أسباب هجرة القصّر من المغرب إلى إسبانيا وتداعياتها

28 سبتمبر 2024
الشرطة المغربية تعتقل مهاجراً بالقرب من الفنيدق، في 15 سبتمبر 2024 (فرانس برس)
+ الخط -

عادت قضية هجرة القصّر من المغرب إلى السطح، بعدما انخرط العديد منهم في محاولة "الهروب الجماعي" مؤخراً إلى إسبانيا. ومنعت قوات الأمن، ما بين 7 و9 سبتمبر/ أيلول الجاري، مئات الشبان ضمنهم قصّر، الاقتراب من السياج الحدودي الفاصل بين مدينة الفنيدق شمالي المملكة وسبتة المحتلة.

ويأتي هذا المنع، في أعقاب دعوات لاقتحام السياج الأمني نحو المدينة التابعة للإدارة الإسبانية في 15 سبتمبر الجاري، وأخرى يوم 30 من الشهر نفسه. ورأى خبير مغربي أن هؤلاء القصّر ليس لهم تصور واضح أو ماذا ينتظرهم هناك؟ مشيرا إلى أنهم "ينحدرون من أسر فقيرة، وأن الظاهرة تعبير عن أزمة أسرة".

بينما رأى حقوقي أن الظاهرة "مرتبطة بعدة عوامل مثل الفقر والهشاشة وظهور عالم افتراضي، يستخدم لتعزيز صور ذهنية جماعية عن (جنة) أوروبا الموعودة، مقابل حالة من السخط عن الوضعية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في المغرب".

هروب جماعي

منع الأمن المغربي ما بين 7 و9 سبتمبر الجاري عبور مئات المهاجرين إلى سبتة، في أعقاب دعوات لاقتحام السياج الأمني نحو المدينة التابعة للإدارة الإسبانية في 15 سبتمبر. وتعتبر محاولة الاقتحام هذه من أكبر العمليات خلال السنوات القليلة الماضية، إذ تضم أعداداً كبيرة من الشباب والقاصرين الراغبين في الهجرة غير النظامية، بالتزامن مع مطالب ضرورة إيجاد حلول "آنية" لهجرة القصر. وأعلنت السلطات المغربية، خلال 19 من سبتمبر الحالي، تقديم 152 شخصاً أمام العدالة، للاشتباه في تحريضهم على تنظيم عمليات هجرة غير نظامية.

وقال المتحدث باسم الحكومة المغربية، مصطفى بايتاس، في ندوة صحافية بالرباط: "للأسف تم تحريض بعض الشباب من طرف جهات غير معروفة، عبر استغلال مواقع التواصل الاجتماعي لتعبئتهم، وفي إطار محاربة دعوات التحريض على الهجرة غير القانونية، تم تقديم 152 شخصاً أمام العدالة". وزاد: "تم إفشال كل المحاولات، وبلغ عدد الأشخاص الذين حاولوا الهجرة غير النظامية ما يناهز 3000 شخص". وتابع: "نأسف لما حدث، وكما يعرف الرأي العام، إشكالية الهجرة ظاهرة حاضرة في مختلف الدول".

ونوّه بايتاس بـ"المهنية التي تعاملت بها القوات العمومية في احترام تام للضوابط القانونية، حيث حرصت أولاً وقبل كل شيء على ضمان سلامة هذه الفئة من الأشخاص، ولم يتم تسجيل أي حالة وفاة في صفوفهم".

هجرة القصّر من المغرب... أسباب ودوافع

وفي خضم استمرار النقاش حول هذه الظاهرة، ظهرت دعوات أخرى لهجرة جماعية يوم 30 سبتمبر. ويحاول أفارقة من دول عديدة، بينها المغرب، الهجرة بطريقة غير نظامية بحثاً عن حياة أفضل في أوروبا، في ظل أزمات اقتصادية ونزاعات مسلحة في بلادهم.

وقال محمد بنعيسى، رئيس مرصد الشمال لحقوق الإنسان (غير حكومي)، إن "جذور ما جرى بمحيط سبتة المحتلة في 15 سبتمبر الماضي يعود إلى عدة عوامل رئيسية". وفي تصريح للأناضول، أوضح بنعيسى أن العامل الأول "مرتبط بأسباب اجتماعية مثل الفقر والهشاشة من جهة وسخط عن الوضعية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في بلادهم، وغياب الثقة بالوطن، وفقدان الأمل في المستقبل من جهة ثانية، وهو ما تعبّر عنه خطابات الشباب والقاصرين الذين هاجروا من مختلف المناطق بناء على دعوة مجهولة عبر شبكات التواصل الاجتماعي من أجل الوصول إلى سبتة".

وأوضح أن العامل الثاني "مرتبط بأسباب جاذبة لهؤلاء الشباب، حيث يوجد الحلم الأوروبي في مخيلتهم، بجانب قصص نجاح الآخرين من عائلاتهم وأبناء حيهم ومعارفهم للمغامرة، بالإضافة إلى الوضعية القانونية للقاصرين بإسبانيا أو سبتة ومليلية التي تمنع إبعادهم أو ترحيلهم من البلاد".

العامل الثالث بحسب بنعيسى، "مرتبط بالسياق، سواء المادي، من خلال استغلال العوامل الطبيعية كانتشار الضباب بمحيط سبتة وانخفاض هيجان البحر مما يضعف المراقبة الأمنية".

مراقبة الأسرة

قال حسن قرنفل أستاذ علم الاجتماع بجامعة شعيب الدكالي (حكومية) بالجديدة (غرب) إن هجرة القصّر من المغرب "تعبير عن أزمة أسرة، خاصة أن العشرات أو مئات الأطفال والقاصرين يقطعون مئات الكيلومترات بغية الهجرة غير النظامية". وفي تصريح للأناضول، اعتبر أن" هناك انفلاتاً على مستوى مراقبة الأسرة"، مضيفاً أنه "في بعض حالات تعمل بعض الأسر الهشة على تحريض أطفالها لذلك، لأنها ترى أن الهجرة هي الملاذ، في ظل أن ما تدعيه بعض مقاطع الفيديو بمنصات التواصل الاجتماعي والتلفزيون أن أوروبا حلم، وتكشف فقط الجوانب المشرقة".

وتابع: "هؤلاء القصر لا يرون إلا الجوانب الإيجابية من الهجرة، ولا يعرفون أن هناك تجارب فاشلة في الهجرة، ومعاناة بالمهجر، فضلاً عن العنصرية وظواهر أخرى...". وبحسب قرنفل، فإن "الرعاية التي يحظى بها القاصرون بأوروبا تغري بعض الآباء بإرسال أطفالهم، وهذا سلوك غير عقلاني لأن ذلك يتم بطريقة غير قانونية، من جهة، ويتعرضون لمجموعة من الأخطار ومحاولة الاستغلال، من جهة ثانية".

وزاد: "من يقدم على هذه المخاطر هم الأطفال المنحدرون من الوسط الفقير جداً، خاصة أن أسرهم فقدت الآمال في عودتهم إلى المدرسة، ويعتقدون واهمين أن الهجرة في الملاذ". وأشار إلى أن هؤلاء القصر ليس لهم تصور واضح أو ماذا ينتظروهم هناك؟ علماً "الهجرة غير النظامية أصبحت المشكل رقم واحد في أوروبا والغرب، خاصة أن الأحزاب هناك متوافقة على ضرورة محاربة هذه الظاهرة".

حلول وبدائل

رأى بنعيسى أن "الحلول الاجتماعية والاقتصادية والتربوية ممكن أن تشكل حلولاً وبدائل لما جرى يوم 15 سبتمبر، إلا أنها تبقى حلولاً ترقيعية... وأن جذور هجرة القصّر من المغرب امتداد لما هو سياسي بالأساس". ولفت الانتباه إلى "التحديات الجديدة التي تطرح على البلاد، من خلال وجود كتلة صامتة جزء منها هؤلاء الشباب والقاصرون المستبعدون من المدرسة والجامعة والعمل والتكوين وهي الكتلة القابلة للانفجار في أية لحظة".

وخلال مايو/ أيار الماضي، قال المجلس الاقتصادي والاجتماعي (رسمي) إن مليون ونصف شاب وشابة تتراوح أعمارهم بين 15 و24 سنة في المغرب عاطلون عن العمل. وقال أحمد رضى الشامي، رئيس المجلس خلال تقديمه للدراسة بالرباط، إن عدد العاطلين بدون عمل ولا تعليم يصل إلى 4.3 ملايين إذا تم اعتماد السن بين 15 و34 سنة، "وهو عدد كبير يطرح إشكالات تتعلق بالإقصاء والشعور بالإحباط، والتفكير في الهجرة، وتهديد التماسك الاجتماعي"، على حد تعبيره.

واستغل الشباب والقاصرين سهولة انتقال المعلومة بمنصات التواصل الاجتماعي، فضلاً عن التنسيق بينهم بخصوص توقيت التجمع بأماكن معينة إلى غير ذلك.

وقال بنعيسى إن المجال الافتراضي مجال عام للتعبير عن المسكوت عنه، وهو مصدر غني لتبادل المعلومات والصعوبات والتحديات التي يمكن أن تواجه أعضاء هذا المجتمع الافتراضي، وسلاح استراتيجي للتخفي والتمويه والتوجبه".

من جهته، اعتبر قرنفل أنه بدون مواكبة الأسرة، فإنه لا يمكن إيجاد حل لهذه الظاهرة. وأوضح أن الأسرة هي المسؤولة بدرجة أولى على هؤلاء القاصرين واحتضانهم وتوجيههم، مضيفاً أنه في "غياب الأسرة عن هذا الدور، فإن جميع الإجراءات الأخرى الاجتماعية لن تكون كافية". ورأى الخبير المغربي أن الأسرة لم تعد تملك وسائل الضبط كما كان سابقاً، مما يوجد صعوبة في تأطير الأطفال ويبقى الشارع هو المؤطر.

(الأناضول)