مع بدء سريان الهدنة الإنسانية المؤقتة في قطاع غزة، صباح اليوم الجمعة، راح آلاف النازحين الفلسطينيين يتوجّهون إلى أحيائهم ومنازلهم من أجل تفقدّها، وكذلك من أجل الاطمئنان على أحوال عائلاتهم المشتتة.
وكان الفلسطينيون، طوال الأيام الماضية من الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، قد واجهوا صعوبات كبيرة في ما يخصّ التواصل مع أفراد عائلاتهم بسبب ضعف الاتصالات وصعوبة الحركة، خصوصاً بين المدن والمناطق الحدودية والقريبة من محاور التوغّل الإسرائيلي البرّي.
وفي حين يستطيع النازحون في شمال قطاع غزة تفقّد منازلهم في تلك المنطقة، فإنّ من الصعب على الذين نزحوا جنوباً التوجّه إلى مناطق الشمال.
يأتي ذلك وسط تحذيرات وجّهتها قوات الاحتلال الإسرائيلي، صباح اليوم الجمعة، إلى النازحين الفلسطينيين في جنوب القطاع من التوجّه إلى مدينة غزة وشمالي القطاع عموماً.
وجاء في مناشير ألقتها طائرات الاحتلال فوق المناطق الجنوبية من القطاع: "إلى سكان قطاع غزة، الحرب لم تنتهِ بعد. الوقفة الإنسانية مؤقتة ومنطقة شمال قطاع غزة هي منطقة حرب خطرة وممنوع التجوّل فيها".
أضافت المناشير: "عليكم أن تبقوا في المنطقة الإنسانية في جنوب القطاع وعدم التوجّه إلى الشمال".
وإذ لفتت المناشير نفسها إلى أنّ التنقل متاح فقط "من الشمال إلى الجنوب عبر طريق صلاح الدين"، شدّدت على أنّ "الرجوع إلى الشمال ممنوع وخطر. مصيركم ومصير عائلاتكم بأيديكم".
وقد أُلقيت هذه المناشير الإسرائيلية بعد دعوات فلسطينية شعبية للعودة إلى الشمال عند الساعة الواحدة من بعد ظهر اليوم الجمعة.
يُذكر أنّ اتفاق الهدنة الإنسانية يتضمّن إطلاق 50 أسيراً إسرائيلياً من غزة في مقابل الإفراج عن 150 فلسطينياً من السجون الإسرائيلية، إلى جانب إدخال مئات الشاحنات المحمّلة بالمساعدات الإنسانية والإغاثية والطبية والوقود إلى كلّ مناطق القطاع.
ويأتي ذلك في اليوم التاسع والأربعين من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، التي خلّفت 14 ألفاً و854 شهيداً فلسطينياً، من بينهم ستة آلاف و150 طفلاً وأكثر من أربعة آلاف امرأة، إلى جانب أكثر من 36 ألف مصاب، علماً أنّ نحو 75% منهم أطفال ونساء، بحسب البيانات الأخيرة للمكتب الإعلامي الحكومي في غزة.
وأمس الخميس، كان نازحون فلسطينيون في مدينة خانيونس، جنوبي قطاع غزة، قد عبّروا لوكالة الأناضول عن تطلّعهم إلى بدء الهدنة الإنسانية على الرغم من أنّ آمال العودة إلى منازلهم تبدو مؤجلة.
وهؤلاء الذين نزحوا من المناطق الشمالية في القطاع، من بينها مدينة غزة، كانوا يرغبون في العودة إلى منازلهم التي هُجّروا منها تحت وطأة القصف الإسرائيلي المكثّف، غير أنّ الاتفاق لا يشمل ضمان الحركة من الجنوب إلى الشمال، وبالتالي لن يتمكّن الفلسطينيون الذين اضطروا إلى ترك منازلهم في الشمال من العودة إليها.
يُذكر أنّ الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة تسبّبت في نزوح نحو 1.7 مليون شخص من أصل 2.3 مليون فلسطيني في غزة، بحسب البيانات الأخيرة لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).
بالنسبة إلى سلامة العوضي الذي نزح من مدينة غزة إلى خانيونس، فإنّ "هذه التهدئة فرصة لوقف إراقة الدماء في القطاع، وإن كانت لا تلبّي طموحات الشعب الفلسطيني"، لكنّه شدّد في حديث لوكالة الأناضول على أنّ "الأمر الأساسي الآن هو وقف إراقة الدم في غزة، حيث المجازر تُرتكَب في كلّ دقيقة".
وأشار العوضي إلى أنّه "كان من المفترض أن أعود إلى منزلي في مدينة غزة، لعلّني أعثر على بعض الأثاث، لكنّ النازحين إلى الجنوب ممنوعون من العودة إلى الشمال، وهذا أمر محزن".
ويأتي كلام العوضي لسان حال كثيرين كانوا يترقّبون هذه الهدنة بفارغ الصبر ظنّاً منهم أنّهم سوف يتمكّنون من العودة إلى الشمال، أقلّه من أجل الاطمئنان على أحوال الذين بقيوا هناك وكذلك على ممتلكاتهم وأرزاقهم. لكنّ الأمر أتى بخلاف توقّعاتهم وآمالهم.
(الأناضول، العربي الجديد)