"تقاعد" موسكو؟... دعوات لنقل العاصمة الروسية إلى سيبيريا

22 اغسطس 2021
دعوات لتخفيف الضغوط عن موسكو (العربي الجديد)
+ الخط -

أثار اقتراح وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو إنشاء مدن جديدة في سيبيريا والمبادرة إلى نقل العاصمة من موسكو إلى إحداها، نقاشات واسعة بين مؤيدين يعتبرون هذه الخطوة تمثل ضرورة ملحة للحد من مركزية البلاد، وآخرين يشككون في واقعية الفكرة البديلة على صعيد التنفيذ، والجدوى الاقتصادية من إحالة العاصمة الحالية على "التقاعد". 
وما يزيد الاهتمام بهذه الدعوات واقع تركز الحياة السياسية والاقتصادية في الجزء الغربي للبلاد، خصوصاً العاصمة التي لا تحتضن مؤسسات السلطة فقط، بل أيضا مقار لشركات ومصارف ومؤسسات كبيرة وأماكن الترفيه الشهيرة من مطاعم ومقاهي وغيرها، علماً أن نسبة 14 في المائة من سكان روسيا البالغ إجمالي عددهم 146 مليوناً يقطنون في موسكو وضواحيها.

قضية حيوية
يتحدث رئيس مجلس الإشراف في معهد الديمغرافيا والهجرة والتنمية الإقليمية، يوري كروبنوف، لـ"العربي الجديد" عن أن "نقل العاصمة الإدارية إلى سيبيريا قضية حيوية على الأجندة الجيوسياسية الروسية لإنهاء انعدام التوازن القائم في البلاد في ظل تركز الأنشطة السياسية والاقتصادية في شطرها الغربي". 
يضيف: "تعتبر سيبيريا اليوم المنطقة الأكثر عرضة للخطر بسبب قربها من آسيا الوسطى، حيث خلق تدخل الولايات المتحدة والحلف الأطلسي (ناتو) نحو عقدين من الزمن في أفغانستان بؤرة توتر أمنية كبيرة ومركزاً عالمياً لإنتاج المخدرات، ما يحتم تطوير سيبيريا من خلال تكرار ما فعله الإمبراطور بطرس الأكبر عام 1703 حين أنشأ مدينة سانت بطرسبورغ في منطقة تضم مستنقعات قرب بحر البلطيق، ونقل العاصمة إليها. ولا بدّ من الإشارة إلى أنه رغم المساحات الشاسعة التي تضمها روسيا، تتركز كل الأنشطة الرئيسة في أقصى غربها، تحديداً في موسكو وسان بطرسبورغ ومنتجع سوتشي المطل على البحر الأسود، بينما هناك حاجة لتجديد نخب المناطق المختارة لمنشآت الدوائر الرسمية وممارسة الحياة، ونقلها إلى مناطق أخرى". 
لكن كروبنوف يستدرك بأن "نقل العاصمة إلى سيبيريا لن يعني تهميش موسكو، فمهما ارتفعت الاستثمارات في العاصمة الجديدة، لن يتسنى إنشاء منطقة موسكو جديدة، علماً أن أكثر من 20 مليون شخص يسكنون في العاصمة الحالية وضواحيها، بحسب البيانات الرسمية، كما تحتضن هذه المنطقة أربعة مطارات دولية ذات منشآت ضخمة، وتقع قرب دول الاتحاد الأوروبي التي تعد أهم شركاء روسيا، ما يعني أن موسكو ستظل تضطلع بدور العاصمة الاقتصادية مثل مدينة نيويورك في الولايات المتحدة الأميركية". 

سيبيريا النائية قد تحتضن "موسكو الجديدة" (ألكسندر ريومين/ Getty)
سيبيريا النائية قد تحتضن "موسكو الجديدة" (ألكسندر ريومين/ Getty)

تكاليف باهظة    
من جهته، يعتبر كبير الباحثين في معهد علم الاجتماع التابع لأكاديمية العلوم الروسية، أندريه أندرييف، أن نقل العاصمة يتطلب دراسة متأنية في ظل تكاليفه الباهظة. ويقول لـ"العربي الجديد": "يجب درس الميزات التي ستحققها العاصمة الجديدة، باعتبار أن عملية نقلها مكلفة جداً، كما يجب الأخذ في الاعتبار أن العواصم الإدارية الجديدة تفتقد غالباً روح المدينة، وهو حال العاصمة الجديدة لجمهورية كازاخستان أستانة (اسمها الحالي نور سلطان) التي تبدو باهتة، في حين أن العاصمة القديمة ألما آتا أكثر دفئاً وتتمع بمساحات خضراء أكبر تمنح الحياة حيوية أكبر".  
لكن كروبنوف يعتبر أن مشروع نقل العاصمة مبرر وذو جدوى اقتصادية كبيرة، ويوضح أنه يتوقع أن يبلغ فائض الموازنة الروسية في السنة الحالية أكثر من تريليون روبل (نحو 14 مليار دولار)، فماذا يمنع استثمار أموال فائضة خلال بضع سنوات في مستقبل البلاد، وخلق مركز جديد لتوليد الثروة المجتمعية. والحقيقة أن لا حديث عن إنشاء شيء ما في القطب الشمالي، بل عن مدينة حيوية تتمتع باقتصاد جيد تنتقل إليها السفارات الأجنبية ويتمركز أثرياء فيها كي يتواجدوا قرب مواقع صنع القرار. وسيضخ ذلك أموالاً ضخمة في المدينة من خارج ميزانية الدولة".  

حيوية حياة كبيرة في موسكو (غافريل غيغوروف/ Getty)
حيوية حياة كبيرة في موسكو (غافريل غيغوروف/ Getty)

اقتراح "انتخابي"
وفي تعليقه على اقتراح شويغو، يعتبر الكاتب السياسي غيورغي بوفت أنه يندرج ضمن حملة الانتخابات التشريعية المقررة في 17 و18 و19 سبتمبر/ أيلول المقبل، منتقداً عدم تقديمه أي دراسة جدوى للمشروع. 
وكتب بوفت، في مقال بعنوان "مدينة حلم سيرغي شويغو" نشره موقع إذاعة "بي إف إم"، أن "نقل العاصمة قد لا يحصل استناداً إلى مبرر اقتصادي، بل تنفيذاً لحسابات إستراتيجية، مستشهداً بتجربة نقل دولة كازاخستان عاصمتها إلى أستانة في سبيل تحقيق توازن للمنافسة العشائرية، ونقل الإنكليز عاصمة الهند تحت الاستعمار من كالكوتا إلى نيودلهي كي تصبح رمزاً لقوة الإمبراطورية البريطانية ومركزاً لإطلالة نفوذها على العالم. أما نقل بطرس الأكبر العاصمة الروسية إلى سان بطرسبورغ فهدف إلى جعلها نافذة عبور إلى أوروبا".
وفي تعليقه على مقولة أن نقل العاصمة الروسية إلى سيبيريا يهدف إلى تخفيف الضغط عن موسكو، تساءل كاتب المقال: "هل احتسب أحد كلفة تنفيذ هذا التفريغ عبر نقل قطعة ضخمة من الاقتصاد طوعاً إلى براري سيبيريا، وهل سأل أحد قاطني المنطقة الوسطى إذا كانوا يريدون هذا التفريغ إلى سيبيريا النائية؟". 
وكان شويغو الذي يقود حالياً حملة حزب "روسيا الموحدة" الحاكم لانتخابات مجلس الدوما (البرلمان)، دعا في وقت سابق من أغسطس/ آب الجاري إلى إنشاء ثلاثة أو خمسة مراكز علمية وصناعية واقتصادية يضم كل منها بين 300 ألف ومليون شخص. وقال في كلمة ألقاها خلال لقائه ممثلي الدوائر المجتمعية في فرع أكاديمية العلوم الروسية بمدينة نوفوسيبيرسك: "لا يهدف المشروع فقط إلى بناء مدينة ونقل العاصمة إليها، بل جعلها مركزا مهماً لمجالات عمل ونشاطات محددة لا تنحصر في  قطاعات دون أخرى".  

وليست هذه المناسبة الأولى التي يقترح فيها شويغو الذي يتحدر نفسه من جمهورية توفا السيبيرية نقل المركز الفيدرالي إلى سيبيريا، إذ سبق أن دعا إلى فعل ذلك عام 2012، وقال حينها إن "هذه المبادرة قد تقلل هجرة السكان من المناطق الشرقية".  

المساهمون