"الصلح خير"... ثقافة قانون في دير الزور

21 مارس 2022
حملة بعنوان "الصلح خير" في دير الزور (العربي الجديد)
+ الخط -

قبل 20 عاماً، أسفرت مشاجرة حصلت بين أبناء أعمام من عشيرة المراشدة العربية عن مقتل شخص في بلدة هجين التي تقع في ريف دير الزور أقصى شرقي سورية. وسجن القاتل سنوات عدة بحكم قضائي، لكن الشحن العائلي والعشائري لم ينته فتفجر الغضب والتوتر مرة أخرى قبل ثلاث سنوات بسبب جريمة ارتكبت عام 2002، ولم يستطع شيوخ العشائر ورجال الدين والأشخاص الفاعلون في المنطقة احتواء آثارها، والتوصل إلى حلول وسطية مرضية لتحقيق المصالحة بين العائلتين. 
ولكن القضية انفرجت في مطلع مارس/ آذار الجاري، إثر التدخل الفاعل والمؤثر من لجنة الوساطة المجتمعية في المنطقة التي نجحت في حل النزاع العائلي بعدما رعت لقاءات عقدها المتخاصمون، وأفضت إلى إعطاء كل ذي حق حقه، وصولاً الى إيجاد حل نهائي قبله الجميع. 

وجاء ذلك بعدما أطلقت خمس منظمات وجمعيات مدنية، هي "ديرنا" و"فراتنا و"سامه" و"ماري" و"إنصاف للتنمية"، حملة بعنوان "الصلح خير" لتعزيز دور لجنة الوساطة المجتمعية في ريف دير الزور الشرقي، وتعويض سنوات من غياب المحاكم والسلطات القضائية وتوالي سيطرة جهات عسكرية عدة على المنطقة. وساهمت الحملة في إعادة ترميم العلاقات بين أبناء المنطقة وتعزيز التماسك المجتمعي.

ويشرح مدير منظمة "إنصاف للتنمية"، العضو في مشاريع بناء السلام، محمد المحمد لـ"العربي الجديد" أن "لجنة الوساطة دعت بالتعاون مع شيوخ في المنطقة وقضاة شرعيين وفعاليات المدينة المؤثرة، كل شخص على علاقة بالنزاع القديم، لمناقشة القضية داخل خيمة الصلح، فيما أعلن والد القتيل عفواً لوجه الله من أجل عشيرته وإكراماً للضيوف ووجهاء عشائر المنطقة". وشاركت في الحملة أيضاً شخصيات مؤثرة وفاعلة في المجتمع، إلى جانب رجال دين من ذوي الخبرة والكفاءة وأصحاب السمعة الحسنة بين الأهالي. 
ويقول الناشط أيمن علاو لـ"العربي الجديد": "دعمت مؤسسة الشارع للإعلام والتنمية الحملة التي هدفت إلى حل الخلافات القائمة بين الناس بالطرق السلمية، وتخفيف حدّة النزاعات ومنع تفاقمها، وكسر دائرة العنف التي أحاطت بالمجتمع خلال السنوات الماضية". يضيف: "مناطق دير الزور ذات طابع قبلي عشائري، وما يزيد تعقيد الوضع وتأزمه غياب الدوائر والمحاكم الحكومية المتخصصة بعد سنوات من الحروب". 
ويتابع: "تمثلت أهمية الحملة في نشر ثقافة القانون والصلح المجتمعي وتعزيز دور القضاء. وتحدر أعضاء لجان الصلح من المناطق نفسها، وامتلكوا خبرات في حل القضايا والنزاعات، وسبق أن خضعوا لتدريبات عملية وقانونية في حل الخلافات وبين الأفراد، وتوفير حلول للدعاوى والشكاوى اليومية بطرق سلمية".  

التسويات العشائرية بدلاً من المحاكم الحكومية (العربي الجديد)
التسويات العشائرية بدلاً من المحاكم الحكومية (العربي الجديد)

ويوضح أن المشاركين في اللجان هم شيوخ وزعماء ووجهاء القبائل، ونخبة من القانونيين والمحامين الذين يملكون خبرة كبيرة في حل القضايا المجتمعية، علماً أن كل لجنة ضمت امرأة أيضاً. 
وتنقسم محافظة دير الزور بين عدة قوى، حيث تخضع جهتها الجنوبية وجزء من شرقها ومركز المحافظة لقوات النظام ومليشيات إيرانية، وباقي المدن والبلدات المحاذية للضفة الشمالية لنهر الفرات الشمالية لسيطرة قوات "قسد".  
وتعمل لجان الصلح منذ نحو عام، ونجحت في حل مشاكل تتعلق بقضايا معيشية، مثل توزيع المساعدات على الأهالي، وتنظيم توزيع الكهرباء والماء والخبز، وخلافات شخصية بين سكان المنطقة والنازحين من مناطق أخرى، وأخرى نتجت من حوادث المرور وابتزازات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وقضايا أقلقت السلم والاستقرار المجتمعيين.

ربع مليون سوري استفادوا من عمل لجان الصلح (العربي الجديد)
ربع مليون سوري استفادوا من عمل لجان الصلح (العربي الجديد)

في السياق، توضح منظمة "فراتنا للتنمية" أن "نحو ربع مليون شخص استفادوا في شكل مباشر أو غير مباشر من عمل اللجان التي تتواجد في بلدات وقرى هجين وأبو حمام والكشكية في الريف الشرقي، ومحيمدة والقرى التابعة لها، وجديدة بكارة وبلدة البصيرة ومحيطها". 
وقد عقدت اللجان اتفاقات ومذكرات تفاهم مع المجالس التشريعية والقضائية التي تدير المنطقة كي لا يتعارض عملها مع عمل تلك الجهات. 
ويراجع فريق منظمة "فراتنا للتنمية" تحديداً القضايا التي دونتها لجان الصلح في المناطق، ثم يعقد ندوات جماهيرية وورشات تدريبية تهدف إلى نشر أفكار تعزز القيم المجتمعية، واستخلاص العبر والحلول وطرحها على أكبر شريحة من المستفيدين. 

وتستند لجان الوساطة المجتمعية في عملها إلى القوانين في سورية، وتلك الدولية المرتبطة بتشريعات حقوق الإنسان، وتعمل لحض الأهالي والمشاركين على التخلّي عن العنف، والحفاظ على النسيج الاجتماعي الذي مزقته سنوات الحرب السابقة، وتضم محامين وقانونيين لهم معرفة بالقانون عبر عملهم السابق في محاكم للدولة.

المساهمون