آلاف النازحين السودانيين في مدرسة عند حدود مصر: الانتظار الطويل

22 سبتمبر 2023
هرباً من جحيم الحرب.. سودانيون عالقون في مدرسة على الحدود مع مصر
+ الخط -

في فناء رملي لمدرسة تحوّلت إلى مركز إيواء للنازحين في شمال السودان، يلعب أطفال بالكرة. من حولهم، ينتظر عشرات الأشخاص المنهكين الفارين من الحرب، منذ أشهر، تأشيرة دخول إلى مصر، فهؤلاء النازحون لا يستطيعون القيام بأيّ شيء آخر في مدينة وادي حلفا التي تبعد 20 كيلومتراً عن الحدود المصرية.

ووسط الأزمة الإنسانية المتفاقمة في البلاد، ينتظر في وادي حلفا نحو 25 ألف نازح سوداني، بحسب تقديرات ناشطين، على أمل السماح لهم بدخول مصر، هرباً من الحرب التي اندلعت بالسودان في 15 إبريل/ نيسان الماضي ما بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي).

من بين مليون سوداني لجأوا إلى الدول المجاورة، تمكّن 310 آلاف من دخول مصر. لكنّ آلافاً آخرين ما زالوا ينتظرون عند الحدود.

يقول عارف الزبير، وهو مهندس معماري فرّ إلى وادي حلفا في الشهر الأوّل من الحرب: "فقدتُ جواز سفري وما زلت في انتظار الحصول على جواز جديد منذ منتصف مايو/ أيار". وينام الرجل البالغ من العمر 36 عاماً على فرشة رفيعة وُضعت على الأرض في قاعة كانت غرفة صفّ سابقاً.

ويضيف الزبير: "أرسلت أسرتي إلى القاهرة عندما كان الأمر لا يزال سهلاً". وفي بداية الحرب، كان الرجال الذين تقلّ أعمارهم عن 50 عاماً يحتاجون إلى تأشيرة لدخول مصر، وكان في إمكان النساء والأطفال العبور من دون تأشيرة. لكنّ السلطات المصرية شدّدت الشروط بعد ذلك للحدّ من تدفّق اللاجئين.

الصورة
نازحون سودانيون في مدرسة في وادي حلفا 2 (أشرف شاذلي/ فرانس برس)
يرفّه الأطفال عن أنفسهم باللعب في فناء المدرسة التي تحوّلت إلى مركز إيواء لهم بعد تهجيرهم (أشرف شاذلي/ فرانس برس)

من جهته، يقول عدي محمد، منسّق في واحدة من المجموعات التي تطوّعت لتنظيم حياة النازحين في وادي حلفا، إنّ "وفقاً لأحدث الأرقام، يقيم 8150 نازحاً في 53 مركز إيواء في المدينة". وإنّ "أكثر من 15 ألفاً يقيمون لدى عائلات من أهل أو سكان المدينة أو يستأجرون شققاً".

وتفيد منظمة "هيومن رايتس ووتش" بأنّ القواعد الصارمة التي وضعتها مصر لمنح التأشيرات، والبطء في تسليمها يشكّلان "انتهاكاً للمعايير الدولية، إذ تُفرَض فترة انتظار غير معقولة، الأمر الذي يعرّض طالبي اللجوء للخطر".

ويشير محمد إلى أنّه "بالإضافة إلى مشكلتهم الرئيسية، وهي الحصول على تأشيرة أو تجديد جواز السفر"، يعاني النازحون في وادي حلفا من "نقص في الغذاء والدواء والرعاية الصحية وأماكن السكن".

ويتأخّر وصول السلع الأساسية إلى المدينة. وفي أغسطس/ آب الماضي، أشارت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى أنّ طوابير طويلة من مئات الشاحنات المحمّلة بالمواد الغذائية ومنتجات الصحة العامة تنتظر عند الحدود المصرية، حيث تواجه مشكلات إدارية تؤخّر عبورها إلى الجانب السوداني حيث يقيم النازحون.

الصورة
نازحون سودانيون في مدرسة في وادي حلفا 3 (أشرف شاذلي/ فرانس برس)
لا يجدون أمامهم إلا انتظار ما سوف يكون (أشرف شاذلي/ فرانس برس)

وعندما غادرت العائلات السودانية الخرطوم تحت القصف، لم يكن معها إلا مبالغ مالية محدودة كانت تحتفظ بها في منازلها، وقد نفدت بسرعة. وفي الوقت الراهن، صارت العائلات في وادي حلفا تعتمد على التكافل فيما بينها، وعلى المساعدات الإنسانية القليلة التي تصل إليها.

وعلى الرغم من وجودهم على بعد نحو ألف كيلومتر من الخرطوم، فإنّ السودانيين هنا منشغلون بالحرب الدائرة هناك.

وتتابع سهام صالح، وهي صحافية، الأوضاع من خلال شبكات التواصل الاجتماعي على هاتفها المحمول. وتقول لوكالة فرانس برس إنّ "مغادرة الخرطوم كانت قراراً بالغ الصعوبة، خصوصاً بالنسبة إلينا كصحافيين، لكنّ الأوضاع كانت خطرة جداً".

ويتبادل الطرفان المتحاربان الاتهامات باستهداف صحافيين ووسائل إعلام. وقد اضطرّ صحافيون كثر إلى الفرار، ومن بقي منهم يعمل في السرّ.

ومثل سهام صالح (45 عاماً)، نزح أكثر من أربعة ملايين سوداني إلى المناطق التي لم تصل إليها المعارك، غير أنّهم يعيشون في ظروف صعبة جداً.

فقد أدّت الحرب إلى تدهور البنى التحتية وإقفال 80 في المائة من مستشفيات البلاد ودفعت ملايين الأشخاص إلى "حافة المجاعة"، بحسب الأمم المتحدة. وأوقعت الحرب منذ اندلاعها 7500 قتيل على أقلّ تقدير، وفقاً لتقديرات منظمة غير حكومية معنية بإحصاء ضحايا الحروب.

وتشير صالح إلى أنّ "الناس يخاطرون بحياتهم، ومن الممكن أن يُستهدَفوا أو يُعتقَلوا في أيّ لحظة. لهذا يقرّرون الرحيل على أمل إيجاد مكان، يكون آمناً ربّما".

من جهته، يخبر حزيفة يوسف (26 عاماً) أنّه كان ينوي السفر إلى خارج السودان لمتابعة دراسة الماجستير، لكنّه اضطرّ بسبب الحرب إلى النزوح مع عائلته إلى الولاية الشمالية.

ويعمل حزيفة حالياً في موسم حصاد البلح في إحدى المزارع لتلبية احتياجاته، في مقابل أجر زهيد، في حين يتخوّف عدد من المزارعين من انخفاض أسعار البلح في الولاية الشمالية بسبب الحرب. ويوضح المزارعون أنّ كبرى أسواق البلح تقع في مدينة أم درمان، في ولاية الخرطوم، ومنها يُصار التوزيع إلى الولايات الأخرى، خصوصاً دارفور وشرق السودان.

الصورة
نازحون سودانيون في مدرسة في وادي حلفا 4 (أشرف شاذلي/ فرانس برس)
نحو 5.3 ملايين شخص فرّوا من منازلهم في السودان (أشرف شاذلي/ فرانس برس)

الأمم المتحدة: 117 ألف نازح سوداني في أسبوع

في سياق متصل، أعلن مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية "أوتشا"، اليوم الجمعة، نزوح أكثر من 114 ألف شخص خلال الأسبوع الماضي في السودان.

وأفاد في تقرير تناول مستجدات الحالة الإنسانية في السودان، بأنّ نحو 5.3 ملايين شخص فرّوا من منازلهم، إلى مناطق في داخل البلاد أو إلى دول مجاورة، مع استمرار القتال.

وأضاف المكتب الأممي للشؤون الإنسانية أنّ "في داخل السودان، نزح أكثر من 4.2 ملايين شخص إلى 3.929 موقعاً في كلّ الولايات (18 ولاية)". وتابع أنّ ذلك يشمل "نحو 114 ألفاً و700 شخص نزحوا في الأسبوع الماضي وحده".

وذكر أن "أكثر من مليون شخص عبروا إلى البلدان المجاورة، بما في ذلك مصر وإثيوبيا وتشاد وجنوب السودان وأفريقيا الوسطى".

وفي سياق متصل، أشار المكتب الأممي للشؤون الإنسانية إلى أنّ "النداء الإنساني الذي تقوده الأمم المتحدة يعاني من نقص التمويل"، فهو "لا يتجاوز نحو 31 في المائة من المطلوب". وكانت الأمم المتحدة ووكالاتها الإنسانية قد أطلقت، في 17 مايو/ أيار الماضي، نداءً لتوفير نحو 2.6 مليار دولار أميركي، من أجل تمويل خطة الاستجابة للأزمة الإنسانية في السودان.

(فرانس برس، الأناضول)

ذات صلة

الصورة

سياسة

اقتحم عناصر من قوات الدعم السريع عدداً من منازل المدنيين في ولاية الجزيرة بشرق السودان أواخر الشهر الماضي، ونفذوا انتهاكات كبيرة بحق السكان.
الصورة
أنشطة ترفيهية للأطفال النازحين إلى طرابلس (العربي الجديد)

مجتمع

أطلقت منظمات وجمعيات أهلية في مدينة طرابلس اللبنانية مبادرات للتعاطي مع تبعات موجة النزوح الكبيرة التي شهدتها المدينة خلال الفترة الأخيرة.
الصورة
تخشى النساء على أجنتهن ومواليدهن الجدد (كارل كورت/ Getty)

مجتمع

تواجه النساء الحوامل النازحات إلى مراكز الإيواء المختلفة في لبنان خوفاً كبيراً في ظل غياب الفحوصات الدورية والاستشارات الطبية، ويقلقن على صحتهن وصحة أجنتهن.
الصورة
تشتت العائلات جراء القصف (أنور عمرو/ فرانس برس)

مجتمع

حتى لو وجد النازحون في البقاع مراكز إيواء آمنة نسبياً حتى اللحظة، إلا أنهم يواجهون فوضى ونقصاً في بعض الأساسيات، خصوصاً الأدوية، ويخشون البرد