غزيون محرومون من جواز السفر: عقاب سياسي

30 نوفمبر 2018
لمعاناة أهالي غزة أوجه كثيرة (سعيد خطيب/فرانس برس)
+ الخط -
عندما أغارت الطائرات الحربية الإسرائيلية على منزل علاء شمالي في حي الشجاعية، شرقي مدينة غزة، في عدوان العام 2014، وسوّته بالأرض، دُفن جواز سفره مع الركام، والذي ساعده للخروج من غزة قبل تلك الحادثة. مرّت الأيام، وأرسل الشاب الفلسطيني طلباً لجهة تجديد جواز سفره، لكن معاملته دُفنت في أدراج مكاتب وزارة الداخلية في رام الله أيضاً، من دون أسباب. ومنذ الانقسام، أوقفت السلطة الفلسطينية إصدار جوازات سفر لسكان القطاع من مقار غزة، واقتصرت على إصدارها من قبل السلطات في رام الله، وبظروف معقّدة وتكلفة مالية أعلى.

ومنذ ثلاث سنوات ونصف السنة، لم تثمر محاولات شمالي من قريب أو بعيد، في البحث عن إجابة حول المعاملة الورقية المفقودة في مكاتب السلطة الفلسطينية، في إشارة هنا، إلى ما تقوم به الأخيرة على مدار سنوات مضت، في حرمان عدد من سكان غزة من حقهم في الحصول على جوازات السفر أو تجديدها لأسباب غير معلومة.
شمالي الذي يعمل مصوراً صحافياً، يوضح لـ"العربي الجديد" أن عمله يرتكز على الإعلام الرياضي وليس له علاقة بأي عمل سياسي، مشيراً إلى أنّ معاملة تجديد جواز سفره لا زالت متوقفة، ولا يملك فعلياً أي معلومة عن سبب ذلك. ويضيف: "لقد تواصلت كثيراً ولكن المعلومات ضبابية ومن دون فائدة، لا أعلم ما الداعي لحرمان الشخص من حقه الطبيعي في السفر، لماذا كل هذا الإذلال؟".

شمالي الذي نشر مناشدته عبر صفحته الشخصية في موقع "فيسبوك"، جدد سؤاله "إلى متى ستبقى السلطة في رام الله تحرمني من حقي في الحصول على جواز سفر؟"، مناشداً كل الجهات المختصة ومؤسسات حقوق الإنسان ونقابة الصحافيين الفلسطينيين بالتحرك لإنهاء معاناته واستصدار جواز سفر له للحاق بالفرص الضائعة عليه في الخارج.
مشكلة شمالي يعاني منها عدد من الشبان الفلسطينيين والمحاصرين في قطاع غزة، وحاولت "العربي الجديد" التحدث إلى بعضهم، لكنهم امتنعوا عن ذلك لأسبابهم الخاصة، وكلهم أمل في أن تُزيل السلطة الفلسطينية العقبات أمام استصدار جوازات السفر لهم، ورفع الحظر عن أسمائهم وتسهيل إنجاز معاملاتهم.

حرمان البعض من الحصول على جواز سفر في غزة، مشكلة قديمة جديدة، لا زالت تراوح مكانها، الأمر الذي يتناقض مع تصريح وكيل وزارة الداخلية في رام الله، محمد منصور، في يوليو/تموز الماضي، عندما أشار إلى "اتفاق مع دائرة شؤون اللاجئين في منظمة التحرير على آلية عمل مشتركة تهدف لتسهيل الإجراءات الخاصة بمعاملات سكان غزة ومن ضمنها إصدار جوازات السفر، والتخفيف من معاناتهم وعدم السماح لأي جهة باستغلالهم مقابل إنجاز هذه المعاملات".


في المقابل، يقول الوكيل المساعد لوزارة الداخلية في غزة، عاهد حمادة، إن تلك الإجراءات المتخذة والمتبعة في حرمان الفلسطينيين من حقهم في الحصول على جوازات سفر، مرتبطة بالشأن السياسي، إذ تُعاقب السلطة الفلسطينية مواطنيها بعدم استصدار مستندات تمكنهم من الاتصال بالعالم الخارجي والسفر. ويشير حمادة في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أن مبادرات عدة ولجانا مختصة شُكلت في أعقاب اتفاق القاهرة الموقّع عام 2011، لجهة تسهيل حصول المواطنين في غزة على جوازات السفر، وتم الاتفاق مع أعضاء اللجان الممثلة عن السلطة الفلسطينية وحركة "فتح" أولاً، وممثلين عن غزة وحركة "حماس"، على ذلك، لكن "الأولى تنصّلت في ما بعد من أي اتفاقات بين الطرفين".

من جهته، يرى مدير التوعية والرقابة في مركز الميزان لحقوق الإنسان في غزة، سمير زقوت، أن "كل هذه الانتهاكات مدفوعة بحالة الانقسام الفلسطيني"، مشيراً إلى أنه على مدار سنوات الانقسام، كانت مشكلة استصدار جوازات السفر لسكان غزة، تتصدر المشهد أحياناً كثيرة وتتراجع في أخرى، والذي يتوقف فقط على التفاهمات بين الأطراف المتصارعة، حركتي "فتح" و"حماس". ويقول زقوت لـ"العربي الجديد": "الحقيقة أننا لسنا أمام مشكلة قانونية حقوقية، بقدر ما هي سياسية، إذ لا توجد آليات حقيقية للضغط على السلطة الفلسطينية عبر استخدام الآليات القانونية المتاحة لدينا، من أجل التوقف عن هذه الممارسات".

وعن قضية جوازات السفر بالذات، يشير زقوت إلى أن الاعتبار السياسي يقف عائقاً أمامها بشكل واضح، موضحاً أنّ "الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان" حاولت كثيراً إنهاء هذه المشكلة من دون جدوى وفشلت، مضيفاً "في كثير من الحالات السابقة، لجأ إلينا البعض للشكوى من عدم استصدار جواز سفر لهم، وفي ما بعد حُلت مشكلتهم باتصال وتسوية بين طرفي الانقسام".
ويوضح الحقوقي الفلسطيني أنها "مشكلة قديمة جديدة، وتشكّل انتهاكاً جسيماً لحقوق الإنسان وتمس جوهر الاتفاقيات التي انضمت إليها فلسطين، ولا سيما اتفاقيات العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، فحق الإنسان في الهوية والجنسية وحقه في حرية الحركة والتنقل، أصيل لا يمكن المساس به بأي حال من الأحوال وهذه ممارسة تشكل مساساً في القانون الأساسي الفلسطيني".

وكانت دائرة جوازات غزة التابعة لوزارة الداخلية في رام الله، أعلنت في مارس/آذار الماضي، أن عدد الجوازات المنجزة خلال العام 2017، قد بلغ 37006 جوازات ما بين تجديد وجديد، والتي كانت غالبيتها لفئة الشباب ما بين سنّ 18 و30 عاماً. ووفق معلومات "العربي الجديد"، فإنّ كل عناصر المقاومة الفلسطينية في غزة مُنعوا من استصدار جوازات سفر من قِبل السلطة الفلسطينية في رام الله، إضافة إلى مناصري حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، واستُخدم المنع سلاحاً لكل من يعارض أي قرارات للسلطة الفلسطينية، خصوصاً عبر وسائل التواصل الاجتماعي.