أفكار مصرية لإنقاذ السعودية من مستنقع اليمن

08 مارس 2018
أبدى بن سلمان تجاوباً مع المقترح المصري (بندر الجلود/الأناضول)
+ الخط -

كشفت مصادر دبلوماسية مصرية عن تصوّر أعدّته دوائر مصرية سيادية لإخراج المملكة العربية السعودية من المأزق اليمني، بعد أكثر من عامين على بدء عمليات "التحالف العربي" الذي تقوده المملكة من دون الوصول لحلول حقيقية للأزمة، وسط انتقادات حقوقية ودولية كبيرة للرياض بسبب الانتهاكات، واستهداف المدنيين.


وقالت المصادر لـ"العربي الجديد" إن التصوّر الذي أعده النظام المصري لإنقاذ السعودية من المستنقع اليمني، على حدّ تعبير المصادر، "يتضمّن اعترافاً بنفوذ الحوثيين بعدد من المناطق، واعتماد نظام قائم على المشاركة معهم"، لافتةً إلى أنّ "هذا التصوّر جاء بعد عقْد الجانب المصري، عبر جهاز الاستخبارات العامة، لقاءات عدة مع قيادات حوثية زارت القاهرة بشكل غير معلن".

وأوضحت المصادر أن هذا التصوّر "حظي بموافقة حوثية مبدئية، إذ أكّد ممثلوهم خلال اللقاءات التي عُقدت في القاهرة، استعدادهم للتعاطي معه بشكل إيجابي وجاد، حال أعلنت السعودية موقفاً واضحاً منه"، مشيرةً إلى أنه طُرح على ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، خلال زيارته الأخيرة إلى القاهرة، التي استغرقت 3 أيام قبل توجهه إلى بريطانيا.

وكشفت المصادر عن أن بن سلمان أبدى تجاوباً مع المقترح المصري، إذ أكّد خلال اجتماعاته في القاهرة، "استعداد السعودية خلال الفترة المقبلة تبنّي وجهات نظر جديدة ربما يكون بعضها مناقضاً لمواقف سابقة للمملكة"، مشيراً إلى أن "كثيراً من السياسات والمواقف التي اتخذتها الرياض في وقت سابق، أدّت لتوسُّع النفوذ الإيراني في المنطقة، وليس العكس، وهو ما يستوجب إعادة النظر في كثير من السياسات والمواقف السعودية".

وفي السياق ذاته، أوضحت المصادر أن "من بين المواقف السعودية التي يسعى بن سلمان للتعاطي معها بشكل مختلف عن أوقات سابقة، هي الموقف السعودي من الأزمة السورية، وكذلك الوضع في العراق". وأكّدت أنّ "الموقف السعودي من الأزمة السورية سيشهد مفاجأة كبرى خلال الفترة المقبلة، بشأن وضع رئيس النظام السوري بشار الأسد"، لافتةً إلى "إمكانية قبول الرياض بحلّ يتضمن البقاء الشكلي للأسد". ومنذ أكثر من عامين، طرأ تحول جذري على الموقف السعودي إزاء الملف السوري، إذ أصبحت الرياض، باعتراف حكامها ووزرائها، تتبنى حرفياً "الرؤية الروسية" لـ"الحل" في سورية، وهو ما برز خصوصاً في وقف كافة أشكال الدعم الذي كانت تقدمه لفصائل سورية مسلحة، وفي ضغوط كبيرة جداً مارستها على الهيئة العليا للتفاوض، من أجل إدخال شخصيات سورية في صفوفها، محسوبة بشكل كامل على الولاء لروسيا وللنظام السوري، وتدعي أنها معارضة. وقد أجدى ذلك الضغط السعودي بالفعل، وهو ما أدى إلى استقالة كافة أركان الهيئة العليا للتفاوض، في الخريف الماضي، وفي مقدمتهم منسق الهيئة، رياض حجاب.

يأتي ذلك في الوقت الذي دعت فيه المعارضة البريطانية إلى استغلال زيارة بن سلمان إلى لندن، من أجل فتح ملف الحرب الدائرة في اليمن، مطالبين حكومة تيريزا ماي يوقف تصدير الأسلحة إلى المملكة. وبرزت أصوات من "حزب العمال" المعارض، وكذلك من جهات حقوقية بريطانية، بموازاة الحفاوة الرسمية التي تحظى بها الزيارة.

ولفتت صحيفة "إندبندنت" إلى أنّ ملف بيع بريطانيا أسلحة للسعودية سيكون على جدول النقاشات خلال الزيارة، ونقلت عن رئيس "حزب العمال"، جيرمي كوربين، قوله: "على تيريزا ماي أن تستغل هذه الزيارة لإعلان أن المملكة المتحدة لن تواصل تزويد السعودية بالأسلحة طالما استمر القصف المدمر الذي تقوده السعودية في اليمن".


وأضاف كوربين أن "على لندن إظهار موقفها الواضح حيال ملف حقوق الإنسان والحقوق المدنية في السعودية أيضاً"، بينما طالب "حزب العمال" بتعليق مبيعات الأسلحة بانتظار حصول مراجعة من لجنة تحقيق تقودها الأمم المتحدة حول الأوضاع في اليمن و"المزاعم حول انتهاكات قوانين حقوق الإنسان الدولية" في ذلك البلد.

من جانبها، قالت مديرة "منظمة العفو الدولية" في المملكة المتحدة، كيت آلن، إن على بريطانيا استغلال زيارة ولي العهد السعودي لإظهار صلابة موقفها حيال القضايا الشائكة في المملكة السعودية وخارجها. وطالبت أيضاً بوقف تصدير الأسلحة في حال كان هناك إمكانية لاستخدامها في اليمن.

وأوردت "إندبندنت" أنّ وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، كان قد تناول هذه المطالبات في مقابلة مع إذاعة "راديو 4" التابعة لهيئة الإذاعة البريطانية، قائلاً إن الاعتراضات ناجمة عن "سوء فهم" لطبيعة الحرب في اليمن، مضيفاً أنّ الوجود السعودي في ذلك البلد "مبرر وشرعي بسبب الحرب التي فرضتها مليشيات الحوثي".

وتلاحق المنظمات الحقوقية الدولية، السعودية، باعتبارها قائد قوات "التحالف العربي" في اليمن، بسبب ارتكابها انتهاكات إنسانية تصل حد جرائم الحرب، وفقاً لما ورد في عدد من التقارير الحقوقية وفي مقدمتها تقرير لمنظمة "هيومن رايتس ووتش"، التي أكّدت في تقرير صادر عنها في وقت سابق ارتكاب السعودية انتهاكات كثيرة للقانون الدولي الإنساني منذ بداية غارات التحالف على اليمن، حيث قُتل أكثر من 4125 مدنياً وأصيب 7207 آخرون، بحسب "المفوضية السامية لحقوق الإنسان". وكانت الغارات الجوية هي السبب الأول والرئيسي للخسائر في صفوف المدنيين.

ووثّقت "هيومن رايتس ووتش" 58 غارة جوية غير قانونية شنّها التحالف، بعضها يرقى إلى جرائم حرب، قتلت نحو 800 مدني وضربت بيوتاً وأسواقاً ومستشفيات ومدارس ومساجد، كان من بينها غارة جوية على مجلس عزاء مكتظ في أكتوبر/تشرين الأوّل 2016، قتلت 100 شخص على الأقل وأصابت أكثر من 500 آخرين.


كما وثّقت المنظمة أيضاً استهداف التحالف المتكرر لمصانع ومخازن مدنية ومواقع محمية أخرى، في خرق لقوانين الحرب. ولفتت إلى أنّ استمرار سياسات المملكة في اليمن أدت إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية هناك بشكل جعل أكثر من 14.4 مليون يمني غير قادرين على تحصيل احتياجاتهم الغذائية، بحسب الأمم المتحدة.

كذلك، وثّقت "هيومن رايتس ووتش" 16 هجوماً على الأقل استخدم فيها التحالف ذخائر عنقودية محظورة دولياً، قتلت وأصابت عشرات المدنيين. وفي 2016، أضيف التحالف بقيادة السعودية إلى "قائمة العار" الصادرة عن الأمين العام للأمم المتحدة، والخاصة بالأطفال والنزاعات المسلحة، جراء دور التحالف في قتل وتشويه الأطفال والهجوم على المدارس والمستشفيات في اليمن. وبعد تهديد السعودية وحلفائها بسحب مئات الملايين من الدولارات المقدمة للأمم المتحدة كمساعدات، تمت إزالة التحالف من القائمة "بانتظار المراجعة"، فيما كان الحوثيون على القائمة منذ 2011 بسبب تجنيد الأطفال.