، حتّى قبل بدء الغزو في أوكرانيا، كانت "تمس الصغار والمراهقين في السويد. ومع توالي الأخبار عن استنفارات عسكرية ونشر جيش السويد قوات ومدرعات في جزيرة غوتلاند (تقع في بحر البلطيق على بعد 90 كيلومتراً من البرّ السويدي) ومناطق أخرى من البلاد، جاء الغزو الروسي الأخير ليعزّز عمق المخاوف لدى فئات كثيرة". 
في الوقت الحالي، يشعر الصغار والمراهقون في معظم دول بحر البلطيق بالقلق، كما يقول متخصصون في علمي النفس والاجتماع. في هذا الإطار، سارعت السلطات وجمعيات الطب النفسي في أكثر من دولة شمالية إلى إصدار إرشادات حول كيفية التعامل مع "قلق الحرب" لدى الأطفال دون سن الثامنة عشرة. 

مواكبة نفسية للحرب 
ليس من السهل تجنّب تأثيرات أخبار الحرب، في ظل وسائل التواصل الاجتماعي. ما يعني أن الواقع اليوم يختلف عما كان عليه الحال في تسعينيات القرن الماضي حين اندلعت الحرب في يوغسلافيا السابقة وغيرها من المناطق القريبة من حدود الاتحاد الأوروبي. ويؤكد غامستروب أن "الصراحة مع الصغار سواء في البيوت أو المدارس مهمة، من دون أن يُظْهِر الكبار الخوف أو القلق".  
وفي بعض المجتمعات كالسويد والدنمارك وفنلندا، تنتشر جاليات من أوكرانيا وروسيا، وبالتالي فإنّ ما يدور خلف جدران منازل أطفالهم ينعكس في حديثهم مع أقرانهم في المجتمعات، وهو ما يدفع بعض المدرسين إلى شرح ما يحدث في أوروبا من خلال الاستعانة بالخرائط. ويختلف الأمر بين مجتمع وآخر باختلاف حجم شعور المجتمعات بتهديد روسي علني. فالسويد وفنلندا أكثر قلقاً مع توالي تهديدات موسكو التي تمس، وخصوصاً لناحية علاقتهما بحلف شمال الأطلسي (الناتو).
وفي السياق، تقول الطبيبة النفسية كريستن أندرسون، إنّ الاتجاه العام في مجتمعها السويدي "يذهب إلى النقاش الشفاف والواضح من دون الكذب على الصغار، فهؤلاء سيكشفون الأكاذيب أو التغطية على الحقيقة بأنفسهم، ما يزيد تشويشهم ويرفه مستوى قلقهم وغياب ثقتهم بالمستقبل". ويرى أن الصغار "لا يقلقهم فقط رؤية أهاليهم غير متماسكين، بل يخشون موت أحد والديهم علماً أنّ بيوتهم بعيدة عن الحرب".  
في هذا السياق، تقول الطبيبة المتخصصة في علم النفس، ماريا تولستروب، إنّ "أخبار الحرب التي لا يمكن تجنب وصولها إلى مسامع الصغار تخلق نوعاً من انعدام اليقين لديهم ولدى المراهقين". وتشدد على "ضرورة مواجهة مخاوف الصغار من خلال التحدث معهم لخلق نوع من السلام والأمان لديهم". 

تضامن مع أوكرانيا من العاصمة السويدية ستوكهولم (كلوديو بريسيانتي/ فرانس برس)
تضامن مع أوكرانيا من العاصمة السويدية ستوكهولم (كلوديو بريسيانتي/ فرانس برس)

من جهتها، تقول المتخصّصة في علم النفس والعلاج الأسري، من منظّمة "ديغنتي" هيلينا لوند، إنّ شرح ما يجري للصغار يتم من خلال "تجنّب الخوض في تفسيرات طويلة من قبل البالغين، وعدم إثارة قضايا معقدة تتعلق بالسياسة أو ما شابه. يجب عدم إرباك الصغار بل خلق نوع من الهدوء والطمأنينة حول حياة الوالدين والأقارب قدر الإمكان". كما يرى غامستروب أنّ "اختيار البعض وضع المشكلة في صندوق مغلق، أو تجنب العلاجات والمحادثات النفسية، يفاقم علاقة الآباء بأطفالهم. ومع مرور الوقت، تبدأ الأعراض تنعكس على علاقة الناس بالمجتمع، كالعزلة والنفور والرفض بالإضافة إلى الخوف من أوصاف يثيرها البعض لأسباب تتعلق بمفهوم ربط المشكلة النفسية بالجنون، لإنكار وجود مشاكل نفسية يمكن علاجها".
 
حاجة للطمأنينة 
لتجنّب أن تتحول الأعراض النفسية للحرب إلى حالة مستعصية، تنبهت السلطات لمدى خطورة الانتشار السريع للمعلومة والخبر عن الحرب ومآسيها. وتتركز معظم النقاشات مع الصغار على الانفتاح كما يقول الخبراء. على سبيل المثال، أثنى المتخصّصون الخميس الماضي على طاقم رئاسة حكومة كوبنهاغن حين عقدت رئيسة الحكومة ميتا فريدركسن مؤتمراً صحافياً بحضور صحافيين صغار من "جريدة الأطفال" (التي يشارك في تحريرها أطفال في الدنمارك). أجابت فرديركسن على الأسئلة بجدية ومن دون استعلاء أو تهكم أو كذب، بل تحدثت عن مخاطر تتعلق بدخول الدنمارك في حرب مع روسيا على اعتبار أنها عضو في حلف دفاعي غربي أي أنها ليست وحيدة. 

وما يثار في كوبنهاغن يشبه ما يدور في استوكهولم، التي باشرت منذ وقت، ومن خلال وكالات متخصصة في محاربة الحرب النفسية، في تجنب نشر الذعر بين أفراد المجتمع، ومن بينهم الصغار، من خلال إرشادات ونصائح تتعلق بكيفية فتح محادثة وإجابة عن الأسئلة المطروحة والقلقة. ويسود اعتقاد لدى متخصصين في عموم الدول الأوروبية الشمالية أنّه في العموم "لا يجب أن يفتح البالغون نقاشاً مع الصغار إذا لم يباشروا طرح أسئلة والاستفسارات.. وفي حال لاحظ الأهل القلق على الأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين 6 و7 سنوات، يمكن الإجابة عن استفساراتهم". 
ينصح البالغون بعدم إظهار "دهشة من أسئلة الصغار، بل التعامل مع أسئلتهم وكأنها عادية، وبالتالي إعطاؤهم إجابات لطيفة، مع تذكر أن لا حاجة لهم للقلق والخوف لأنّ ما يجري مشكلة بين الأشخاص الكبار وليس بسبب الصغار" كما تقول عالمة النفس من "ديغنتي" هيلينا لوند.

لاجئون أوكرانيون وصلوا إلى بولندا (مارتينيز فيليز/ Getty)
لاجئون أوكرانيون وصلوا إلى بولندا (مارتينيز فيليز/ Getty)

في العموم، فإنّ بعض العائلات الدنماركية من أصول أوكرانية، والتي تحدثت إليها "العربي الجديد" تجد صعوبة في تجنيب الصغار ما يجري في بلد الأجداد: "هم يفهمون لغتنا. وحين نتحدث ونتصل مع الأقارب يكونون متأثرين بالتأكيد. فجأة، أصبحت أوكرانيا بقعة ضوء في محيطهم الدنماركي، ويصعب ألا يكون التأثير مختلفاً عن أطفال دنماركيين آخرين" هذا ما تقوله عائلة بيتر (9 سنوات) وبوكتيلو (10 سنوات).  
ويُشبه ما تعيشه الجالية الأوكرانية في شمال أوروبا ما يجري من تفاعل مع الحرب على بلدهم ما جرى مع جاليات أخرى، مثل الجاليات الفلسطينية في مراحل مختلفة، حين كانوا يقومون بالتعبئة لجمع ما يمكنهم من مساعدات واستعدادات للسفر إلى بلدهم أو إلى الدول المجاورة لمساعدة وطنهم. وفي ظل التفاعل بين الأوكرانيين في المهجر، وارتفاع مستوى الخطاب القومي واستعداد كثيرين، وخصوصاً الفئة العمرية ما بين 18 و60 عاماً، لترك أسرهم والانضمام إلى ما يسمونه "مقاومة الغزو الروسي" يبدو أنّ مؤثرات الحرب على المستويين النفسي والاجتماعي أكبر لديهم من أفراد مجتمعات أوروبية غربية، وإن كان تفاوت التأثير لا يعني أنّ مجتمعات القارة العجوز بمنأى عن شظايا يوميات أوكرانيا وجوارها. 

وقدمت منظّمة "أنقذوا الطفولة" مجموعة من النصائح والإرشادات للكبار حول كيفية تخفيف الأعباء النفسية على الصغار. وتقول المتخصصة في علم النفس آنا ليمكا: "يجب أن يخاطب الكبار الصغار بنضج، ولا يعني ذلك إنكار ما يجري (الحرب) على اعتبار أن الشاشات تنقل الحدث". وتشير المنظمة إلى أن "الحرب تعتبر من أكثر الأشياء المخيفة للصغار على الإطلاق". 
وتشدد المنظمة على "ضرورة عدم الكذب على الصغار، حتى لو كان الهدف حمايتهم، إذ أن الكذب سيؤدي حتماً إلى اكتشاف الطفل شيئ مختلف عما يقوله الأهل، وبالتالي يفقدون الثقة بالكبار". تضيف أن "الأطفال يحتاجون إلى المعلومة من دون تعقيدات وتفاصيل. أصلاً، لا قدرة لهم على استيعاب كل ذلك".

المساهمون