وأضاف المصدر، الذي تحدث لـ"العربي الجديد"، أن من بين المشروعات التي سيتم البدء فيها قبل بدء الملء الأول، تطهير وتحسين الظروف البيئية في عدد من البحيرات الكبرى بمنابع النيل الأزرق، وهو مشروع كبير يكلف ملايين الدولارات، وسيتم بتمويل محلي ودولي. ويعتبر التنفيذ العملي لهذه الخطوة مؤشراً إضافياً لإصرار إثيوبيا على الملء الأول في الموعد المحدد له. وبرأيها، فإنه بسبب البداية المبكرة للفيضان هذا العام، والزيادة المتوقعة في كميات المياه المتدفقة إلى محيط السدّ، فمن الضروري البدء بشكل عاجل في مشروع التطهير، نظراً لوجود آثار سلبية وأضرار على جسم السدّ والخزان، إذا ما بقيت الأوضاع على حالها في تلك البحيرات، من انتشار للنباتات الضارة والأجسام الصلبة. وذكر المصدر أن من بين المشروعات التي ستمول أيضاً بشكل سريع، بحيث تكون جاهزة مع توليد الطاقة تجريبياً من السدّ، إنشاء مولدات كهربائية ومحولات في ولاية بني شنقول التي يقع بها السد وولايات قريبة أخرى، بتكلفة هي الأضخم في هذا القطاع في تاريخ إثيوبيا الحديث.
وتأكيداً لما سبق أن نشرته "العربي الجديد" مطلع شهر مايو/أيار الماضي، عن فتح باب التشغيل للذكور على مستوى البلاد في المشروعات المرتبطة بالسدّ، أوضح المصدر أن الحكومة أخطرت الأحزاب في المؤتمر الوطني، بإطلاق حملة كبرى لتشغيل العاطلين في تلك المشروعات من جميع الولايات، وليس من ولايات بني شنقول وأمهرة وأوروميا فقط. وفي هذا الإطار، تمّ إدخال الأحزاب السياسية في المعادلة، بحسب المصدر، لإرضائها بحيث يتم الإعلان عن الوظائف بواسطة الأحزاب الخاصة بالقوميات الصغيرة والأقاليم. وقدّر المصدر عدد العاملين المستهدفين في هذه المشروعات المتعلقة بالسدّ، إلى جانب المشروعات الضرورية لتشغيله، والتي بدأت بالفعل، بأكثر من 170 ألف عامل في إطار المرحلة الأولى خلال الصيف.
ولا تزال المفاوضات الفنية بين مصر وإثيوبيا والسودان، والتي تتم عبر الخرطوم، متعثرة، على الرغم من مرور نحو أسبوعين بعد اتفاق حكومات الدول الثلاث على العودة للتفاوض حول المسائل العالقة والمتعلقة بقواعد الملء والتشغيل. في الأثناء، تتواصل المطالبات الدولية والإقليمية لجميع الأطراف بتحكيم العقل والتفاوض، وعدم الدخول في أتون صراع إقليمي. وجاء ذلك على خلفية الخطاب الذي أرسلته القاهرة إلى مجلس الأمن الدولي، والذي تشكو فيه من مقاطعة إثيوبيا للمرحلة الأخيرة من مفاوضات واشنطن التي فشلت في التوصل إلى حلّ نهائي للأزمة. وردّت أديس أبابا على الخطاب المصري، بتوجيه خطابٍ آخر إلى مجلس الأمن، يتمسك بأن الملء الأول للسدّ لن يخلف أضراراً لدولتي المصب، ولا يتعارض مع اتفاق المبادئ الموقع بين الدول الثلاث في العام 2015.
وأمس الثلاثاء، بعثت الخرطوم بدورها، رسالة إلى رئاسة مجلس الأمن الدولي، تضمنت شرحا لموقف السودان من التطورات المتصلة بمفاوضات سد النهضة. وقالت وزيرة الخارجية السودانية أسماء محمد عبد الله، في رسالتها التي تضمنت تفصيلاً للمبادرة التي تبناها السودان أخيراً، إنها تمثلت في الاتصالات التي أجراها رئيس الوزراء عبد الله حمدوك مع نظيريه في مصر وإثيوبيا، مصطفى مدبولي وآبي أحمد، وقادت إلى الموافقة على استئناف المفاوضات على مستوى وزراء الري. وطالبت الرسالة مجلس الأمن بـ"تشجيع كل الأطراف على الامتناع عن القيام بأي إجراءات أحادية، قد تؤثر على السلم والأمن الإقليمي والدولي". كما شددت على "دعم جهود السودان الهادفة لاستئناف التفاوض بحسن نية، وصولاً لاتفاق شامل ومرضٍ لكل الأطراف".
ووفقاً لمصدر فني مصري تحدث في تصريحات سابقة لـ"العربي الجديد"، فإن أول بند تمسكت القاهرة بالنقاش حوله في المفاوضات، هو طبيعة الظروف الهيدرولوجية (قياسات التدفق) الخاصة بالنيل الأزرق، والتي تتمسك القاهرة بأن يتم قياسها دورياً واتباعها عند نقاط زمنية معينة في جدول تمّ الاتفاق عليه سلفاً.
وبحسب المصدر المصري، فإن الخلاف هنا ليس على تقسيم الفترات، لكن إثيوبيا، وبعدما كانت قد وافقت على أن يتم تغيير كميات الملء في كل مرحلة وفقاً للظروف الهيدرولوجية، رفضت ذلك، وطالبت باتباع خطة ملء ثابتة غير متغيرة، بحجة أن تغيير الكميات سيؤدي إلى إبطاء مساعيها لإنتاج الكهرباء، على الرغم من عدم صحة ذلك وفقاً للمصفوفات المصرية والسودانية.
أما البند الثاني الذي تطلب مصر التركيز عليه في المفاوضات، فهو رغبة إثيوبيا في العودة عن ما تم الاتفاق عليه خلال جولات واشنطن، بأنها ستنتهي من تشغيل جميع توربينات الطاقة الكهرومائية اللازمة لتشغيل السد في الإنتاج بكامل طاقته خلال عامين.
وبالنسبة للبند الثالث الذي ستتطرق إليه المفاوضات الفنية، فهو الخاص بنقطة تحرير المياه، أو المنسوب الذي يجب التوصل إليه لضمان التشغيل الأمثل المستدام، وإطلاق الكميات الزائدة عن الحاجة في مجرى النيل، لتصل إلى السودان ومصر.