يَعُدّ ييفغين يلبيتيفوروف مفاتيح المنازل التي أعطاه إياها أصدقاؤه، الذين فروا من أوكرانيا منذ بدء الغزو الروسي، للاهتمام بها، ويقول "هناك 19 في المجموع". منذ بدء الحرب، أضاف ييفغين، وهو عالم أحياء يبلغ من العمر 37 عاماً ويعمل في البستنة لتغطية نفقاته، مهنة أخرى إلى سيرته الذاتية... حارس مفاتيح.
فخلال الأشهر الأخيرة، يجوب ييفغين ضاحيتي كييف المدمرتين بوتشا وإيربين للاهتمام بالمنازل ونباتاتها التي هجرها أصحابها عندما فروا للنجاة بحياتهم، ويقول "بعد تحرير المدينتين، طلب مني الكثير من معارفي المجيء لمعرفة ما إذا كانت منازلهم ما زالت سليمة، وإذا ما كانت أبوابها وشبابيكها ما زالت موجودة".
يتجول ييفغين في المنازل ويضيء الأنوار لإبعاد اللصوص، أو يزيل الزجاج المكسور أو يرسل مقتنيات لأصحابها، أو يقوم ببعض أعمال البستنة.
وسرعان ما راحت المفاتيح تتراكم. ويوضح ييفغين أن الأصدقاء بدأوا "إرسالها بالبريد أو كنت أتسلمها من أحد الجيران أو أخذها من تحت ممسحة الأرجل"، سُلّمت بعض المفاتيح مع بن أو شوكولا في بادرة امتنان، فيما يفعل ييفغين ذلك برحابة صدر.
وغالباً ما يجد الأصدقاء العائدون إلى منازلهم هدية صغيرة منه، باقة من الزهر أو فاكهة، لجعلهم يشعرون "بالسعادة". ويقول ييفغين "لو كنت مكانهم، كانوا سيعاملونني بالمثل. هؤلاء أصدقائي، كل المفاتيح التي أملكها تعود لأشخاص أعرفهم".
"قد تفقد الوعي"
لكن في بعض الأحيان قد تكون هذه المهمة كريهة حرفياً، إذ يتمثل "الجزء الأصعب" منها في إزالة الطعام الفاسد من البرادات والثلاجات المتروكة لأسابيع بدون كهرباء. ويضيف ييفغين "الرائحة كريهة لدرجة أنك قد تفقد الوعي". لذا هو ممتن جداً لشخص قدم له قناعاً واقياً من الغاز يعود إلى الحقبة السوفييتية.
وحتى بعد التنظيف الشامل، تبقى الشقق بحاجة إلى التهوية مرات عدة لأن "الرائحة تبقى لمدة أسبوع أو أسبوعين".
أمضى ييفغين وقتاً في شقة صغيرة كان كافياً لريّ النباتات، وكانت الإشارة الوحيدة للحرب فيها ملاحظة على الحائط تركها جنود روس تقول "عذراً على الاقتحام"، وكان لا بد من تغيير الباب، مثل معظم الأبواب الأخرى في هذا الطابق.
مهمات "خاصة"
لكن يبدو أن هذه "الوظيفة" ليست حكراً على ييفغين، فقد أمضى أولكسندر فورمان، الذي كان يعمل في مجال التمثيل قبل الحرب، شهر إبريل/نيسان يعمل حارس مفاتيح وكان يعتني بست شقق في كييف هجرها أصدقاؤه.
وتمثلت مهمّته الأكثر غرابة في تنظيف الألعاب الجنسية التي تركتها صديقته السابقة وشريكها الجديد وراءهما بعد فرارهما من المدينة مع بدء الغزو الروسي في 24 فبراير/شباط.
ويروي أولكسندر ضاحكاً "قالت لي (لا أستطيع أن أطلب من والدتي أن تفعل ذلك)".
ويوضح "كنت محظوظاً، لم أتعرض لإطلاق النار ولم تسقط صواريخ بالقرب مني"، ومن خلال تقديم هذه المساعدة "شعرت بأنني أؤدي واجبي تجاه الذين عانوا".
بالعودة إلى إيربين، صوّر ييفغين بعض النباتات المزروعة بأوعية بهاتفه في منزل مؤلف من طابقين يطل على مدرسة فجّر سقفها، وسيرسل الفيديو إلى مالكي المنزل الموجودين حاليا خارج البلاد.
وفي محطته التالية، كان عمال يضعون سقفاً جديداً لمنزل جدرانه محترقة، توقف لبرهة من أجل الاهتمام بشجيرة دائمة الخضرة أحرقتها النيران بشدة، ويقول ييفغين "إنها تذكرني بالشعب الأوكراني. من جانب هي محترقة، ومن جانب آخر لديها القوة لمواصلة الحياة".
(فرانس برس)