بوادر "عسكرة" البرلمان المصري المقبل... يأساً من الأحزاب

08 يناير 2015
يُخشى طمس المعارضة البرلمانية بمصر (محمود حمس/فرانس برس)
+ الخط -
بهدوء، بعيداً عن الأنظار ووسائل الإعلام، التي صبّت اهتمامها على صراع التحالفات بين الكيانات والأحزاب السياسية المصرية، بدأ عدد كبير من الضباط والقيادات السابقين في القوات المسلحة المصرية، الزحف نحو مقاعد البرلمان المصري العتيد.

وعلمت "العربي الجديد"، أن "عدداً من قيادات الجيش السابقين بدأوا الترويج لأنفسهم بشكل منفرد، بعيداً عن أي تحالفات حزبية، وقاموا بنشر لافتات التهنئة لأهالي دوائرهم من المسلمين، في ذكرى المولد النبوي، وللأقباط بمناسبة عيد الميلاد في التقويم الشرقي".

وتصدّرت لافتات عدد كبير من قياديي الجيش وجهاز الاستخبارات السابقين، وفي مقدمتهم وكيل جهاز الاستخبارات السابق بدائرة البدرشين، اللواء وضاح الحمزاوي، والعميد عبد الحميد فرحات بدائرة الحوامدية، إضافة إلى اللواء محيي نوح، أحد قادة المجموعة "39 صاعقة" السابقين، في دائرة أبو النمرس، جنوب محافظة الجيزة.

وتتماشى الظاهرة مع جزء من التسريبات التي أذاعتها قناة "الشرق" الفضائية أخيراً، من داخل مكتب الرئيس عبد الفتاح السيسي، حينما كان وزيراً للدفاع. التسريب الذي قال فيه مساعد وزير الدفاع اللواء ممدوح شاهين، إنه "متعجل لتوقيع السيسي على قانونين، أحدهما متعلق بشؤون الضباط في القوات المسلحة، يسمح لمن يرغب بتقديم استقالته والترشح للبرلمان".

ولا ينفصل طموح العسكريين في مصر إلى السيطرة على البرلمان، عن سيطرتهم على كافة المفاصل المهمة للدولة، بدءاً من مراكز المدن، مروراً بالمحافظات، التي تولّى نحو 16 قيادياً سابقاً في الجيش، منصب المحافظ فيها أخيراً.

ولفت مصدر مطلع لـ"العربي الجديد"، إلى أن "إقدام قيادات عسكرية حالية على التقدم باستقالتها للترشح إلى البرلمان الجديد، يعني أنهم يضمنون مقاعدهم في البرلمان، بما يعطي مؤشراً قوياً على طبيعة الانتخابات المقبلة"، على حدّ تعبيره. وأضاف أن "هناك أموراً لا يريد حكام مصر من العسكريين في الوقت الراهن تركها للظروف، كما حدث في البرلمان السابق، الذي تمّ حلّه بقرار من المحكمة الدستورية العليا". وأهمّ تلك الظروف بحسب الباحث هي "تأمين ميزانية القوات المسلحة، وعدم السماح لأي جهة بمراقبتها أو متابعتها كما كان يرغب برلمان 2012، الذي أكد سرية ميزانية التسليح، إلا أنه أصرّ على مراقبة ميزانية النشاط الاقتصادي، الذي يدرّ أموالاً طائلة لا تدخل في ميزانية الدولة، ويعتبرها قادة الجيش إرثاً وحقاً مكتسباً لهم".

وأوضح باحث فضّل عدم ذكر اسمه، حتى لا يقع تحت طائلة القانون المصري بتهمة الحديث عما يتعلق بشؤون الجيش، قائلاً: "في تقديري أن اللجوء إلى الاعتماد على عسكريين في البرلمان المقبل، يعود لقلق داخل أروقة النظام المصري، الذي يسيطر على القرار فيه عدد من العسكريين، من الاعتماد على شخصيات سياسية وحزبية يدركون جيداً أنه لا يُمكن الاعتماد عليهم".

وتابع أن "كثرة الساعين إلى البحث عن كتل مؤثرة في المجلس العتيد، قد تُستخدم في وقت من الأوقات، للضغط على النظام الحالي ورئيسه، ما دفع السيسي وقادة المؤسسة العسكرية إلى الاعتماد على رجالهم، الذين يضمنون ولاءهم للجيش".

وخاضت قيادات سابقة بالقوات المسلحة المصرية والشرطة، انتخابات البرلمان في 2010، ويحاول الكثيرون منهم معاودة الأمر خلال انتخابات مجلس النواب المقبلة، المقررة في مارس/آذار المقبل، علماً أنه نشبت أزمة دستورية حول صحة تغيير بعض العسكريين السابقين صفتهم، التي خاضوا فيها انتخابات برلمان 2010 آنذاك.

ومن الشواهد على هذه "الظاهرة" تعديل اللواء سيد حسب الله، صفته من "فئات" في 2005، إلى المنافسة على مقعد "العمال" في 2010. وبالمثل فعل اللواء يحيى عزمي، شقيق رئيس ديوان رئيس الجمهورية السابق زكريا عزمي، الذي عدّل صفته من "فئات" إلى "فلاحين" في محافظة الشرقية.

وترشح في الانتخابات عدد كبير من قادة الجيش، منهم: اللواء طارق حسن عمار، واللواء أحمد محمد إبراهيم (بورسعيد)، واللواء نبيل سمك (إيتاي البارود)، والعميد محمد حسين عوض (وادي النطرون)، واللواء فاروق المقرحي (الدلنجات)، واللواء أحمد مختار محجوب، والعميد محمد عوض، واللواء سيف النصر محمد إبراهيم، والمقدم عاطف عبد الحميد توفيق كريم، واللواء محمد ربيع إسماعيل (قنا)، واللواء محمد عبد الرحيم فراج.

كذلك ترشح خلال الانتخابات العقيد أسامة منصور شيبة السنوسي (قنا)، واللواء علي عبد الجواد، واللواء سليمان صبحي، والعقيد محمد نايف، والعميد جمال عبد الظاهر، والعميد عادل عباس القلا (مدينة نصر)، واللواء حسن الوكيل (المنصورة).

من جانبه، حذّر الخبير السياسي أمجد الجباس، في حديث لـ"العربي الجديد"، من ظاهرة غزو القيادات العسكرية مقاعد البرلمان المقبل، قائلاً إن "هذه الظاهرة تمثل خطراً كبيراً على مستقبل ملفات الحقوق والحريات في مصر، في الفترة التي ستعقب انتخاب البرلمان".

وأوضح أن "ملفات الحقوق والحريات، تقع في ذيل قائمة اهتماماتهم، لأن عقيدتهم التي تربّوا عليها طوال فترات خدمتهم بالقوات المسلحة، تقوم على أنه لا مكان بارزاً لتلك المبادئ المتعارف عليها دولياً، وهو ما يعني أن الفترة المقبلة ستشهد المزيد من التضييق".

وقال الجباس، إن "السياسة في مصر في حالة موت في الوقت الراهن، في ظلّ التضييق وتكميم الأفواه من جانب السلطة العسكرية الحالية". وتابع أن "هذه السلطة تتمسك بالفرصة التي جاءتها، للسيطرة على الأمور لمدة طويلة، خصوصاً أنه في آخر 10 سنوات من حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك، سحب رجال الأعمال من أصدقاء جمال مبارك، البساط من تحت أقدام المؤسسة العسكرية، تحديداً في ما يتعلق بالمشاريع الاقتصادية. وهو ما كان محل سخط من جانب قيادات الجيش وقتها، إلا أن الرئيس مبارك كان يقوم بدور بيضة الميزان، أو القوة الفاصلة بين الجانبين". وأكد الجباس أن "نتائج البرلمان العتيد محسومة سلفاً، وأن الانتخابات ستكون شكلية". وأضاف أن "القوى السياسية في مصر تقبل بدور الكومبارس".

تجدر الإشارة إلى أن عدد العسكريين في البرلمان الأخير، لم يتجاوز أصابع اليد الواحدة، وكان من بينهم وكيل الاستخبارات الحربية الأسبق، ورئيس لجنة الدفاع والأمن القومي اللواء عباس مخيمر، الذي فاز على قوائم حزب "الحرية والعدالة"، الذراع السياسية لجماعة "الاخوان المسلمين"، وكذلك عضو لجنة الدفاع والأمن القومي بالمجلس، العميد أحمد إسماعيل، الذي فاز على قوائم حزب "الوسط".
المساهمون