30 يونيو السوداني: معارضو الانقلاب في الشارع لتغيير المعادلة

30 يونيو 2022
تظاهرة ضد الانقلاب في الخرطوم، 16 يونيو (فرانس برس)
+ الخط -

يتحضّر السودانيون للخروج اليوم الخميس، إلى الشوارع في مليونية جديدة في معركتهم الطويلة لاسترداد الحكم المدني وإسقاط حكم العسكر.

وعلى الرغم من الالتفاف الكبير من قبل كل قوى المعارضة حول هذا الحدث، إلا أن الأهداف تختلف بين كل طرف، بين من يتمسك بإطاحة الانقلاب بشكل كامل ومحاكمة قادته، وبين محاولة بعض الأطراف للاستفادة من الزخم الشعبي في الحصول على تنازلات من العسكر خلال المفاوضات. وعلى الرغم من ذلك، فإن قوى الثورة تراهن على نجاح هذه المليونية، وتشكيلها منعطفاً جديداً في مسار السودان.

مليونية 30 يونيو

وتعيد المليونية التي أطلق عليها "مليونية فجر الخلاص" إلى الأذهان، قصة مليونية 30 يونيو/حزيران 2019 التي أعقبت فضّ اعتصام محيط قيادة الجيش السوداني، وفيها تظاهر نحو 5 ملايين شخص تنديداً بمجزرة فض الاعتصام، ومطالبين المجلس العسكري الانتقالي برئاسة الفريق عبد الفتاح البرهان بتسليم السلطة للمدنيين الذين أسقطوا نظام الرئيس المعزول عمر البشير في ذلك العام.

ونجحت المليونية في ذلك العام في إجبار العسكر على العودة للتفاوض وتقديم تنازلات للمدنيين تشكّلت بموجبها حكومة مدنية، ولم يحتفظ العسكر إلا بقليل من المكاسب التشريفية في مجلس السيادة وحصولهم على وزارتين فقط في الحكومة.

ودعت لمليونية اليوم بشكل رئيسي، لجان المقاومة السودانية في الخرطوم وغيرها من المدن. وتجد المليونية في الوقت نفسه دعماً واستعداداً للمشاركة من أحزاب وتحالفات أخرى على رأسها تحالف "قوى إعلان الحرية والتغيير"، والحزب الشيوعي السوداني، وتجمع المهنيين السودانيين، والأجسام والتنظيمات النقابية على مختلف تخصصاتها.

ويبرز زخم الدعوة أكثر في مواقع التواصل الاجتماعي ذات التأثير المباشر والواضح في المشهد السياسي في السنوات الأخيرة، إذ تم الترويج لها بكافة الأدوات الإبداعية من غناء وشعر ودراما ورسوم كاريكاتورية وخلافه.

لكن أهداف ورغبات كل طرف قد تختلف، فلجان المقاومة السودانية ومعها الحزب الشيوعي السوداني وتجمع المهنيين السودانيين، على سبيل المثال، يضعون هدفاً واحداً لا بديل عنه، وهو هزيمة الانقلاب، ومحاكمة قادته والقصاص لدماء الثوار الذين سقطوا أثناء الاحتجاجات الشعبية التي تلت الانقلاب في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إضافة إلى عودة العسكر إلى ثكناتهم من دون أن يكون لهم أي دور في العملية السياسية.


ينظر العسكر، بقلق شديد لمآلات التطورات في مليونية اليوم وما بعدها

أما تحالف "الحرية والتغيير"، فيبدو حريصاً على أن تنجح المليونية كما نجحت مليونية 30 يونيو 2019 في الضغط على المكوّن العسكري لتقديم تنازلات على طاولة التفاوض بينهما تحت الرعاية السعودية الأميركية.

هذا التفاوض بدأت خطواته بلقاء مباشر جرى في منزل السفير السعودي في الخرطوم علي بن حسن بن جعفر، في العاشر من الشهر الحالي، بحضور مساعدة وزير الخارجية الأميركي مولي فيي. ومن أهم التنازلات التي تريدها قوى "الحرية والتغيير" من المكون العسكري هي الموافقة على إنهاء الانقلاب وما تلاه من إجراءات، والنأي بالمؤسسة العسكرية عن السياسة، وتشكيل حكومة مدنية كاملة، وإكمال بناء هياكل الدولة، وصولاً إلى انتخابات حرة وشفافة بنهاية الفترة الانتقالية.

وترى أطراف أخرى في مليونية 30 يونيو فرصة يجب انتهازها للإعلان عن وحدة قوى الثورة المناهضة للانقلاب، بعد خلافات عاصفة ضربتها طوال الأشهر الأخيرة، خصوصاً في موضوع التفاوض مع العسكر، لكن ذلك يبدو أملاً بعيد المنال في ظل عمق الخلافات والمواقف.

من جانب المكون العسكري، يبدو واضحاً أنه ينظر بقلق شديد لمآلات التطورات في مليونية اليوم وما بعدها. وحاول عبر حواضنه السياسية ومؤيديه عبر وسائل التواصل الاجتماعي، التنبيه لما يزعمه من احتمالات للتخريب والانفلات الأمني والفوضى أثناء المليونية، كفزاعة يلوح بها باستمرار في مثل هكذا مواقف.

وبحسب التسريبات، فإن السلطات الأمنية ستتخذ جملة من الإجراءات الأمنية من بينها غلق مداخل العاصمة بالكامل وغلق الجسور الرابطة بين مدن الخرطوم ونشر تعزيزات أمنية بالقرب من محيط قيادة الجيش والقصر الرئاسي الذي حددته لجان المقاومة وجهة للمواكب. كما رجحت تسريبات أخرى إعلان السلطات عن عطلة رسمية يوم 30 يونيو، وقطع خدمات الإنترنت.

وبغض النظر عن خلافات قوى الثورة والترتيبات الأمنية للسلطات الأمنية، فإن عبد الله بشير أحد ناشطي لجان المقاومة، يراهن على نجاح مليونية 30 يونيو، متوقعاً أن تتوج باعتصام أمام محيط القصر الرئاسي شبيه باعتصام محيط القيادة في 6 إبريل/نيسان 2019 الذي أسقط نظام البشير.

ويوضح بشير، لـ"العربي الجديد"، أن الوصول للقصر الرئاسي ليس صعباً وقد فعله الثوار في تواريخ مختلفة عقب انقلاب 25 أكتوبر الماضي، وكان من الممكن تنظيم اعتصام في ذلك الوقت، لكن ما أفشل الأمر عدم وجود خطة واضحة وترتيب لقوى الثورة وهو ما يتوفر الآن.

ويستبعد حدوث توافق وتوحيد جديد لقوى الثورة في 30 يونيو بسبب الاستقطاب الحاد وسط الثوار، وتعقيدات المشهد السياسي بكلياته، والتعاطي الفوقي مع الأشياء تجاوزاً لضروريات البناء القاعدي.

ويرجح بشير توالي الانقسام والتشرذم داخل المعارضة وصعوبة الوصول إلى حل سياسي في الوقت الراهن، لا سيما أن المجتمع الدولي يبحث عن كتلة مدنية متماسكة ليدعمها.

كما يبدي عدم تفاؤله بشأن التفاوض الجاري بين العسكر و"الحرية والتغيير"، ما لم يجد الدعم من لجان المقاومة ومن كل القوى المؤمنة بالديمقراطية.


عقيل أحمد ناعم: قد لا تُسقط المليونية الانقلاب لكنها ستخلخل بنيته

من جهته، قال الناشط في الحراك الثوري، عقيل أحمد ناعم، لـ"العربي الجديد"، إن 30 يونيو سيكون يوماً عظيماً في تاريخ الثورة السودانية، مبدياً تخوّفه من ردة فعل العسكر باستخدام العنف المفرط كعادتهم وبصورة أشد عنفاً مما كان عليه في الاحتجاجات السابقة.

وأشار إلى أن النتيجة النهائية للمليونية قد لا تكون سقوط الانقلاب بالكامل، لكنه أكد أنها ستسبّب في خلخلة البنية الانقلابية، ويكون لها ما بعدها، من إعادة لزخم الثورة واستعادة الشارع وتوحيد قوى الثورة وكسب ثقة المجتمع الدولي، بعد نظرته المتشككة للانقسامات وعدم الاتفاق على برنامج واضح لما بعد إسقاط الانقلاب.

وأشار ناعم إلى إمكانية مشاركة أفراد أو مجموعات من تيارات إسلامية مثل المؤتمر الشعبي (حزب الراحل حسن الترابي)، في المليونية وذلك بعد تمسك الأمانة العامة للحزب برفض الانقلاب وعدم التعامل معه وتقارب وجهات النظر بينها وبين قوى الثورة في الآونة الأخيرة.

واستبعد في ذات الوقت مشاركة بقية الأحزاب ذات التوجه الإسلامي المرتبطة بالنظام القديم، لأن مواقفها مفصلية من الثورة وتحالفاتها وتماهيها مع العسكر.

أما الصحافي علاء الدين بابكر، فجزم في حديث مع "العربي الجديد"، بحصول "سيول بشرية هادرة وغير مسبوقة في 30 يونيو، تغير المشهد كلياً وتستعيد السلطة من العسكريين وتعزز الشارع باتجاه تحقيق أهداف الثورة".

وعلى عكس الآخرين، رأى بابكر أن قوى الثورة موحدة حول هدف إسقاط الانقلاب، وإقامة نظام مدني ديمقراطي، لكنها في حاجة إلى وحدة في جسم واحد، وهذا أمر مطروح من قبل تحالف "الحرية والتغيير" الذي يقترح جبهة شعبية عريضة لهزيمة الانقلاب.

محطة جديدة لإنهاء الانقلاب السوداني

من جهته، قال محمد عبد الحكم، القيادي في حزب "التجمع الاتحادي"، أحد أحزاب "الحرية والتغيير"، إن 30 يونيو محطة أخرى من محطات إنهاء الانقلاب الحالي، وإنهاء الانقلابات العسكرية في السودان وإلى الأبد، واستعادة التحول المدني الديمقراطي.

وأشار في حديث مع "العربي الجديد" إلى أن المليونية "لن تكون سدرة منتهى الثورة، بل سنمضي إلى حين الوصول لتحقيق أهداف الثورة، وصولاً إلى محطة الاستحقاق الانتخابي، ليقرر الشعب من يحكم، وبماذا يحكم، وكيف يحكم".


ترى أطراف أن مليونية 30 يونيو فرصة للإعلان عن وحدة قوى الثورة المناهضة للانقلاب

وأعلن أن "التجمع الاتحادي، بدأ الاستعداد لهذا اليوم المفصلي باكراً، وشكل العديد من اللجان، السياسية والإعلامية والميدانية، وعقد ورشات عمل لرسم خريطة طريق ميدانية وفقاً لمقتضيات ما سيحدث في هذا اليوم المفصلي، بينما وضع تحالف الحرية والتغيير سيناريوهات متعددة، لكيفية تحقيق مطالب الشارع الثائر في التأسيس الدستوري لدولة الحرية والعدالة والسلام، والوصول للحكم المدني الكامل، وعودة العسكر للثكنات، وهيكلة القوات الامنية لبناء الجيش القومي الواحد، وإعادة ترتيب الأجهزة العدلية، لتحقيق العدالة في كافة الجرائم التي ارتكبت بحق الثوار، وبحق الوطن".

وأضاف عبد الحكم أنهم في قوى "الحرية والتغيير" يعتبرون الحشود البشرية الضخمة المتوقع مشاركتها في الموكب المرتقب، بقيادة لجان المقاومة وقوى "الحرية والتغيير" والقوى الثورية المناهضة للانقلاب، ستحقق مبتغاها ومطالبها، وستكون دافعاً رئيسياً لتحريك العملية السياسية المفضية لإنهاء الانقلاب وإلغاء القرارات الارتدادية للانقلابيين، وتصفية بنية نظام الإخوان المسلمين البائد، وفق أطر قانونية تمكن لجنة تفكيك التمكين من إزالة التشوهات التي صنعها النظام البائد في مؤسسات الدولة، وفي أجهزتها المدنية والأمنية والاقتصادية والثقافية.

أما القيادي في الحزب الشيوعي السوداني صديق التوم، فرأى من جهته أن أهمية 30 يونيو ‎تكمن في أنه يوم استفتاء شعبي واسع في ظل وهم إعلامي حول عملية اقتراع ديمقراطي يتم تسويقه بقيام انتخابات نزيهة في ظل سلطة تحالف المليشيات التي تتجول في الأرياف والحضر بأسلحتها.

ولفت في حديث مع "العربي الجديد" إلى أن المليونية بمثابة نمذجة من الثوار لعملية التصعيد والانتقال بالمقاومة الشعبية إلى مستوى متقدم في الثورة الشعبية، معترضاً على تصوير اليوم كنهاية نشاط المقاومة أو قمتها وكأنه التحدي الأخير للصراع الاجتماعي والاقتصادي في السودان، معتبراً أن الصراع سيُحسم لمصلحة الشعب الثائر ونجاحه في حلحلة أزمة الدولة السودانية وتفكيك الأشكال الاستعمارية المؤطرة للتبعية للمحاور ومن يقفون خلفها.