يوماً بعد يوم تزداد الأدلة على افتقار استراتيجية حكم "طالبان" في أفغانستان نيات وضع النساء على سكة الحياة عبر السماح لهن بالعمل. وهناك فئة الأرامل اللواتي لا يستطعن الخروج من مآسي الحياة.
ألقت الحرب بظلالها القاتمة على كل نواحي الحياة في أفغانستان، وأثرت على شرائح المجتمع، وفي مقدمتها النساء، خصوصاً الأرامل اللواتي تخطى عددهن الآلاف. وقد خصص المجتمع الدولي مبالغ ضخمة لتحسين حالة المرأة الأفغانية، قبل أن تتدهور حالهن بالكامل إثر انهيار الحكومة السابقة وسيطرة حركة طالبان على العاصمة كابول قبل أربعة أشهر، حيث بات الحصول على لقمة العيش ومقومات الحياة الأساسية من أهم مطالبهن.
تقول أرملة في الـ55 من العمر عرّفت عن نفسها باسم راحله المستعار لدواعٍ أمنية كونها تعمل في القسم الجنائي بجهاز الشرطة، وشاركت في تظاهرة نسائية نظمت نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي في العاصمة كابول لـ"العربي الجديد": "لدي أولاد صغار، ولم أستلم راتبي منذ ستة أشهر، بحجة أن مكتب رئيس الوزراء في طالبان لا يوقع على قرار صرف رواتبنا. أطلب أن يحرك المجتمع الدولي والأمم المتحدة ساكناً في شأن قضايا الأفغان، ويضغط على طالبان كي تسمح للمرأة بالعمل، وتعطيها حقها الشرعي والإنساني".
تضيف المرأة نفسها: "تحرم طالبان مجموعة كبيرة من النساء من العمل والحصول على رواتب ولقمة العيش ومقومات الحياة الأساسية. لذا نطالب بأن يتعامل المجتمع الدولي مع طالبان بتدابير يقابلها منح الحركة الحقوق للنساء، علماً أن طالبان تكرر للعالم والشعب الأفغاني وعدها بإعطاء النساء حقوقهن، لكن الواقع على الأرض يُظهر خلاف ما تقوله".
وتروي الأرملة سميه بي بي لـ"العربي الجديد" أنها فقدت في الـ30 من العمر زوجها خلال معارك اندلعت بين القوات الحكومية و"طالبان"، العام الماضي، وباتت تفتقر الآن إلى أبسط مقومات الحياة، علماً أنها تسكن في منطقة قادس بولاية بادغيس (غرب)، ولديها ثلاث بنات وابن واحد، تعيش معهم في مدينة قلعه نو. وتوضح أنها تعيش في منزل من الطين بلا وسائل تدفئة في موسم البرد القارس الحالي، و"كل ذلك لأن زوجي قتل خلال المعارك مع طالبان في حرب بائسة بين الأشقاء الأفغان، جعلت أولادي يتامى ينتظرون جلب أعمامهم وأخوالهم ما يحتاجونه من طعام وملابس وغيرها. أطالب بأن تعامل طالبان الأرامل بشكل جيد، خصوصاً اللواتي فقدن أزواجهن بسبب الحرب".
وتشكر سميه أقارب زوجها على دعمهم المستمر لأولادها، وتشير إلى أنها لا تريد أن يبقى أولادها بعيدين عن التعليم الذي تعتبره الطريق الوحيد لخروجهم من الحالة التي تحيط بها، وتقول: "ضاعت حياتي، فقد تزوجت في مقتبل عمري، ولم أعرف شيئاً عن الحياة عندما تزوجت، ثم أصبحت أماً في عمر صغير، وفقدت زوجي أيضاً؛ لذا لا أريد أن يكون مصير أولادي مثل مصيري".
أما خالده عبد الرحيم التي فقدت زوجها قبل 8 سنوات حين لم يساعدها أي من أقاربها ما دفعها إلى ترك منزل زوجها في منطقة سيد آباد بولاية ميدان وردك، وجاءت مع أولادها الثمانية إلى كابول حيث تعيش في منزل استأجرته بمنطقة كمبني، فتقول لـ"العرب الجديد" أخرج في الصباح للعمل في منازل الناس حتى المساء، كما يعمل ابني الكبير في بقالة قريبة من المنزل. وعلى هذه الحال تسير الأمور في منزل أسرتي الفقيرة".
تضيف خالده: "لم ينضم زوجي إلى جهاز الشرطة، كما لم يقاتل في صفوف طالبان، بل كان رجلاً عادياً يعمل في حقوله ولصالح ناس آخرين. فجأة ومن دون أن نعرف السبب جاء مسلحون إلى المنزل، وأطلقوا وابلاً من الرصاص عليه، وأردوه قتيلاً. وقد بقيت فترة في المنزل، ثم انتقلت إلى كابول بعدما لم يستطع أي من أقاربي وأقارب زوجي مساعدتي كونهم جميعهم مزارعين فقراء لا يستطيعون أن يساعدونا". وتذكر خالده أن أصحاب منازل عملت فيها ساعدت عائلتها بأشياء كثيرة من طعام ومشرب، لكن التغيرات الأخيرة جعلت هذه العائلات لا تقدم مساعداتها المعهودة. وتوضح أن همّها الأكبر أن يدرس أولادها، لكن لا مؤشر لذلك حالياً.
في سياق متصل، تصف ناشطة أفغانية عملت سابقاً في وزارة الشؤون الدينية وأُقيلت من وظيفتها بعد سيطرة حركة طالبان على كابول، الوضع بأنّه "مأساوي جداً في ما يتعلق بجميع النساء، خصوصاً الأرامل من الفئة الفقيرة اللواتي يحتجن إلى عناية فائقة، وهو ما لا نتوقعه في الوقت الراهن كذلك من حكومة طالبان".