منطقة القبائل الباكستانية نحو صراع جديد؟

13 يونيو 2019
من تظاهرات للبشتون في باكستان (رزوان تباسوم/فرانس برس)
+ الخط -
تثير التطورات المتسارعة في منطقة القبائل الباكستانية مخاوف من انزلاقها إلى صراع جديد، بعد تصاعد التوتر بين "حركة حماية البشتون" والسلطات، مع اتهامات متبادلة بالوقوف وراء عمليات إطلاق نار وحوادث أمنية أسفرت عن سقوط ضحايا، وذلك في وقت تزداد الضغوط الخارجية على باكستان في ملف مكافحة الإرهاب. وبعدما كانت لجنة الانتخابات الوطنية تستعد لإجراء انتخابات إقليمية في منطقة القبائل الباكستانية في 2 يوليو/تموز المقبل، فإن التطورات الميدانية المتسارعة هناك، تنذر بتأجيل الانتخابات من أجل اختيار أعضاء البرلمان الإقليمي، بل وترجح بدء صفحة جديدة من الصراع الأمني، قد تكون بدايتها بعملية عسكرية جديدة للجيش الباكستاني بهدف قمع تحركات المسلحين والحد من التطورات الأمنية التي تهدد مرة أخرى أمن واستقرار المنطقة بأسرها، وفق المؤشرات التي ظهرت أخيراً.

وكانت حكومة إقليم خيبر بختونخوا تعمل منذ فترة مع لجنة الانتخابات الوطنية لانتخاب 16 عضواً للبرلمان الإقليمي من المقاطعات القبلية، في ظل استعدادات من الأحزاب السياسية للتنافس على هذه المقاعد. لكن وفي تطور لافت، طلبت الحكومة المحلية في رسالة وجهتها إلى الحكومة المركزية ولجنة الانتخابات الوطنية، تأجيل الانتخابات، قائلة إن الظروف غير مواتية لذلك، بسبب التطورات الأمنية في بعض تلك المناطق، لا سيما مقتل ثلاثة ضباط من الجيش في تفجير وقع في مقاطعة شمال وزيرستان في السابع من شهر مايو/أيار الماضي. تلك الحادثة سبقها مقتل أكثر من 13 قبلياً من أنصار "حركة حماية البشتون" نتيجة إطلاق نار من قوات الجيش الباكستاني، ليفتح الحادثان صراعاً جديداً في منطقة القبائل، لا يزال محصوراً حتى الآن في دائرة الاتهامات، لكن التخوّف هو من تطوره وصولاً إلى نتائج وخيمة.

مراحل تصاعد الصراع
لمنطقة قبائل البشتون في باكستان تاريخ طويل من الصراعات، ولعل أبرز وأخطر مرحلة مرت بها كانت ما بعد دخول القوات الأميركية إلى أفغانستان عام 2001، ومعها تحوّلت أرض القبائل إلى موطن للجماعات المسلحة، وعلى رأسها تنظيم "القاعدة" وحركة "طالبان باكستان"، ما جعلها أرضاً للنزاعات، ودُمرت فيها كل قطاعات الحياة، ليُضطر سكانها إلى الخروج منها والتوزع في ربوع البلاد المختلفة.
المقاطعات القبلية، التي تشكّل جزءاً كبيراً من حدود باكستان الغربية مع أفغانستان، وتؤثر الحالة السائدة فيها بشكل مباشر على الشمال الغربي من باكستان وعلى المناطق الشرقية والجنوبية في أفغانستان، عادت إلى الواجهة مرة أخرى قبل نحو عام، بعد ظهور "حركة حماية البشتون"، والتي طالبت الحكومة بإعطاء القبائل، والعرقية البشتونية، حقوقها، ومن أبرزها إزالة حواجز الجيش، والعثور على المفقودين من أبناء القبائل، مع الوفاء بما قطعته الحكومة الباكستانية من وعود بعد القضاء على المسلحين.

ومع مرور الأيام، ارتفع سقف مطالب الحركة، وشهدت التظاهرات والاعتصامات الأخيرة للحركة هتافات ضد الجيش والمؤسسة العسكرية، ووصل الأمر إلى مطالبة البعض بالانقلاب، بل دعا بعض قياديي الحركة إلى تدخّل دولي، لا سيما بعد أن اتهمت السلطات الباكستانية الحركة بأنها تعمل لصالح أجندات أجنبية، مؤكدة أنها ملتزمة بتوفير كامل الحقوق لأبناء القبائل.

وفي خضم تبادل الاتهامات بين "حركة حماية البشتون" والحكومة الباكستانية، عادت الأجواء إلى الاشتعال، بعد تعرّض مسيرة نظمتها القبائل في منطقة خركمر في مقاطعة شمال وزيرستان في 24 مايو/أيار الماضي، لإطلاق نار كثيف ما أدى إلى مقتل 13 من أبناء القبائل. ونُظِّمت المسيرة احتجاجاً على مداهمة الجيش منازل المدنيين، وممارسة العنف في حق أبناء المنطقة، بالإضافة إلى اعتقال بعض أبناء القبائل. واختلفت الروايات حول الحادث، فالجيش أكد أن أنصار القيادي في "حركة الحماية عن البشتون" محسن داور أطلقوا النيران على حاجز أمني للجيش، بعد أن رُفعت هتافات ضده، ومن ثم لجأت القوات المسلحة إلى الرد، ما أدى إلى مقتل وإصابة العديد من المتظاهرين، بالإضافة إلى إصابة عدد من الجنود. بينما قالت الحركة إن الجيش أطلق النيران على المسيرة من دون مبرر، ووفق خطة تهدف إلى القضاء على الحراك القبلي. واعتقل الجيش القياديين في الحركة، علي وزير ومحسن داور، ليؤدي ذلك إلى تنظيم اعتصام في مدينة بشاور، حاولت الشرطة لاحقاً فضّه.
واعتبر زعيم الحركة، منظور بشتين، في بيان له، أن الحادث كان بداية محاولة من الجيش للقضاء على الحراك القبلي بعد أن فشلت عملية الحوار، معلناً أن الحركة تستعد لإطلاق موجة من الاحتجاجات والمسيرات حتى ترضخ المؤسسة العسكرية لمطالبها، وفي مقدمتها إطلاق سراح القياديين وزير وداور.


ومع هذه التطورات، لفتت مواقف الأحزاب السياسية والقومية، باستثناء الحزب الحاكم، فبعد أن كانت هذه الأحزاب تكتفي بالشجب والإدانات، فإن حزب "عوامي" القومي البشتوني بزعامة أصفنديار ولي، والحزب "القومي المتحد" بزعامة محمود خان أجكزاي، أعلنا الوقوف علناً مع "حركة حماية البشتون". حتى أن حزب "عوامي" دعا أنصاره للخروج إلى الشوارع في منطقة القبائل لمناصرة أنصار الحركة، على الرغم من فرض الجيش حظر تجوال، وهو ما أعلنه صراحة مسؤول الشباب في الحزب، نجل زعيمه، إيمل ولي خان، الذي دعا أنصاره، وتحديداً الشباب، إلى الخروج من منازلهم، محذراً الجيش من ردود فعل وخيمة.

قتل الضباط واتهام الحركة

بينما كانت "حركة حماية البشتون" تستعد لتنظيم احتجاجات جديدة، قُتل ثلاثة ضباط في الجيش في 7 يونيو/حزيران الحالي، في منطقة خركمر نفسها التي قُتل فيها أبناء القبائل، في 24 مايو الماضي. والتزم الجيش الصمتَ تجاه الحادث، مكتفياً بإعلان مقتل الضباط، لكن إيحاءات المسؤولين في الحكومة المركزية كانت تشير إلى أن أصابع الاتهام موجهة لـ"حركة حماية البشتون"، على الرغم من تبنّي حركة "طالبان باكستان" الحادث. حتى أن مستشارة رئيس الوزراء فردوس عاشق أعوان، قالت إن الحادث مرتبط بقتل القبليين، مشيرة إلى أن قياديي وأنصار "حركة حماية البشتون" تسبّبوا في نجاة الإرهابيين في 24 مايو والذين تمكنوا من قتل ضباط الجيش في السابع من الشهر الحالي. تلك التصريحات أثارت حفيظة الحركة والأحزاب القومية المؤيدة لها، وقالت القيادية في الحركة، ثناء إعجاز، في بيان، إن "الجيش والحكومة يسعيان بهذه الذريعة لشنّ عملية جديدة في منطقة القبائل، ولكننا ضد وجود الجيش ولن نسمح بذلك". واعتبرت أن مواقف الحكومة الباكستانية تعبّر عن تخبّط، "فبدلاً من القضاء على الجماعات المسلحة، تتهم الحركة البشتونية بالعميلة وتقتل أنصارها وتعتقل قيادييها"، وفق قولها، متهمة السلطات بإتاحة الفرصة لتأسيس جماعات مسلحة تهدد أمن المنطقة.

ولم يعد الصراع بين الحركة والحكومة الباكستانية يقتصر على الداخل فقط، بل أصبح أيضاً محط اهتمام دولي، وغطّت وسائل إعلام غربية القضية بكل أبعادها خلال الفترة الماضية. كما نُظّمت احتجاجات ومسيرات مؤيدة للحركة في العديد من العواصم الغربية، واتهم خلالها بعض المتظاهرين الحكومة الباكستانية بمناصرة الجماعات الإرهابية. ويأتي ذلك في وقت يُتوقع أن تنظر مجموعة العمل المالي الدولية (فاتف) في قضية إدراج باكستان في القائمة السوداء لغسل الأموال وتمويل الإرهاب، بعد أن أُدرجت في القائمة الرمادية. فيما كانت واشنطن قد طلبت خلال زيارة مبعوثها الخاص للمصالحة الأفغانية، زلماي خليل زاد، الأخيرة إلى باكستان، أن تفعل إسلام آباد المزيد ضد الجماعات المسلحة.