يستمرّ متحوّر أوميكرون، أحدث متحوّرات فيروس كورونا الجديد، بترهيب العالم، على الرغم من أنّه أقلّ شراسة من سلفه دلتا الذي ما زال يثير القلق بدوره. كلاهما يستهدفان الملايين بصحّتهم، في حين ترد أخبار عن متحوّرات جديدة محتملة.
انشغل متابعو الأزمة الوبائية في العالم، اليوم الثلاثاء، بخبرَين بارزَين مرتبطَين بفيروس كورونا الجديد، أوّلهما من أميركا الشمالية وثانيهما من أوروبا. في الأوّل، كُشف عن أكثر من مليون إصابة بكوفيد-19 في الولايات المتحدة الأميركية، وذلك في حصيلة يومية قياسية عالمية منذ ظهور الفيروس في نهاية عام 2019 في الصين. أمّا في الخبر الثاني، فقد حُكي عن "متحوّر جديد من الفيروس" في فرنسا، إنّما الشكوك حوله كثيرة.
ويأتي ذلك ليذكّر ببدايات الوباء الذي ما إن يسجّل رقماً قياسياً في بقعة ما، حتى يعود ويكسر بنفسه الرقم السابق في أخرى. لكنّ رقم مليون بحدّ ذاته، بغضّ النظر عما إذا كان مرتبطاً بإصابات كورونيّة أم بمعطيات لا تمتّ إلى الفيروس بصلة، يثير رهبة ما في النفوس. كذلك، لا ننسى حينها الأخبار العاجلة حول ظهور بؤرة هنا وأخرى هنا، فيما اليوم صار الأمر يتعلّق بمتحوّر هنا وآخر هناك بعدما تحوّل العالم كلّه إلى ما يشبه بؤرة كونيّة للفيروس. تجدر الإشارة إلى أنّ إجمالي عدد الإصابات بكوفيد-19 يقترب من 300 مليون إصابة، إذ يسجّل نحو 293 مليوناً و200 ألف إصابة، في حين تخطّى إجمالي عدد حالات التعافي 255 مليوناً و500 ألف حالة تعافٍ، أمّا إجمالي عدد الوفيات فنحو خمسة ملايين و500 ألف، بحسب بيانات عدّاد "وورلد ميترز" اليوم الثلاثاء.
وقد أفادت بيانات جامعة "جون هوبكنز" بأنّ الولايات المتحدة الأميركية سجّلت مليوناً و80 ألفاً و211 إصابة جديدة بكوفيد-19 أمس الإثنين، في وقت يتفشى فيه متحوّر أوميكرون؛ أحدث متحوّرات فيروس كورونا الجديد، بوتيرة متسارعة. وأتت الحصيلة القياسية العالمية بعد تضاعف عدد الإصابات في الأسبوع السابق، وتحذير كبير مستشاري مكافحة الأوبئة في البلاد أنتوني فاوتشي من أنّ ثمّة "ارتفاعاً شبه عمودي" في الإصابات بكوفيد-19، علماً أنّه لفت في الوقت نفسه إلى أنّ الموجة قد تبلغ ذروتها بعد أسابيع قليلة فقط. وكانت نسبة الإصابات بالعدوى الفيروسية بواسطة متحوّر أوميكرون الذي يُعَدّ الأكثر قابلية للانتقال حتى تاريخ كتابة هذه الأسطر قد بلغت نحو 59 في المائة من مجموع الإصابات في الولايات المتحدة في الأسبوع المنتهي في 25 ديسمبر/ كانون الأول المنصرم، وفقاً للبيانات الحكومية. ولفت فاوتشي في هذا الإطار إلى أنّ تجربة جنوب أفريقيا، حيث رُصد متحوّر أوميكرون للمرّة الأولى في أواخر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، والتي بلغت ذروتها بسرعة ثمّ تراجعت بالسرعة نفسها تقريباً، تمنح بعض الأمل.
أوميكرون... المتحوّر السائد
وفي سياق متصل، لفتت منظمة الصحة العالمية، اليوم الثلاثاء، إلى معطيات إضافية تبيّن أنّ أعراض أوميكرون أخفّ من أعراض المتحوّرات السابقة. وقال مدير إدارة الحوادث في المنظمة عبدي محمود، في تصريح أمام الصحافيين: "نرى مزيداً ومزيداً من الدراسات التي تشير إلى أنّ أوميكرون يصيب الجزء العلوي من الجهاز التنفسي في الجسم، بخلاف المتحوّرات الأخرى التي تستطيع التسبّب في التهاب رئوي حاد"، مضيفاً أنّ هذه ربّما تكون "أخباراً سارة". لكنّه أوضح أنّ "سرعة انتشار أوميكرون تعني أنّه سوف يكون المتحوّر السائد في بقاع كثيرة في خلال أسابيع، الأمر الذي يشكّل تهديداً في دول لم يحصل عدد كبير من سكانها على لقاحات مضادة لكوفيد-19 حتى الآن". وتتّفق تصريحات المسؤول الأممي بشأن تراجع مخاطر الإصابة بالمرض مع بيانات أخرى تشمل دراسة من جنوب أفريقيا. ورداً على سؤال حول حاجة أوميكرون إلى لقاح خاص، لا سيّما مع البيانات التي تفيد بأنّه يخترق بعضاً من المناعة التي توفّرها اللقاحات اليوم، أجاب محمود بأنّه من السابق لأوانه تحديد ذلك، لكنّه شدّد على أنّ هذا القرار يحتاج إلى تنسيق عالمي ولا يجوز أن يتّخذه القطاع التجاري وحده.
وبالعودة إلى الأرقام، لا سيّما الأصفار الستّة، حذّر الطبيب الإيطالي نينو كارتابيللوتّا من أنّ متحوّر أوميكرون يهدّد بالتسبّب في مليونَي إصابة في البلاد، الأمر الذي سوف يؤدّي حتماً إلى امتلاء المستشفيات بالمرضى. أضاف في حديث إذاعي أنّ "أوميكرون يتسبّب في تزايد هائل للعدوى في البلاد، غير أنّ ثمّة ما هو سار (إلى حدّ ما)، إذ إنّ الزيادة في الإصابات لا تقابلها زيادة موازية في حالات الاستشفاء"، بمعنى أنّ المصابين ليسوا في حالة خطرة. لكنّّه شدّد على أنّه في كلّ الأحوال "نجازف بإغلاق المستشفيات". وأوضح كارتابيللوتّا أنّ "المعطيات غير مشجّعة قطّ، وثمّة عدداً هائلاً من الإصابات لم نشهده من قبل، لدرجة أنّ كثيرين وصفوا أوميكرون بأنّه الأكثر عدوى في تاريخ الفيروسات. والأرقام التي نراها تؤكّد هذا الأمر بوضوح، إذ لدينا نحو 100 ألف حالة يومياً في المتوسط". وعزا كارتابيللوتّا عدم توافق عدد الإصابات مع عدد حالات الاستشفاء إلى "زيادة جرعات اللقاح التعزيزية. لكنّه حتى لو كانت نسبة الاستشفاء واحداً في المائة، فسوف يكون لدينا 20 ألف شخص في المستشفى عند تسجيل مليونَي مصاب. لذا، لا بدّ من أن نحاول الحدّ من انتشار الفيروس الهائل".
متحوّر جديد وخطر؟
وفي الخبر الثاني الذي راح يؤرّق العالم، اليوم الثلاثاء، فإنّ ثمّة متحوّراً من فيروس كورونا الجديد "رُصد" أخيراً في فرنسا، وقد يكون مصدره الكاميرون. لكنّ حتى تاريخ كتابة هذه الأسطر، لم تعلن فرنسا رسمياً عن ظهور أيّ متحوّر جديد على أراضيها، كذلك الأمر بالنسبة إلى منظمة الصحة العالمية التي تُعَدّ هي الجهة المخوّلة بذلك، مع منح كلّ متحوّر اسماً خاصاً به.
وفي ما يشبه البلبلة، ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي، اليوم الثلاثاء، بـ"الاكتشاف" الذي تمّ قبل نحو شهر في مرسيليا، في مستشفى البروفسور الفرنسي المثير للجدال ديدييه راوولت، وذلك لدى شخص كان في الكاميرون. وبحسب هذه المؤسسة الاستشفائية، المعهد الطبي الجامعي للأمراض المعدية (IHU) - مرسيليا، فإنّ فحوصات 12 مصاباً بكوفيد-19 أتت موجبة في ما يتعلّق بمتحوّر "B.1.640.2" التي تفيد الدراسة حوله بأنّه يتضمّن 46 طفرة. يُذكر أنّ الباحثين من مستشفى راوولت أطلقوا على ما أعلنوا اكتشافه اسم "متحوّر IHU".
يُذكر أنّ الإثارة المبتغاة من أيّ خبر يتعلّق بالأزمة الوبائية العالمية التي ترهق العالم منذ أكثر من عامَين، دفعت بعض المواقع إلى الإشارة إلى مئات الإصابات بـ"المتحوّر الجديد والخطر"، مع عناوين في السياق نفسه لا تفعل سوى رفع مستوى القلق بين الناس.
والدراسة التي لم تُنشَر نتائجها بعد والتي يدّعي معدّوها أنّها ما زالت "قيد الدراسة"، تناولها موقع "medRxiv" المتخصص بأبحاث العلوم الصحية غير المنشورة. وبحسب ما يبدو، فإنّ الخبراء يتريّثون في التعليق على ذلك الخبر، لا سيّما أنّ أيّ سلطة علمية عالمية مرجعية لم تُستشَر أو يُطلب رأيها في هذا السياق، بحسب ما لفت موقع "أورونيوز" الإخباري.
عزل مليوني في الصين
من جهة أخرى، فرضت السلطات الصينية على أكثر من مليون شخص عزل أنفسهم في المنازل بمدينة يوتشو الواقعة في مقاطعة خنان وسط البلاد، اليوم الثلاثاء، بعدما سجّلت ثلاث إصابات بكوفيد-19 لدى أشخاص لم تظهر عليهم أيّ أعراض. وتتّبع بكين نهجاً قائماً على "صفر كوفيد" عبر تشديد القيود على الحدود وتطبيق تدابير إغلاق محدّدة مذ ظهر الفيروس على أراضيها وانطلق منها إلى كلّ المعمورة. لكنّ استراتيجيتها هذه تواجه ضغوطاً في ظلّ تفشّي الوباء أخيراً، قبل أقلّ من شهر من موعد استضافتها دورة الألعاب الأولمبية الشتوية. وفي المدينة التي تعدّ نحو 1.17 مليون نسمة، أقيمت في هذا الإطار "حراسة وبوابات" في كلّ التجمّعات السكانية "لتطبيق تدابير منع تفشّي الوباء ومكافحته بشكل صارم". يُذكر أنّ القائمين على المدينة سبق أن أعلنوا وقف خدمات الحافلات وسيارات الأجرة وإغلاق مراكز التسوّق والمتاحف والمواقع السياحية.