أبطال الدفاع المدني السوري: مهمتنا إنقاذ الأرواح

15 فبراير 2023
يواصل عناصر الدفاع المدني العمل بلا كلل (عامر السيد علي)
+ الخط -

"نسينا الخوف، وتجاهلنا الهزات الارتدادية لنخرج الناس من تحت الأنقاض"، هكذا يعبر المتطوع في الدفاع المدني السوري، زاهر السلمو، عن شعوره عند بدء العمل بعد وقوع الزلزال المدمر الذي ضرب الجنوب التركي والشمال السوري.
يخبر السلمو "العربي الجديد": "كنا نشعر للحظات بالعجز عندما ينادينا شخص من تحت الأنقاض ليطالبنا بإنقاذه. كانت الألفاظ نفسها تتكرر: كرمال الله لا تتركني، طالعني. نخشى انهيار الأنقاض بسبب الهزات الارتدادية، لكن لهفتنا لإنقاذ روح تجبرنا على البقاء حتى إخراج الشخص بسلام، وإعادته إلى أهله سالماً. إخراج عالقين أحياء شعور لا يوصف".
ويقول زميله رامي سويد (30 سنة) وهو متطوع منذ خمسة أعوام في الدفاع المدني: "هناك إصرار وتضحيات في مناطق العمل رغم المصاعب. العمل يظل مجدياً طالما أن هناك أنفاساً تحت الأنقاض، وقد أنقذنا أناساً في الساعات الأولى، وفي أيام لاحقة. بسبب القصف الذي تعرضنا له من قبل روسيا والنظام، أصبحت لدينا خبرة في الإنقاذ، وقد انتشلنا سابقاً كثيراً من الضحايا، وبعضهم مزق القصف أجسادهم، لكن حجم الأهوال بسبب الزلزال كبير جداً، وهو يفوق طاقاتنا وإمكانياتنا وقدراتنا. نبذل كل ما لدينا من جهد، وندعو الله ألا نكون قصّرنا بحق أي شخص، ونعتذر لمن لم نستطع إنقاذهم، فالكارثة كبيرة، وتعجز عنها دول".
يضيف سويد: "الزلزال لا يشبه أي شيء جربناه سابقاً، عملنا كثيراً في إنقاذ ضحايا القصف في السابق، لكن الدمار الذي خلفه الزلزال كبير، ونعجز عن وصفه. وسائل التخفيف المتوفرة هي نوبات التبديل، والكلام المحفز بين بعضنا. عادة ما نردد عبارات مثل شدّوا الهمة يا شباب، وإن شاء الله سننقذه، أو هناك مكان ثان يجب أن ننتقل إليه، أو هناك أهالٍ بانتظار رؤية أولادهم".
تطوع عبد الرزاق أصلان قبل 9 سنوات، ويقول لـ"العربي الجديد": "انتشلنا خلال عملنا العديد من الضحايا، ولم نكن نشعر بالعجز، وقدّمنا كل ما نستطيع من دعم، وخلال عملنا، مرّت علينا لحظات صعبة، خصوصاً فترات الحديث مع الأشخاص العالقين تحت الأنقاض، وكنا ندعم بعضنا نفسياً بتكرار أن كل عالق سنخرجه على قيد الحياة، وقدمنا كل ما نملك لإخراج أكبر عدد من العالقين، فالتجارب السابقة خلال القصف أكسبتنا الخبرة، لكن حينها كان النظام وروسيا يقصفون حياً أو عدة منازل، بينما الوضع الحالي كارثي".

بدوره، يوضح المتطوع حسام عز الدين، لـ"العربي الجديد": "في الساعة الرابعة والنصف صباحاً، عندما علمنا بوقوع الزلزال، رأينا الناس في الشوارع، وبدأت البنايات تنهار، وكنا نسمع صرخات الأطفال والنساء. كان المنظر مؤلماً جداً، لكننا كنا نركز على العمل. في أول منزل بدأنا العمل فيه، أنقذنا 7 أشخاص، أولهم طفل لم نعرف أهله، ونقلناه في سيارة الإسعاف، ثم بدأنا البحث عن أحياء بين الأنقاض، وخلال العمل، أتاني أحد الأشخاص يخبرني أن أباه وأمه على قيد الحياة تحت الأنقاض، قلت له إني قادم لإنقاذهم، لم أكن وقتها قادراً على ترك النقطة التي أعمل فيها، وكان فيها أحياء أحاول إخراجهم".
يقول المتطوع عمر إبراهيم، لـ"العربي الجديد"، إنه كان مستيقظاً حين وقوع الزلزال بعد نوبة عمل روتينية استمرت حتى الواحدة صباحاً: "عند حدوث الهزة، سمعنا صرخات الأطفال والنساء، فالبناء المقابل انهار، اتجهت مع أفراد الزمرة المناوبة إلى البناء المنهار. كان المطر غزيراً والأوحال تطوق البناء، كان هناك شاب وفتاة وأمهما على السطح، وكان المنظر مرعباً، عمري 31 سنة، لكني لم أشاهد منظر كهذا سابقاً. المرأة العالقة أخرجها زوجها من بين الركام، وخلال الهزة الثانية تمايلت بناية قريبة، ثم سقطت، وبدأنا نسمع الصراخ مجدداً، فتوجهت مع زميلي مصطفى إليها بعد إخراج العائلة من البناية الأولى".

عناصر من الدفاع المدني خلال استراحة قصيرة (عامر السيد علي)
عناصر من الدفاع المدني خلال استراحة قصيرة (عامر السيد علي)

للغة دور مهم في طمأنة العالقين تحت الأنقاض، ومنحهم أملاً في الخروج سالمين. يروي المتطوع من قرية ميدانكي في عفرين، عبد القادر عبد الرحمن، لـ"العربي الجديد": "عمري 35 سنة، وتطوعت قبل 7 أشهر في الدفاع المدني، وكنت في السابق أعمل فنيَّ صيدلة، ما دفعني إلى التطوع لمساعدة الأبرياء. خلال عملنا في جنديرس، وصل إلينا خبر عن وجود عائلة تحت الأنقاض، فأخرجنا المعدات، وحاول الحارس إبعاد المدنيين. بحثنا عن أسرع طريقة إنقاذ، وبدأنا العمل. سمعت نداءات باللغة الكردية، وأنا أتكلم اللغة، فكنت أقول لهم إننا معهم، وسنساعدهم، وأطلب منهم ألا يخافوا".

يتابع عبد الرحمن: "عندما تكلمت معهم بالكردية، شعروا بنوع من الراحة، وزادت رغبتهم في النجاة، وتمسكهم بالحياة. لا نعرف العجز في الدفاع المدني، ونحن جاهزون دائماً لإزالته عن أي شخص بحاجة للإنقاذ. نعمل بأي طريقة، حتى إننا نحفر بأيدينا أحياناً للوصول إلى الأشخاص تحت الأنقاض، وخلال العمل في البناء المنكوب، نحاول أن نخفف عن بعضنا". ويضيف: "لا أنسى الطفل الذي كنت أحاول طمأنته بأنني سأخرجه، بينما يرد قائلا: أخرجني. أريد أن أعود إلى المدرسة. العمل وقت الكوارث خطير، ففي الحروب تكون الطائرات فوقنا، ويكون الوقت محدوداً لإنقاذ العالقين، وقد نتعرض للقصف، لكن في الكارثة الحالية، لم تكن لدينا ذرة خوف".
تطوع سمير السليم (48 سنة) في الدفاع المدني منذ عام 2013، ويقول لـ"العربي الجديد": "لبينا نداء الاستجابة فور وقوع الزلزال، وعند الوصول، كان هناك أطفال في الشوارع، وأناس تحت الأنقاض يرجون إخراجهم. نعمل كجسد واحد، وهدفنا واحد على كامل المساحة الجغرافية التي نعمل فيها. الدمار كبير، والمصابون في كل مكان، لكننا عملنا بكل طاقتنا لإنقاذ أكبر عدد ممكن من الأحياء".

المساهمون