رفع سفراء الدول التي عقدت اجتماع باريس الخماسي الاثنين الماضي لبحث الملف اللبناني من مستوى التنبيه إلى أن عدم انتخاب رئيس جديد للبلاد سيترتب عليه إعادة النظر في مجمل العلاقات مع لبنان، مشددين في الآن نفسه على ألا دخل لهم بتسمية الرئيس أو اختياره نيابة عن الشعب اللبناني.
وعقد سفراء فرنسا آن غريو، والولايات المتحدة دوروثي شيا، ومصر ياسر علوي، وقطر إبراهيم عبد العزيز السهلاوي، والمستشار في سفارة السعودية فارس حسن عمودي (نظراً لوجود السفير وليد بخاري خارج لبنان) لقاءَيْن، اليوم الاثنين، مع كل من رئيس البرلمان نبيه بري، ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، لوضعهما في أجواء الاجتماع الذي عقد في العاصمة الفرنسية وخُصِّص لبحث الملف اللبناني، الذي يتقدّمه الشغور الرئاسي، والذي انتهى من دون إصدار أي بيان حوله.
— سفارة قطر - بيروت (@QatarEmb_Beirut) February 13, 2023
وقال السفراء وفق ما نقلت عنهم رئاسة الحكومة اللبنانية، "إذا لم يقم النواب بواجباتهم فالدول الخارجية لن تكون أكثر حرصاً من المسؤولين اللبنانيين أنفسهم".
ونقل المكتب الإعلامي للرئيس ميقاتي، أن "السفراء أكدوا أن عدم صدور بيان عن اجتماع باريس مردّه إلى أن الاجتماعات مفتوحة ومستمرّة من أجل دعم لبنان والتشجيع على انتخاب رئيس جديد للجمهورية"، مشددين على أن "الدعم الحقيقي للبنان سيبدأ بعد انتخاب الرئيس العتيد ومن ثم متابعة تنفيذ الإصلاحات المطلوبة".
4/4 وشدد السفراء "على أن عدم انتخاب رئيس جديد سيرتب اعادة النظر بمجمل العلاقات مع لبنان، لانه اذا لم يقم النواب بواجباتهم فالدول الخارجبة لن تكون اكثر حرصا من المسؤولين اللبنانيين إنفسهم"#لبنان #pcm pic.twitter.com/Bw4UnasTVz
— رئاسة مجلس الوزراء 🇱🇧 (@grandserail) February 13, 2023
وفضَّل السفراء عدم الإدلاء بأي تصريح للصحافيين لدى انتهائهم من اللقاءين. واكتفى السفير المصري لدى لبنان بالقول "لا ندخل بعملية الأسماء، ولا نتكلم بالنيابة عن اللبنانيين"، وذلك في معرض ردّه على سؤال حول ما ورد إعلامياً عن تباينات في أراء السفراء المجتمعين حول المرشحين لرئاسة الجمهورية قائد الجيش العماد جوزاف عون، ورئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية (مرشح "حزب الله" و"حركة أمل" بالدرجة الأولى)، وكذلك حول الشخصية التي ستتولى رئاسة الحكومة الجديدة، في ظلّ أنباء تحدثت أيضاً عن انقسام بشأن عودة ميقاتي.
في السياق، قال مصدر مقرّبٌ من بري، مطلعٌ على أجواء اللقاء لـ"العربي الجديد"، إن "ملف رئاسة الجمهورية كان الموضوع الأساس الذي بُحث به اليوم، وشدد سفراء الدول الخمس على ضرورة الإسراع بانتخاب رئيس جديد للجمهورية، فهذا الاستحقاق مدخلٌ أساسيٌّ لإعادة انتظام العمل المؤسّساتي، على أن يليه تشكيل حكومة جديدة تقوم بالإصلاحات اللازمة التي بدورها تعدّ شرطاً أساسياً لمساعدة لبنان اقتصادياً".
وأشار المصدر، الذي اشترط عدم ذكر اسمه، إلى أن "السفراء وضعوا الرئيس بري في أجواء مداولات اللقاء الخماسي الذي عقد في باريس، وكانت وجهات النظر متطابقة لديهم، من ناحية التشديد على استعجال الاستحقاق الرئاسي، ومخاطر طول أمد الشغور المستمرّ منذ 31 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي".
ولفت المصدر إلى أن "مجموعة الدول الخمس أكدت استعدادها مساعدة لبنان للنهوض اقتصادياً والخروج من محنته الراهنة في حال تم انتخاب رئيس للجمهورية، على أن تواكب الخطوة بتشكيل حكومة قادرة على إنجاز الإصلاحات المطلوبة"، مشيراً إلى أن "لقاء اليوم قد لا يكون الأخير، بحيث أن هناك اهتماماً خارجياً بالملف اللبناني، ونيتهم تقديم المساعدة لحل الأزمة الرئاسية من دون دخولهم في لعبة الأسماء، باعتباره شأناً لبنانياً لا يمكن التدخل به".
و"علّق" رئيس البرلمان نبيه بري جلسات الانتخاب، التي كان آخرها في 19 يناير/ كانون الثاني الماضي، وذلك على وقع إعلان قوى سياسية المقاطعة، واعتصام عدد من النواب حتى الدعوة إلى دورات متتالية لانتخاب رئيس، يتقدمهم النائبان عن "قوى التغيير" نجاة عون صليبا، وملحم خلف، اللذان يواصلان المبيت في مقرّ المجلس منذ ذاك التاريخ.
في هذا السياق، قال المصدر المقرّب من بري لـ"العربي الجديد"، إن شرط رئيس البرلمان للدعوة إلى جلسة، ألا تكون كالجلسات السابقة، مضيفا "عندما يكون هناك مرشحون وأسماء جدية للرئاسة فهو لن يتأخر في الإقدام على هذه الخطوة".
تعليقاً على ذلك، قال الكاتب السياسي جوني منيّر، لـ"العربي الجديد"، إن "اجتماع باريس تطرق إلى ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية بأسرع وقتٍ، وإلا سيكون هناك عواقب للمعرقلين، وقد يكون المقصود عقوبات أو لا، فالفرنسيون حذرون بالتعامل مع العقوبات، باعتبار أن معظم أملاك اللبنانيين هي على أراضيهم، وهذه من المحاذير التي تدفعهم إلى تفضيل عبارة عواقب".
وأضاف منيّر "السعودية كان لها سقف عال أيضاً، ولا سيما حول القرارات الدولية التي على لبنان الالتزام بها، والمرتبطة بسلاح حزب الله، وكذلك شمل موقفها رئاسة الحكومة الجديدة التي ستشكل بعد انتخاب رئيس للجمهورية، على ألا تكون خاضعة لحزب الله"، مشيراً إلى أن "هذه العبارات عالية السقف حالت دون إصدار بيان ختامي، من شأنه أن يؤثر سلباً على المشاورات القائمة، والمنتظر استكمالها على مستوى وزراء الخارجية في وقتٍ لم يحدد بعد".
ولفت الكاتب السياسي إلى أن "أحد الوفود استعرض بعض الأسماء، من بينهم سليمان فرنجية، وجرى استبعاده باعتبار أنه لا يملك المواصفات المطلوبة ولا سيما أنه خاضع لحزب الله، بينما حاز قائد الجيش العماد جوزاف عون على إجماع مبدئي، بكونه يتمتع بالمواصفات المطلوبة، كما أبقيَ الباب مفتوحاً أمام اسم آخر يحظى على إجماع داخلي ومقبول خارجياً".
ويرى منيّر أن المسؤولين في لبنان لا يملكون ترف الوقت، مشدداً "من هنا نستبعد أن يطول الفراغ، في ظلّ الأزمة الاقتصادية الحادة، وارتفاع سعر صرف الدولار، واتجاه المصارف للإقفال، عدا عن الإضرابات التي تطاول إدارات الدولة، وارتفاع نسبة الفقر والبطالة والجوع، ما ينذر بتفاقم حدة المشاكل التي ممكن أن تترجم فوضى اجتماعية، وهناك تخوف رسمي على صعيد المسؤولين الأمنيين من تدهور الأمور لتذهب إلى فوضى فجائية وكبيرة".
وكان مصدرٌ دبلوماسي فرنسي مطلع على أجواء اللقاء الخماسي، قال لـ"العربي الجديد"، إن "الاجتماع تطرق إلى أهمية انتخاب رئيس يكون قادراً على جمع اللبنانيين والحفاظ على علاقات لبنان مع الخارج، ويدعو الحكومة الجديدة إلى تنفيذ أحكام قرارات مجلس الأمن وجامعة الدول العربية والالتزام باتفاق الطائف، والأهم أن يكون غير مرتبط أو متورطاً بقضايا فساد".
وأضاف قائلاً "كان هناك تشديد على أهمية الاستمرار في دعم الجيش اللبناني والقوى الأمنية المسلحة الشرعية للحفاظ على الاستقرار الذي يعدّ هشاً وقابل للاهتزاز بأي لحظة في ظل الشغور الرئاسي، والأوضاع الاجتماعية والاقتصادية الخانقة والضاغطة، كذلك تقديم ما أمكن من المساعدات الإنسانية التي تندرج في خانة الحاجات الأساسية للعيش".