7 سنوات على حرب اليمن: منعطف حاسم لفرص السلام

زكريا الكمالي
زكريا الكمالي
مراسل العربي الجديد في اليمن.
26 مارس 2022
اليمن
+ الخط -

يقف اليمن في منعطف حاسم مع انقضاء العام السابع من الحرب، ومع مطلع عام ثامن، سيكون على أطراف النزاع التقاط فرص السلام التي تلوح للمرة الأولى منذ سنوات، أو السماح للبلد الفقير بالتحول إلى بؤرة رسمية للمجاعة ومستنقع دائم للفوضى.

وخلافاً لكافة السنوات التي عاشها اليمن منذ بدء العمليات العسكرية للتحالف الذي تقوده السعودية في 26 مارس/ آذار 2015، تبدو أطراف النزاع في مأزق حقيقي.

ففي مقابل التدهور الحاد للأوضاع المعيشية في عموم المحافظات، أدار المانحون ظهورهم للأزمة الإنسانية التي تصنفها الأمم المتحدة بالأسوأ على مستوى العالم، ولم تتلق خطة الاستجابة الإنسانية سوى 1.3 مليار دولار، من أصل 4.27 مليارات دولار كانت قد طالبت بها الأمم المتحدة.

وعلى الرغم من التحركات الدولية والإقليمية المكثفة لانتشال اليمن من الواقع المرير، وذلك من خلال كسر جليد العملية السياسية المتعثرة منذ اتفاق استوكهولم أواخر 2018، وفرض هدنة إنسانية خلال شهر رمضان (مطلع شهر إبريل/نيسان المقبل) كمقدمة لنزع فتيل الحرب وبناء الثقة بين الأطراف المتنافرة، إلا أن الطريق أمام عجلة السلام لن يكون مفروشاً بالورد في ظل التصلب الحاصل في المواقف السياسية.

مشاورات عمّان والرياض

وحلت الذكرى السابعة للحرب هذا العام، في خضم زخم سياسي لافت. فبعد أن أنهى المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس غروندبرغ، أول من أمس الخميس، مشاورات استمرت ثلاثة أسابيع في العاصمة الأردنية عمّان، تتجه الأنظار إلى الرياض التي تحتضن أواخر الشهر الحالي، مشاورات يمنية برعاية مجلس التعاون الخليجي، دُعي إليها الحوثيون ورفضوها.

ولم تخرج مشاورات عمّان التي واجهت انتقادات مختلفة، بأي نتائج مثمرة يمكن البناء عليها، نظراً لغياب أطراف الصراع الفاعلة مثل جماعة الحوثيين والحكومة اليمنية المعترف بها دولياً وكذلك التحالف الذي تقوده السعودية، ولذلك، سيكون على الأوساط اليمنية ترقب ما ستسفر عنه مشاورات الرياض المرتقبة التي تشارك فيها 500 شخصية يمنية.

ووفقاً لمصادر متطابقة، فإن المشاورات التي تُعقد في مقر الأمانة العامة لمجلس التعاون من 29 مارس الحالي وحتى 7 إبريل المقبل، ستشهد إعلان التحالف رسمياً عن هدنة إنسانية مؤقتة خلال شهر رمضان وتخفيف القيود على تدفق المشتقات النفطية إلى ميناء الحديدة الخاضع للحوثيين، غربي البلاد.


يعوّل المجتمع الدولي على الهدنة الإنسانية أكثر من أي نتائج قد تسفر عنها مشاورات الرياض

وذكرت المصادر التي ستشارك في المشاورات لـ"العربي الجديد"، أن دول الخليج ستُقدّم على هامش المشاورات أيضاً، التمويلات السنوية المعتادة لمواجهة الأزمة الإنسانية، والتي تم إرجاء تقديمها هذا العام عبر مؤتمر المانحين الذي نظمته الأمم المتحدة في سويسرا منتصف الشهر الحالي.

ويعوّل المجتمع الدولي على الهدنة الإنسانية أكثر من أي نتائج أخرى قد تسفر عنها مشاورات الرياض، وبناء على ذلك، بدأ رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي لدى اليمن، غابرييل مونويرا فينيالس، تحركات فورية مع الحكومة اليمنية في هذا الشأن.

وشدد خلال لقاء جمعه مع نائب الرئيس اليمني علي محسن الأحمر، على "الحاجة الملحّة لوقف أوسع لإطلاق النار"، وذلك بعد ساعات من تقديم أوراق اعتماده أول من أمس الخميس.

كما بدأ السفير الصيني لدى اليمن، كانغ يونغ، تحركات مماثلة في الجانب الآخر، وأجرى في اليوم نفسه، اتصالاً مع كبير المفاوضين الحوثيين محمد عبد السلام، ناقشا فيه "مسار الهدنة الإنسانية المحتملة برعاية الأمم المتحدة والتي تتضمن معالجات إنسانية"، وفقاً لما نشرته وسائل إعلام حوثية.

تتفاقم معاناة اليمنيين المعيشية (عيسى أحمد/فرانس برس)

وتبدو النوايا لإبرام هدنة حقيقية، جادة أكثر من أي وقت مضى، خصوصاً من جانب التحالف، الذي قلّص بشكل ملحوظ عملياته الجوية على الرغم من الهجمات الحوثية الأخيرة التي طاولت العمق السعودي.

وبناء على بيانات رسمية لوسائل إعلام حوثية، فقد شهدت الفترة الممتدة بين 16 مارس الحالي و24 منه، 39 غارة جوية فقط، وهو معدل منخفض يوازي معدل ما كان يشهده يوم واحد من الضربات التي شنها التحالف خلال موجة التصعيد الأخيرة لمعارك شبوة ومأرب مطلع العام الحالي.

وعلى الرغم من المؤشرات المتعددة التي تبشر بهدنة محتملة قد تقود إلى بناء الثقة ووقف شامل لإطلاق النار، إلا أن السيناريوهات المستقبلية لا زالت غامضة وفق الباحث والمحلل السياسي اليمني، عبد الناصر المودع.

ورأى المودع في حديث مع "العربي الجديد"، أن من الصعب توقع سيناريوهات لما يحدث في اليمن، جراء الظروف الحالية المعقّدة التي صنعتها 7 سنوات من الحرب التي خدمت الحوثيين أكثر مما ألحقت الضرر بهم. وقال: "يصعب التكهن بملامح المرحلة المقبلة، خصوصاً أن الحرب في اليمن تتأثر بالتغيرات الخارجية. ولا يُعرف في أي اتجاه سيكون المناخ الدولي، ومصير التفاهمات لإعادة تفعيل الاتفاق النووي مع إيران".

واعتبر الباحث اليمني تراجع الضربات الجوية للتحالف، بأنها تمهيد من قبل السعودية لمشاورات الرياض الغامضة حتى الآن، من أجل إظهار حُسن نوايا تجاه الحوثيين الذين تمت دعوتهم للحضور ورفضوا تلك الدعوات.

وأضاف "ما يحدث الآن أشبه بهدنة محدودة لا نعرف إن كانت ستطول، أم أنها هدنة مؤقتة لترتيب أوراق ما، ثم استئناف المعارك بشكل أو بآخر".

فرص السلام بعد استنزاف مأرب وشبوة

على الورق، تبدو فرص السلام سانحة في الوقت الراهن، نظراً لمعطيات عدة، على رأسها الإنهاك الشديد الذي تعرضت له أطراف النزاع في معارك استنزاف غير مسبوقة في محافظتي مأرب وشبوة وبعدها مديريات محافظة حجة، فضلاً عن تدهور الأوضاع المعيشية في كافة مدن اليمن.

وبما أن التفوق العسكري وفرض خيارات الحل من الميدان باتا مستحيلين مع انقضاء سبع سنوات من الحرب، سيكون على الأطراف اليمنية الاقتناع أيضاً بأن المناورات الهادفة لتحقيق نصر سياسي وفقاً للمعطيات الميدانية المتوفرة، غير مجدية أيضاً، وليس أمامها سوى تقديم تنازلات والانخراط في حوار غير مشروط، كما تطمح لذلك الأمم المتحدة.

وعلى مدار الأعوام الماضية، اصطدمت الجهود الدولية بجملة من التعقيدات التي وضعها أطراف النزاع، إذ تتمسك الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً بمرجعيات ثلاث هي المبادرة الخليجية والقرار الأممي 2216 ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني، وجميعها تؤكد شرعية الرئيس عبدربه منصور هادي.


يرغب الحوثيون في حكم اليمن باعتراف دولي

في المقابل، ظل الحوثيون يطرحون شروطاً بدت تعجيزية، مثل إجراء مشاورات مباشرة مع السعودية وتهميش باقي الأطراف اليمنية، وذلك في خطوة تهدف من ورائها الجماعة لأن تصبح الطرف المهيمن وتحكم اليمن باعتراف دولي وليس كما هو حاصل الآن.

وبعيداً عن المصالح الضيقة لكل طرف والشفافية في طرح المخاوف من وقف الحرب، يؤكد خبراء أن السلام في اليمن لن يتحقق سوى بولادة مقاربات أممية ودولية وإقليمية مختلفة للنزاع اليمني، تختلف عن التحركات الشكلية التي تجري حالياً في الرياض وعمّان ومسقط.

الصحافي والمحلل السياسي اليمني، أحمد الزرقة، اعتبر أن ما يشهده عدد من العواصم العربية بشأن الأزمة اليمنية "تحركات مكررة للقفز على جوهر الأزمة واستمرار للحلول الترقيعية والبحث عن حلول مؤقتة لا تتجاوز إعادة رسم المشهد الداخلي".

ورأى الزرقة، في حديث مع "العربي الجديد"، أن السلام في اليمن، بحاجة إلى إرادتين، إحداهما داخلية، وهي الأهم، ولن تتأتى إلا من خلال إقرار كافة الأطراف بعبثية الصراع والعودة بالأمور إلى ما قبل الانقلاب الحوثي من خلال استكمال الحوار الوطني والتوافق على إدارة مرحلة انتقالية، إلا أن هذه الخطوة تبدو مستحيلة نوعاً ما، بسبب ممانعة الحوثيين وانتشار المليشيات الأخرى التي باتت تستند لترسانة أسلحة مدعومة بمواقف القوى الخارجية.

وأضاف "الأمر الآخر مرتبط بالتسويات بين القوى الإقليمية والدولية وإنهاء استخدام اليمن كمنطقة للصراع وكسر العظم، وهذا أيضاً ما لا ترغب به القوى الإقليمية وعلى رأسها إيران التي وجدت في اليمن منطقة لإيذاء العالم والمنطقة، من دون أن تدخل في مواجهات مباشرة أو تخسر تكاليف كبيرة".

وتواجه عجلة السلام في اليمن المزيد من الألغام التي أفرزتها السنوات السبع الماضية، وعلى رأس ذلك تفكيك شبكة اقتصاد الحرب التي يتحكم فيها أمراء المليشيات والجماعات المسلحة الذين يعتبرون قرار السلام بمثابة حكم إعدام بالنسبة لهم.

وفيما أشار الزرقة إلى أن استمرار هيمنة المليشيات وأمراء الحرب سيعمل على تعقيد المشهد وفقدان بوصلة السلام، أكد أن خيار السلام في ظل التبعية للخارج وعدم وجود طرف قادر على تقديم نموذج مشّرف للدولة، سيكرس للمزيد من الانقسام والفوضى.

رفص جناح من الحوثيين السلام

بعد أكثر من عام على رفض الحوثيين للمبادرة السعودية للحل، واشتراط فصل الملف الإنساني عن العسكري والسياسي، من الواضح أن المجتمع الدولي قد توصل إلى مقاربة جديدة، مستغلاً بذلك حلول شهر رمضان.

وكان وقف إطلاق النار أولاً، شرط السعودية الرئيسي لتنفيذ مبادرتها للحل التي تم تقديمها في آخر سنة من ولاية المبعوث السابق مارتن غريفيث، فيما كان الحوثيون يشترطون فصل الملف الإنساني وذلك برفع الحظر عن مطار صنعاء وميناء الحديدة قبل الخوض في أي تفاصيل أخرى.

ومع دمج الخطوتين بالتزامن خلال شهر رمضان تحت مسمى هدنة إنسانية، نالت هذه الفكرة استحسان الحوثيين الذين وصفوا على لسان كبير مفاوضيهم، محمد عبد السلام، الهدنة بأنها "بادرة إيجابية".

لكن بدلاً من المضي في خطوات بناء الثقة، واصلت قيادات حوثية عسكرية تسعير الحرب، وسط مخاوف من وجود جناح داخل الجماعة رافض لعملية السلام تحت أي مسمى.


توعّد الحوثيون بـ"عام أعاصير اليمن" في المرحلة المقبلة

ومساء أول من أمس الخميس، ظهر وزير الدفاع الحوثي، محمد ناصر العاطفي، متوعداً التحالف، قائلاً إن العام الثامن من الصمود سيكون "عام أعاصير اليمن"، ومنطلقا متجددا لمزيد من التفوق.

وقبل ذلك بأيام، كشف المتحدث العسكري للحوثيين، يحيى سريع، أن قواتهم بصدد إجراء "عمليات تجريبية لأسلحة نوعية جديدة ستدخل على خط المعركة خلال المرحلة المقبلة"، وهي بانتظار صدور التوجيهات بشأن تنفيذها.

التلويح الحوثي الدائم بالقوة، لا يندرج في إطار الحرب النفسية، ففي الأسبوع الأخير من العام السابع للحرب، نفذت الجماعة سلسلة هجمات غير مسبوقة طاولت منشآت حيوية ونفطية في العمق السعودية، وتسببت في إرباك سوق الطاقة المضطرب عالمياً.

ويراهن الحوثيون على ترسانة ضخمة من الصواريخ البالستية المتطورة التي بمقدورها تلافي الدفاعات الجوية، كما حصل في الهجمات الأخيرة على منشآت أرامكو في جدة، إذ تم استخدام صواريخ مجنّحة من طراز كروز.

وأطلق الحوثيون خلال السنوات السبع الماضية 1826 صاروخاً بالستياً، منها 589 استهدفت العمقين السعودي والإماراتي، فيما كانت البقية على مواقع للجيش اليمني وقوات التحالف في الداخل اليمني، حسب المتحدث العسكري للجماعة، الذي قال في مؤتمر صحافي بمناسبة مرور 7 أعوام من الحرب، إن لديهم "مخزوناً استراتيجياً يتم تعزيزه يوماً بعد آخر ليشكل ضمانة دفاعية".

وخلافاً للصواريخ البالستية، باتت الطائرات المسيّرة من دون طيار، السلاح الحوثي الأكثر إزعاجاً بالنسبة للتحالف، وخصوصاً في العمليات الكبرى التي تتزامن مع صواريخ باليستية يكون الهدف منها تشويش منظومة الباتريوت.

وكشف الحوثيون عن إطلاق 11 ألفاً و562 طائرة مفخخة خلال السنوات السبع من الحرب، منها 953 خارج الحدود اليمنية، والتي غالباً ما تُستخدم فيها طائرات من طراز "صماد 3" بعيدة المدى التي يُعتقد أنه تم تطويرها على أيدي خبراء إيرانيين.

ولا تقتصر مهام الطيران المسّير على العمليات الهجومية فحسب، بل تتعدى ذلك إلى عمليات الاستطلاع، وخصوصاً بعد الكشف عن تنفيذ ثمانية آلاف و433 طلعة جوية من هذا النوع.

ومن الواضح أن التفوّق الحوثي الأخير في توسيع بنك الأهداف بالعمقين السعودي والإماراتي، يعود إلى معلومات استخباراتية يقف خلفها الطيران المسّير الذي ادّعى المتحدث العسكري للجماعة أنه تم توسيع عملياته لتشمل كافة الأراضي السعودية والإماراتية، فضلاً عن المياه الإقليمية لليمن في البحرين العربي والأحمر وكذلك خليج عدن وباب المندب، في إشارة إلى رصد حركة الملاحة في الممرات الدولية.

ذات صلة

الصورة
صالون ميون يدشن شهر القراءة في تعز

مجتمع

دشن في مدينة تعز وسط اليمن فعالية شهر القراءة والتي تعد الأولى من نوعها في اليمن الذي يشهد حرباً متواصلة منذ العام 2014، أثرت على المشهد الثقافي.
الصورة

سياسة

انتهت عند الساعة السابعة من صباح اليوم الجمعة الهدنة بين إسرائيل وحركة "حماس" في قطاع غزة، دون أن يعلن أي من الجانبين تمديدها ليوم ثامن.
الصورة
دفعة ثانية تضم عشرات الجرحى و500 أجنبي سيغادرون القطاع عبر معبر رفح

مجتمع

قال رئيس هيئة الاستعلامات التابعة للرئاسة المصرية، ضياء رشوان، الثلاثاء، إن الهدنة الفلسطينية - الإسرائيلية سرت من دون عوائق طيلة الأيام الأربعة الماضية، بفضل الجهود المكثفة التي تبذلها مصر، بالتعاون مع الأشقاء في قطر، والمشاركة الأميركية الفعالة.
الصورة
معين عبد الملك رئيس الحكومة اليمنية/حسين بيضون

سياسة

قال رئيس الحكومة اليمنية معين عبد الملك في حوار مع "العربي الجديد"، إن خريطة طريق يتم بحثها للحل في اليمن قد تستمر عامين، لافتاً إلى أن الزخم الدبلوماسي المتصاعد حالياً يضع الحوثيين مجدداً أمام استحقاقات السلام.