معركة مبكرة حول تصدير الأسلحة لإيران في مجلس الأمن

14 يونيو 2020
ينتهي الحظر على الأسلحة الإيرانية في 18 أكتوبر (Getty)
+ الخط -

في الوقت الذي نشر فيه الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعض التغريدات التي تتغزل بإيران، كانت سفيرته في الأمم المتحدة كيلي كرافت توزع مشروع قرار على عدد من الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي في نيويورك، من بينها بريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا وإستونيا، يجدد حظر استيراد وتصدير الأسلحة لإيران. هذا الحظر المعمول به ضمن قرار مجلس الأمن، رقم 2231 (2015) والذي تنتهي مدته في 18 أكتوبر/تشرين الأول المقبل.

وجاءت تغريدات ترامب بعد إطلاق إيران سراح العسكري الأميركي السابق مايكل وايت بداية يونيو/حزيران الحالي، والذي جاء في اليوم التالي لوصول العالم الإيراني سايروس عسكري إلى طهران، بعد قرابة ثلاثة أعوام من سجنه في الولايات المتحدة بتهمة التجسس. وشكر ترامب، في تغريداته، طهران على إطلاق سراحه. ثم ذكر أن الباب مفتوح أمامها لإبرام ما أسماه بـ"اتفاق كبير" إذا لم تنتظر إلى ما بعد الانتخابات.

أما الخطوة الأميركية بتوزيع مسودة مشروع قرار حول العقوبات الإيرانية فـ"نادرة"، لكونها تحدث قبل أربعة أشهر من موعد نفاذ القرار. لكنها لا تثير الاستغراب، لأن المعركة أمام الولايات المتحدة للتجديد لهذا القرار صعبة، إن لم تكن مستحيلة، بسبب فيتو روسي وصيني شبه مؤكد. ناهيك عن أن العلاقة مع إيران، والسياسات الأميركية الخارجية، يُتوقع أن تلعب دوراً مركزياً في الانتخابات الأميركية المقبلة. يريد ترامب أن يصور نفسه منتصراً على إيران، عسكرياً ودبلوماسياً. عسكرياً، فإن اغتيال قائد "فيلق القدس" قاسم سليماني، وعدم الرد الإيراني عليه بنفس المستوى، يسمح لترامب بأن يسوقه كانتصار. لكن خروجه من الاتفاق النووي الإيراني، في العام 2018، يضعه في موقف محرج للغاية، لأن الحظر على استيراد وتصدير الأسلحة لطهران تنتهي مدته قرابة الأسبوعين قبل موعد الانتخابات الأميركية. كما أن ترامب لم ينجح في إجبار طهران على التفاوض من جديد على بنود الاتفاقية التي وقعتها بلاده، وفاوضت لسنوات عليها. وفي الوقت نفسه لم يتمكن من إجبار بقية الأطراف الموقعة على الاتفاقية من الانسحاب منها. ويبدو أن ترامب وضع نفسه في مأزق دبلوماسي، فيه الكثير من التصريحات الرنانة والقليل من الإمكانيات الدبلوماسية المتاحة أمامه، إن أصر على خطته.

وعن مشروع قرار حظر الأسلحة، أكد مصدر غربي رفيع المستوى في مجلس الأمن، لـ"العربي الجديد" في نيويورك، أن المفاوضات حول الموضوع لا تجري حالياً في نيويورك على مستوى السفراء "بل عبر العواصم، فهذه مسألة شائكة جداً وحساسة". وتوقع أن تتم المماطلة وعدم طرح أي شيء للتصويت قبل أكتوبر، معتبراً أن التصريحات الأميركية تأتي في إطار الاستهلال المحلي. ولم يستبعد أن يقوم الأميركيون، إن شعروا أن مشروع القرار لن يحصل على تسعة أصوات مؤيدة وأن روسيا والصين ماضيتان باستخدام الفيتو، بالضغط بالاتجاه الآخر بشكل أكبر، أي تفعيل ما يسمى "بالعودة السريعة لتفعيل العقوبات على إيران"، والتي كانت مفروضة على طهران قبل التوصل للاتفاق النووي، وينص عليها القرار 2231 (العام 2015).



الجانب الأميركي هدد في أكثر من مناسبة بالذهاب بذلك الاتجاه، على الرغم من أنه لم يعد طرفاً بالاتفاق النووي. ويرتكز الجانب الأميركي في ادعائه على أن من حقه تفعيل تلك العقوبات، على أنه ما زال جزءا من الأمم المتحدة، ما يتيح له استغلال آليات القرار 2231. وهو ما صرح به عدد من المسؤولين الأميركيين، وعلى رأسهم مسؤول الملف الإيراني في الإدارة الأميركية براين هوك. وسرعان ما جاء الرد الروسي والصيني على التصريحات الأميركية بخطوات استباقية، ترسل إشارة واضحة لواشنطن وتحركاتها على مستوى الأمم المتحدة. إذ وجّه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، طلب فيها منه أن يأخذها بعين الاعتبار في تقريره المقبل أمام مجلس الأمن حول تنفيذ مشروع القرار 2231، والذي يقدمه كل ستة أشهر تقريباً لمجلس الأمن.

وحذر لافروف، في رسالته، من أن تصبح "الأمم المتحدة رهينة للحالة السياسية في الولايات المتحدة، التي قررت الانسحاب من خطة العمل الشاملة المشتركة (المتعلقة بالاتفاق النووي)". ولفت الانتباه إلى أن الإجراءات المنصوص عليها في القرار، حول تصدير واستيراد الأسلحة والمعدات العسكرية من وإلى إيران كانت مؤقتة، وتنتهي في 18 أكتوبر المقبل. وأشار إلى أنه لا توجد أي "أسباب قانونية، أو أسباب أخرى، تدعو إلى إعادة النظر في ذلك التفاهم ومراجعته. فشحنات الأسلحة لا صلة لها البتة بالبرنامج النووي الإيراني". ووصف لافروف واشنطن بأنها تستخف بالبلدان الأخرى وبالأضرار الناجمة عن ذلك، وأن تصرفاتها وبياناتها مقلقة جداً. واعتبر، في رسالته، أن "الولايات المتحدة مُلزمة، بموجب المادة 25 من ميثاق الأمم المتحدة، بتنفيذ قرار مجلس الأمن، بدلاً من تقويضها بأعمالها غير المشروعة".

وصادف في 8 مايو/أيار الماضي مرور سنتين على توقيع الولايات المتحدة على مذكرة انسحابها المتعلقة بوقف المشاركة في خطة العمل الشاملة (الاتفاق النووي)، كما باتخاذها إجراءات إضافية، كإعادة فرض العقوبات الأميركية على إيران ثم تشديدها لاحقاً. وبحسب لافروف فإن الولايات المتحدة تكون بذلك قد تخلت رسمياً عن التزاماتها الناشئة عن الاتفاق. وخلص إلى أنها بذلك تكون قد أخلت بما ينص عليه القرار 2231.

واللافت في الحجج القانونية الإضافية التي يستند عليها لافروف كذلك إشارته إلى تقرير الأمين العام للأمم المتحدة، الصادر في يونيو/حزيران 2018، أي قرابة الشهر بعد انسحاب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة. وأشار ذلك التقرير إلى أن إيران، وحتى انسحاب الولايات المتحدة، كانت ملتزمة بكل تعهداتها. وتُثبت رسالة لافروف الخطوات الأولى للاستراتيجية الصينية الروسية لمجابهة التحركات الأميركية على مستوى الأمم المتحدة، بما فيها مجلس الأمن. ولعل واحدة من أهم الفقرات، في رسالته تلك، التي تشير إلى رأي (فتوى) استشاري صادر عن محكمة العدل الدولية في العام 1971، حول المبادئ التي تحكم العلاقات الدولية. وبحسب المحكمة "فإن الطرف الذي يتنصل من التزاماته، أو لا يفي بها، لا يمكن له الاعتراف بالحقوق التي يدعي أنها تعود له بحكم العلاقات". ثم تستنتج رسالة لافروف بأن "الولايات المتحدة تكون، بعد أن انتهكت قرار مجلس الأمن 2231، ورفضت تنفيذ خطة العمل الشاملة المشتركة، قد تخلت عن إمكانية استخدام الآليات الواردة في الفقرات من 11 إلى 13 من هذا القرار، ضمن نصوص أخرى". واللافت أن قرار المحكمة الدولية جاء آنذاك في سياق عدم تنفيذ جنوب أفريقيا (نظام الفصل العنصري آنذاك) لقرارات مجلس الأمن، واستمرارها في احتلال ناميبيا، والآثار القانونية المترتبة على استمرار مخالفتها لقرار مجلس الأمن 276 للعام 1970.

ويبدو أن الاتحاد الأوروبي يدعم الموقف الروسي والصيني من دون لبس، إذ قال مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد جوزيب بوريل إن "الولايات المتحدة انسحبت من الاتفاق النووي مع إيران، ولا يمكنها الادعاء باستمرار عضويتها والتعامل في إطار ذلك مع الموضوع. ومن الواضح تماماً انسحابها من الاتفاق".

المساهمون