"حراك جرادة" في المغرب يحقّق فوزاً

05 أكتوبر 2021
من احتجاجات عام 2018 في جرادة (فاضل سنّا/ فرانس برس)
+ الخط -

 

في مدينة جرادة الواقعة شرقي المغرب، تمكّن ناشطون خاضوا تحرّكات احتجاجبة فيها قبل أعوام قليلة من تحقيق فوز في الانتخابات الأخيرة. وهو ما عدّوه إنجازاً وفرصة للتغيير.

"اخترنا المشاركة في الانتخابات من أجل التغيير والوصول إلى تدبير الشأن العام للمدينة (جرادة) والإصلاح التدريجي لعدد من الملفات التنموية بالمدينة". بهذه الكلمات يلخّص الناشط المغربي السابق في "حراك جرادة" سعيد مرزوكي حكاية 27 شاباً وشابة آمنوا بصناديق الاقتراع لتحقيق التغيير المنشود، بعدما كانوا قد فشلوا في ذلك حينما قادوا تحركات احتجاجية في مدينة جرادة شرقي البلاد في عامَي 2017 و2018 من أجل المطالبة بتوفير فرص عمل لشباب المنطقة وبخلق بديل اقتصادي وبإنماء المدينة.

يضيف مرزوكي الذي انتُخب عضواً في بلدية جرادة بعد عملية الاقتراع التي جرت في الثامن من سبتمبر/ أيلول الماضي، لـ"العربي الجديد" أنّ "شباب المدينة كانوا يطمحون إلى التغيير وتسيير شؤونها، والقطع مع الوجوه القديمة التي كانت تعوّل على العزوف عن المشاركة في الانتخابات للوصول بسهولة إلى المجالس المنتخبة. لذا خضنا معركة الثامن من سبتمبر من أجل تغيير الواقع الحالي، ومواجهة وجوه الفساد، وإرساء مرحلة جديدة من العمل المشترك، والتدبير التشاركي لشؤون السكان". 

وعلى الرغم من افتقار مرزوكي ورفاقه الناشطين إلى تجربة سياسية، فإنّ طموحهم بالدفاع عن المطالب التي رُفعت في أثناء الاحتجاجات التي شهدتها المدينة قبل أربعة أعوام وإيمانهم بتحقيق التغيير المنشود من داخل المؤسسات، دفعاهم إلى خوض غمار الانتخابات البلدية بألوان حزب "التقدم والاشتراكية" اليساري المعارض. وقد تمكنوا في النهاية من تحقيق اكتساح جعلهم يتولون مسؤولية محلية لستة أعوام مقبلة، بعدما تمكنّوا من الظفر بـ27 مقعداً من أصل 30.

ويقول مرزوكي إنّ "الترشّح للانتخابات أتى بموافقة السكان، إذ نظّم ناشطو حراك جرادة لقاءات في مختلف أحياء المدينة، نوقشت من خلالها الفكرة من أجل تحقيق التغيير الذي كان من أبرز مطالب الحراك"، لافتاً إلى أنّ "السكان أيّدوا الفكرة لأنّهم يريدون وجوهاً جديدة وشباباً غيورين على منطقتهم ووطنهم، وهو ما تُرجم في النهاية بالوصول إلى المجلس البلدي". 

ويرى مرزوكي أنّ مهمة شباب "حراك جرادة" في تدبير الشأن المحلي لن تكون سهلة، إذ إنّ ما تحتاجه المدينة من مشاريع تنموية واقتصادية وثقافية واجتماعية يتطلّب موارد مالية ضخمة، مشدداً على "حاجة إلى أن تكون السلطة على قدر المسؤولية وأن تكون مسهّلة لعملنا لا معرقلة. كذلك نحتاج إلى أن تنال مدينة جرادة نصيبها من الوعود التنموية التي أُطلقت إبان التحركات الاحتجاجية وبعدها".

وكان "حراك جرادة" قد انطلق في ديسمبر/ كانون الأول من عام 2017، بعد وفاة شقيقَين كانا يعملان في واحدة من آبار الفحم العشوائية التي تشتهر بها مدينة جرادة، إذ امتلأت بئرهما بالمياه وغرقا. كذلك توفي شخص ثالث ثمّ رابع بعد أسابيع، وهما يستخرجان الفحم من تلك الآبار. واحتجّ ناشطون مغاربة على مقتل هؤلاء، مندّدين بعملهم في ظروف سيئة جداً. وقد خرجت من التحركات الاحتجاجية التي قامت، مطالب اجتماعية واقتصادية بتنمية المدينة وتوفير بديل اقتصادي. وعمدت السلطات المغربية إلى اعتقال عدد من الناشطين على خلفية تلك الاحتجاجات، متّهمة إياهم باللجوء إلى العنف وإذكاء الفوضى. ثمّ وجّهت المحكمة لهم تهماً من بينها "المشاركة في إضرام النار عمداً في ناقلات بها أشخاص، والمشاركة في وضع أشياء تعوّق مرور الناقلات في طريق عام، والذي تسبّب في حوادث خطيرة وإصابة أشخاص بجروح خطيرة، وإهانة واستعمال العنف في حق موظفين عموميّين... وكسر أشياء مخصصة للمنفعة العامة وحيازة السلاح دون مبرر والتجمهر المسلح في الطرق العمومية والعصيان المسلح".

الصورة
احتجاجات في جرادة في المغرب 2 (فاضل سنّا/ فرانس برس)
(فاضل سنّا/ فرانس برس)

وبحسب أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية في جامعة ابن طفيل بمدينة القنيطرة (غربي المغرب) رشيد لزرق، فإنّ "شباب جرادة استطاعوا توظيف زخم الحراك الاجتماعي لبلوغ المؤسسات التمثيلية، بعدما أفرز اقتراع الثامن من سبتمبر الجاري اكتساحهم الانتخابات وتشكيل مكتب المجلس الذي سوف يدير الشأن المحلي". يضيف لزرق لـ"العربي الجديد" أنّ "شباب جرادة من خلال بلوغهم المجلس البلدي تجاوزوا واقع انعدام الثقة بين الشباب والطبقة السياسية، ليقتحموا المؤسسات بشكل تدريجي"، لافتاً إلى أنّ "النموذج السياسي في المرحلة الحالية يعطي الأمل بدمج الشباب في المؤسسات".

من جهته، يرى الناشط الحقوقي خالد البكاري أنّ مشاركة ناشطي "حراك جرادة" في الانتخابات الأخيرة شكّل "امتحاناً لشباب الحراك وللدولة" على حدّ سواء، لافتاً بحديثه لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "هذه التجربة سوف تجيب عن سؤال: هل يمكن تحقيق المطالب الاجتماعية عبر المؤسسات المنتخبة عوضاً عن الضغط من بوابة الحركات الاحتجاجية؟". يضيف البكاري أنّ "المطروح على سلطة الوصاية وممثلي وزارة الداخلية في المنطقة هو: هل سوف تغلّبون جانب مصاحبة التجربة في أفق إنجاحها أم العكس؟ أمّا المطروح على شباب الحراك ممّن شاركوا في هذه التجربة فهو: هل تمتلكون رؤية واضحة لتحديات الانتقال من حقل الفعل الاحتجاجي المدني (حركة اجتماعية) إلى حقل تدبير الشأن العام بصلاحيات محدودة، مع ما قد ينجم عن هذا الانتقال من تحوّل من ذات محتجة سابقاً إلى موضوع للاحتجاج لاحقاً؟".

وهذه ليست المرّة الأولى التي تراهن فيها فعاليات مغربية على نجاح طرح الإصلاح من الداخل، إذ سبق لشباب انتفاضة سيدي إفني في عام 2008 أن شاركوا في الانتخابات وسيطروا على المجلس البلدي، كذلك نجحوا في الفوز بمقعد برلماني. لكنّ البكاري يوضح أنّ هذه التجربة "عرفت حصاراً ومضايقات من قبل الداخلية انتهت بإفشالها"، بعد إلغاء المقعد البرلماني الذي كان يمثّل المحتجين ثمّ إقالة رئيس البلدية ومحاكمته لاحقاً. وتبقى المشكلة في نظر البكاري، "ليس في طرح الإصلاح من الداخل نظرياً، إنّما في مدى استعداد الدولة للتعايش مع هذا الطرح". ويكمل البكاري أنّ "في النهاية، هي مسألة ميزان قوى. ففي ظلّ ميزان قوى لمصلحة سلطوية أكبر، لا يمكن التعويل على أيّ إصلاح من الداخل إلا في إطار حركة سياسية معارضة قوية تستطيع تعديل ذلك الميزان".

المساهمون