"طالبان" تبعد القضاة: شركاء خندق الحرب

28 مارس 2022
يراجع قاضياً عينته "طالبان" (ماركوس يام/ Getty)
+ الخط -

مع استعادة حركة "طالبان" زمام الحكم في أفغانستان الصيف الماضي، أصبحت شريحة كبيرة من المتعلمين والمثقفين بلا عمل. هرب بعضهم إلى دول مختلفة، وآخرون إلى مواقع أخرى في الداخل في انتظار أن تتوفر لهم فرصة الخروج أو تغيير الحركة سياساتها. لكن مع مرور الوقت وحجب رواتبهم وابتعادهم عن العمل، يرفع بعضهم الصوت حول أوضاعهم وسط الضغوط المتزايدة للحركة.
يواجه القضاة الأفغان السابقون مصيراً مجهولاً حالياً، بعدما عزلتهم حكومة "طالبان" من مناصبهم، وعيّنت عناصرها وقياداتها بدلاً منهم، ما جعلهم بلا وظائف. ويطالب هؤلاء حكومة "طالبان" بإعادة توظيفهم، أو دفع رواتبهم عن الأشهر السابقة، بينما توحي تصريحات مسؤولي الحركة بأن حكومتها لا تتحمل أي مسؤولية تجاه قضاة حكومة سابقة تواجدوا في خندق الحرب ضدها لمدة أكثر من عقدين.
في مرحلة أولى، أصدرت حكومة "طالبان" عفواً عاماً عن جميع المسؤولين والموظفين في الحكومة السابقة، ما شكل موضع ترحيب كبير من كُثر كانوا يتوقعون أن تعاملهم الحركة بطريقة سيئة تكرر ما حصل في تسعينيات القرن العشرين. لكن مع مرور الأيام، حرمت الحركة شرائح كبيرة من هؤلاء المسؤولين والموظفين من العمل والحصول على رواتب، ما أربك حياتهم إلى حدّ كبير، وجعل بعضهم يتركون البلاد، ويصفون تعامل "طالبان" معهم بأنه "انتقام غير مباشر".
يقول القاضي السابق في محكمة مكافحة المخدرات بالعاصمة كابول محمد فياض الذي غادر البلاد إلى بلد مجاور رفض كشفه، عبر الهاتف لـ"العربي الجديد": "انتظرت أسابيع في كابول كي تدعوني طالبان مع زملائي إلى العمل مجدداً، لكن قرارات صدرت بإقالتنا وتعيين علماء دين من الحركة بدلاً منا، ولم تدفع لنا حكومتها أي رواتب فخرجنا صفر اليدين من مكاتبنا، رغم أننا نواجه تهديدات أمنية من مهربي مخدرات الذين يملكون نفوداً وقوة لا يستهان بهما، فقررت شخصياً الهروب من دون أن أعلم أين أذهب".

وفي 20 مارس/ آذار الجاري، تحدث قضاة عقدوا مؤتمراً صحافياً في العاصمة كابول، عن معاناتهم مع أهاليهم بعد قرار حرمانهم من العمل وعدم دفع رواتب الأشهر الماضية، وتوقعهم حرمانهم أيضاً من رواتب التقاعد. وهم طالبوا حكومة "طالبان" بأن تسمح لهم بالعمل لمدة ستة أشهر فقط، وتدفع لهم رواتب الأشهر الماضية، وتوافق على حصولهم على رواتب التقاعد، لكن سلطات الحركة لم تحرك ساكناً في شأن هذه المطالب.

وقال القاضي في المحكمة العليا محمد يعقوب في المؤتمر الصحافي: "أقيل 2500 قاض يحمل جميعهم شهادات ماجستير ودكتوراه، ويملكون خبرات طويلة في الممارسة، وهم يعرضون اليوم حلاً وسطاً لطالبان يشمل أن يعملوا لمدة ستة أشهر، ويحصلوا على رواتبهم الخاصة بالأشهر السابقة ومرتبات التقاعد التي تشكل حصيلة حياتهم وعملهم ودراستهم، علماً أن كل كبار السن يحصلون على رواتب تقاعد في أفغانستان، وهي أصلاً حق لأولادهم جرى حسمه من رواتبهم الشهرية السابقة كي يدفع لهم حين يتقدمون في السن، أو لزوجاتهم وأولادهم إذا توفوا".
وأوردت رسالة سلمها القضاة إلى حكومة طالبان بعد المؤتمر الصحافي: "طالبت حكومة طالبان الكادر العلمي بالعودة إلى البلاد واستئناف العمل لخدمة البلاد، لذا ينتظر 2500 قاضٍ يتواجدون في أفغانستان العودة إلى مكاتبهم ووظائفهم باعتباره حقا شرعيا وقانونيا لهم، والبلاد تحتاج إليهم".
وفيما تحدثت "طالبان" سابقاً عن مواجهة قضاة سابقين تهماً بالفساد، طالب القضاة في الرسالة حكومة الحركة بأن تحقق في هذه التهم، و"إذا ثبتت مصداقيتها يمكن محاكمة هؤلاء القضاة. لكن إقالة الجميع واتهامهم بالفساد بلا أدلة ولا محاكمة إجراء غير مناسب، ويخالف الشريعة الإسلامية والقوانين والأعراف الأفغانية".

وأكدت الرسالة أن "معظم القضاة يواجهون تهديدات أمنية تجعل حياتهم في خطر، كونهم عملوا في مؤسسة حساسة على مرّ السنوات، لذا يجب أن توفر حكومة طالبان الأمن لهم إلى جانب العمل، وفي حال عدم الاستجابة لمطالبهم قد يضطر هؤلاء القضاة إلى ترك البلاد، كما فعل آخرون كُثر".
ويرد رئيس قسم الإعلام في المحكمة العليا الملا عبد البصير مشعل في حديثه لـ"العربي الجديد" بالقول: "نعرف أن قضاة كُثراً عينتهم الحكومة السابقة على أساس الرشى والفساد المالي، وأن بعضهم متورطون بالفساد. وحكومة طالبان تحقق في قضاياهم كي تمنع عودة ضالعين في الفساد إلى العمل، ويحتاج ذلك إلى فترة زمنية". لكن عبد البصير لم يشر إلى احتمال عودة هؤلاء القضاة إلى العمل مجدداً، علماً أن الحركة تريد تعيين علماء الدين الذين يشكلون معظم قياداتها في المحاكم بدلاً ممن درسوا القانون في الجامعات.

المساهمون