"يواجه اللاجئون السوريون في لبنان عوائق متزايدة تصعّب حصولهم على الخدمات الطبية الضرورية، بسبب ما يتردّد عن الترحيل القسري وقيود تُفرَض على حريّة تنقّلهم". بهذا استهلّت منظمة "أطباء بلا حدود" تقريراً أخيراً لها، وقد استعرضت فيه شهادات مرضى من بين هؤلاء وما يعانون منه، بالإضافة إلى ما سجّلته هي من خلال عملها على الأرض.
واستناداً إلى الشهادات التي دوّنتها فرق "أطباء بلا حدود" وشركائها، توصّلت إلى أنّ "الوضع يزداد سوءاً مع اشتداد حدّة خطاب التمييز ضدّ اللاجئين السوريين"، الأمر الذي يؤدّي إلى "مخاوف حول سلامتهم" في حين أنّه "يخلق بيئة من الخوف بين هؤلاء".
وأكّد تقرير المنظمة أنّ "جوّ التهديد" السائد دفع اللاجئين السوريين إلى الشعور بخشية من مغادرة مساكنهم، حتى لو كان ذلك بهدف طلب الرعاية الطبية الأساسية. وتشير المنظمة إلى أنّ هذا الوضع يظهر خصوصاً في بلدة عرسال الواقعة في قضاء بعلبك بمحافظة البقاع، شرقي لبنان، على مقربة من الحدود مع سورية.
يُذكر أنّ "أطباء بلا حدود" تعمل في هذه البلدة التي تُعَدّ معزولة نوعاً ما منذ أكثر من عشرة أعوام.
Syrian refugees in Lebanon are struggling to access healthcare due to fear of deportation.
— MSF International (@MSF) May 18, 2023
This situation is untenable. All marginalised groups of people should have access to timely healthcare regardless of their background or status.
Learn more 👇https://t.co/up1Zc4l9Ss
فرحات من هؤلاء اللاجئين السوريين، يبلغ من العمر 75 عاماً، ويتلقّى علاجاً لداء السكري في عيادة "أطباء بلا حدود" في عرسال منذ تسعة أعوام. تنقل عنه المنظمة أنّ اللاجئين جميعاً "يعيشون في قلق ويلازمون منازلهم، كأنّما الخوف يشلّهم". ولا يخفي الرجل السبعيني خشيته من أن تعتقله السلطات وتطرده من لبنان، قائلاً: "أخاف من أن يأخذوني ويذلّوني، ثمّ يطردوني من البلاد". ويضيف أنّ هذه المخاوف تراود كثيرين آخرين.
وفي الأسبوعَين الماضيَين، لاحظت فرق "أطباء بلا حدود" تغيّب مرضى عن مواعيدهم في عيادتها، وترجع ذلك إلى مخاوف هؤلاء من الترحيل عند نقاط التفتيش التي تسبق وصولهم إلى وجهتهم. وتؤكد الفرق أنّ مناخ الخوف يؤثّر على الإجراءات الخاصة بإحالة الحالات الطبية الطارئة إلى المستشفيات.
ويشير رئيس بعثة "أطباء بلا حدود" في لبنان مارسيلو فرنانديز إلى أنّ مريضاً رفض تحويله إلى المستشفى على الرغم من حاجته الملحّة إلى الرعاية الطبية، شارحاً أنّ ذلك "يعود خصوصاً إلى خوفه من الترحيل، لا سيّما أنّه غير مسجّل".
وبيّنت المنظمة في تقريرها أنّ التطبيق الأخير والصارم للسياسات والقيود القانونية التي تُعنى باللاجئين في لبنان أدّى إلى مصادرة سيارات سوريين كثيرين ودرّاجات نارية عائدة لهم، علماً أنّها في الغالب وسيلتهم الوحيدة للتنقّل بأسعار معقولة، بعدما تسبّبت الأزمة الاقتصادية في ارتفاع كبير في تكاليف سيارات الأجرة وكذلك وسائل النقل العام.
بدوره، يتلقّى محمود، البالغ من العمر 56 عاماً، علاجاً لداء السكري في عيادة "أطباء بلا حدود" في عرسال، علماً أنّها تبعد خمسة كيلومترات عن منزله. ويعاني محمود، بحسب ما تنقل المنظمة في تقريرها، كما هي حال مرضى كثيرين في خلال مراجعتهم العيادة بهدف الخضوع لمعاينات طبية والحصول على الأدوية. ويقول: "كنت أعتمد على درّاجتي النارية للوصول إلى العيادة، لكنّ التعليمات الأخيرة تمنعنا من استخدامها، فأضطرّ إلى المشي".
وكثيرون من سكان عرسال، سواء اللبنانيون منهم أو اللاجئون السوريون، فقراء وسط قلّة الخدمات والبنى التحتية في المنطقة، لذا يواجه هؤلاء جميعاً تحديات كبيرة تحول دون حصولهم على الخدمات الأساسية داخل البلدة أو خارجها، بحسب ما تؤكد المنظمة.
وفي هذا الإطار، يقول فرنانديز: "تُرك عدد كبير من الأشخاص الأكثر حاجة من دون وسيلة نقل يعتمدون عليها بعد مصادرة مركباتهم. وقد فاقمت هذه التدابير التحديات التي تواجه الأشخاص الذين يعانون أساساً من محدودية الموارد وحرية التنقّل، الأمر الذي يصعّب حصولهم على الرعاية الطبية الأساسية".
بالنسبة إلى فرنانديز، فإنّه "من غير الممكن لهذا الوضع أن يستمرّ. ولا يجوز تطبيق أيّ إجراء على حساب صحة الناس"، مشدّداً على أنّه "لا بدّ من أن تتمتّع الفئات المهمّشة جميعها بالقدرة نفسها على الوصول إلى الرعاية الصحية في الوقت المناسب، بغضّ النظر عن خلفيّتها أو وضعها".
(العربي الجديد)