باتت زيارة الطبيب في العاصمة السورية دمشق تُثقل كاهل المرضى بعد رفع الدعم الحكومي عن الأطباء، إذ لجأ هؤلاء الأخيرين بمعظمهم إلى تعويض كلفة رفع دعم البنزين عنهم من جيوب المرضى من خلال رفع بدلات المعاينة مرّتَين عمّا كانت عليه قبل رفع الدعم.
وفي نهاية شهر يونيو/حزيران الماضي، أصدرت وزارة الاتصالات التابعة للنظام السوري بياناً تضمَّن استبعاد الأطباء من الدعم الحكومي، إذا مضى على ممارستهم مهنة الطبّ أكثر من 10 سنوات. وقد أفاد نقيب الأطباء في سورية غسان فندي حينها، في تصريحات صحافية، بأنّه "تمّ استبعاد نحو ثمانية آلاف طبيب من الدعم من أصل نحو 27 ألفاً".
يعزو الطبيب السوري عزام كريم (45 عاماً) المتخصص في أمراض القلب والذي طاوله القرار، زيادة بدل معاينته التي يتقاضاها من المرضى إلى "ارتفاع سعر البنزين في السوق السوداء، فضلاً عن رفع النظام الدعم عنّا". ويقول كريم لـ"العربي الجديد" إنّ "رفع الدعم زاد من مصاريف تنقّلي المتكرر ما بين العيادة والمستشفى"، مضيفاً: "كنت أحصل على ما يقارب 50 لتر بنزين بالسعر المدعوم، أي 2500 ليرة سورية (نحو دولار أميركي واحد)"، إلا أنّني اليوم صرت مضطراً إلى دفع 200 ألف ليرة (نحو 80 دولاراً)، وذلك في حال توافر البنزين الحرّ في محطات الوقود وعدم اضطراري إلى شرائه من السوق السوداء في مقابل ثمانية آلاف ليرة (نحو 3.2 دولارات) لكلّ لتر".
ويعاني المرضى في العاصمة دمشق وريفها من رفع الأطباء بدلات المعاينة بما لا يتناسب مع متوسّط الأجور البالغ 92 ألف ليرة (نحو 37 دولاراً)، فضلاً عن أزمة اقتصادية ومعيشية تشهدها مناطق النظام أفقدت جزءاً كبيراً من السكان قدرتهم على التداوي إلا في حالات المرض الشديد.
وفي هذا الإطار، يخبر صبحي مريمية (58 عاماً) أنّه صار مضطراً إلى دفع 50 ألف ليرة (نحو 20 دولاراً) كلّ شهرَين لقاء مراجعته المنتظمة لطبيبه المتخصص في أمراض القلب. ومريمية، وهو مدرّس، أُجبر على التقاعد مبكراً لأسباب صحية، إذ يعاني من مرض مزمن في قلبه منذ أكثر من 10 سنوات. ويخبر "العربي الجديد" أنّه "قبل رفع الدعم، كنت أدفع كبدل معاينة 25 ألف ليرة (نحو 10 دولارات)، لكنّنا صرنا نعوّض من جيبنا رفع الدعم عن الأطباء". وعلى الرغم من أنّ مريمية ملزم بمراجعة طبيبه مرّة كلّ شهرَين، فإنّه قرّر إهمال ذلك الالتزام ومراجعته عندما يشعر بعارض صحي يهدّد حياته، وذلك بسبب عدم قدرته المادية على دفع 50 ألف ليرة كلّ شهرَين كبدل معاينة فقط، فضلاً عن أدوية القلب التي يتناولها والتي يتجاوز سعرها شهرياً 30 ألف ليرة (نحو 12 دولاراً).
قبل أشهر عدّة، كان يُقال إنّ بدلات معاينات الأطباء ترهق جيوب السوريين، أمّا اليوم فقد صارت خارج قدرة المواطنين المالية بعد رفع الدعم، خصوصاً في ظلّ تأخر إصدار التعرفة الطبية الجديدة من قبل نقابة الأطباء، بحسب ما أجمع عدد من سكان دمشق التقتهم "العربي الجديد".
وتختلف بدلات معاينات الأطباء بين الريف والمدينة، لكنّها تتشابه كلها في عدم ملاءمتها دخل السوريين المنخفض. ويقول الطبيب موسى نصر (33 عاماً) المتخصص بأمراض أطفال في منطقة جديدة عرطوز بريف دمشق لـ"العربي الجديد" إنّه "على الرغم من مرور 11 عاماً فقط على ممارستي مهنة الطب، فإنّني لا أملك عيادة خاصة، وإيجار عيادتي الشهري يبلغ اليوم مليوناً ونصف مليون ليرة (نحو 600 دولار)".
ويتساءل نصر: "كيف أستطيع العيش والاستمرار في العمل، في ظلّ ارتفاع تكلفة المعيشة وبقاء بدل معاينتي على حاله؟"، لافتاً إلى أنّه مضطر إلى رفع قيمة هذا البدل على الرغم من قساوة ذلك على المرضى وذويهم، وإلا فإنّه سيعجز عن سداد بدل إيجار عيادته. ويعبّر نصر عن استهجانه مدّة السنوات العشر كمعيار لرفع الدعم من قبل حكومة النظام، ويوضح أنّ "هذه المدّة، وخصوصاً في خلال الحرب، لا تتيح للطبيب أن يشتري عيادة في منطقة نظامية من جرّاء ارتفاع أسعار العقارات بشكل جنوني".
في سياق متصل، أقرّ رئيس فرع نقابة الأطباء في ريف دمشق خالد موسى، في تصريحات صحافية، بأنّ التأخّر في إصدار التعرفة الطبية يفتح باب الفوضى في ما يخصّ بدلات الأطباء، مشيراً إلى أن لا مبرّر لتأخّر إصدار التعرفة الطبية الجديدة. يُذكر أنّ التعرفة الطبية الأخيرة صدرت في عام 2004، على الرغم من القرار التنظيمي رقم 79/ت الذي ينصّ على "إعادة النظر في التسعيرة وتعرفة الأجور الطبيّة كلّ ثلاث سنوات، أو كلّما دعت الحاجة".
ولا يعوّل نصر كغيره من الأطباء على إصدار التعرفة الطبية الجديدة، لأنّها بحسب ما يرى لن تغيّر من واقع الأمر شيئاً، وستكون تعرفة منخفضة لا تغطي تكاليف المعاينة الطبية ولن ترضي المرضى، نظراً إلى انخفاض مستوى الدخل لدى فئات المجتمع السوري بمعظمها.