نتنياهو يتجاهل إعلان عباس والعسكريون يبدون قلقاً من تداعياته

23 مايو 2020
سحب قوات الأمن من محيط القدس كان متوقعاً(عصام ريماوي/الأناضول)
+ الخط -
واصل رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، ووزير أمنه الجنرال بني غانتس، الذي يشغل أيضاً منصب "رئيس حكومة بديل"، حتى أمس الجمعة، تجاهل خطاب الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الذي أعلن فيه وقف التنسيق الأمني والتحلل من اتفاقية أوسلو واتفاقيات التعاون الأمني أيضاً مع الولايات المتحدة. ولم يصدر عن نتنياهو أو أي من وزراء حكومته أي تعليق أو تعقيب على خطاب الرئيس الفلسطيني، بما يبدو أنه تجاهل متعمد وركون إلى الموقف الأميركي الداعم من جهة، وسعي لهز ثقة القيادة الفلسطينية بالقرار، واعتباره مجرد تهديد يضاف إلى تهديدات سابقة، من جهة أخرى.

ومع أن السلطة الفلسطينية رفدت إعلان عباس، يوم الثلاثاء، بقيامها "بسحب" قوات الأمن الفلسطينية من القرى المحيطة بالقدس المحتلة، العيزرية وأبو ديس وبيت إكسا وقطنة وبيدو، والمصنفة قرى في المنطقة "بي"، كترجمة لقرار وقف التنسيق، إلا أنه سرعان ما اتضح أنه تم إبلاغ الاحتلال بالخطوة قبل تنفيذها، وأن انتشار هذه القوات كان أصلاً بفعل جائحة كورونا وكي يضبط الأمن الفلسطيني إجراءات التباعد والوقاية والحجر الصحي، وهو وجود كان متوقعاً له أن ينتهي قريباً بفعل تراجع عدد المصابين بالفيروس، بما في ذلك في قرى محيط القدس المحتلة، وبالتالي فإن الخطوة لا يمكن لها أن تكون الترجمة الفعلية للقرار الفلسطيني، بقدر ما كانت تحصيل حاصل.

في المقابل، واصل مسؤولون أمنيون وعسكريون سابقون في دولة الاحتلال التحذير من تبعات القرار الفلسطيني، مع اعتماد مساحة من المرونة في مدى يقينهم من مستوى تطبيق القرار والمضي به حتى النهاية. وبرز بشكل خاص التحذير من تبعات القرار، بفعل الظروف الاقتصادية التي تعانيها الأراضي الفلسطينية المحتلة بعد أزمة كورونا، وتراجع عدد العاملين الفلسطينيين الذي يعملون داخل إسرائيل بتصاريح رسمية إلى نحو 45 ألفاً مقابل 120 ألف عامل فلسطيني قبل تفشي الجائحة، وما يمكن أن يؤدي إليه إحباط العاطلين من العمل مع التراجع الاقتصادي والاحتكاكات مع الجيش الإسرائيلي في ظل غياب ضبط الأجهزة الأمنية الفلسطينية للوضع العام، من ارتفاع منسوب العمليات ومحاولات تنفيذ عمليات ضد مواقع الاحتلال وجنوده على مشارف البلدات الفلسطينية، بفعل الأجواء المشحونة التي تغذيها تصريحات الحكومة الإسرائيلية بشأن الضم.

وكان رئيس القسم الأمني والسياسي في وزارة الأمن الإسرائيلية سابقاً ورئيس مؤتمر هرتسليا الاستراتيجي، الجنرال عاموس جلعاد، الأكثر حدة في التحذير من تبعات القرار الفلسطيني، بفعل "حشر الفلسطينيين في الزاوية وإهانتهم"، ما سيضطر دولة الاحتلال إلى إعادة السيطرة على الضفة الغربية بمجملها وإدارة شؤونها في كافة المجالات، بما يشكّله ذلك من عبء ثقيل على دولة الاحتلال، وتحييد لجهود كان يُفترض أن توجَّه بالأساس للجبهة الشمالية والمشروع الإيراني.

وتطرق جلعاد إلى التداعيات الخطيرة على العلاقة مع الأردن والتي ستتلقى ضربة كبيرة، خصوصاً أن ما أنجزته العلاقات بين الطرفين هو بمثابة معجزة، بحسب تعبيره. وقال جلعاد إنه حتى لو لم يتم إلغاء اتفاقية وادي عربة، فقد تم قضم هذه الاتفاقية وتعكير الأجواء بين الطرفين، خصوصاً أن الأردن شكّل حاجزاً أمام كثيرين من الأعداء كان يمكن أن يهددوا أمن إسرائيل من الجبهة الشرقية.
وانضم قائد المنطقة الوسطى السابق الجنرال غادي شمني هو الآخر للتحذير من تبعات وقف التنسيق الأمني، لجهة ارتفاع محتمل في العمليات الفردية ومحاولات تنفيذ عمليات جديدة ضد الاحتلال في مختلف أنحاء الضفة الغربية المحتلة.


وسبقت الاثنين تحذيرات من "جهات أمنية" في إسرائيل لم يكشف عن هويتها من التداعيات المحتملة، خصوصاً أن "حالة الازدهار والرخاء الاقتصادي" التي كانت عاملاً مساهماً في خفض مستوى العنف الفلسطيني، وعدم التجاوب حتى مع التظاهرات على الحدود مع قطاع غزة، قد انتهت بفعل جائحة كورونا.
وفي هذا السياق، نشر معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي، قبل أيام، دراسة حذرت من فقدان السيطرة على مقاليد الأمور، وإضعاف السلطة الفلسطينية، معتبرة أن السلطة الفلسطينية تشكّل مركّباً ضرورياً في الأمن القومي لإسرائيل.

ويبدو أن دولة الاحتلال لم تسارع إلى الرد على إعلان عباس، من منطلق انتظار ترجمة ما ورد في البيان على أرض الواقع، وكيف سيؤثر ذلك على حركة ونشاط قوات الاحتلال في الضفة الغربية المحتلة، من جهة، وانتظار رصد ومتابعة لتقييم الحالة الشعبية في الضفة الغربية، ومدى وجود جاهزية أو غضب فلسطيني يمكن له أن يتدهور إلى انتفاضة جديدة، من جهة أخرى، وكيف ستترجم السلطة الفلسطينية على أرض الواقع "الالتزام بمنع الفلتان الأمني" ومنع العنف والحرب على الإرهاب.

مع ذلك لفت المراسل العسكري في صحيفة "معاريف"، طال ليف رام، إلى أن الجانب الإسرائيلي على مستوى قادة الألوية والوحدات في جيش الاحتلال، وفي أوساط ما يسمى منسق أنشطة حكومة الاحتلال، لمس تغييراً في اللهجة الفلسطينية الصادرة عن ضباط في الأجهزة الأمنية الفلسطينية، ولدى "تنظيم حركة فتح"، التي أدى نشطاؤها دوراً بارزاً في النشاطات لمواجهة جائحة كورونا في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وبحسب طال ليف رام، فإن عودة "التنظيم" إلى المشهد الفلسطيني، مع كون عناصره مسلحين، من شأنه في حال تفاقم الأمور أن يزيد من أخطار تصاعد العمليات ضد الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة.

في المقابل، سبق أن ذكرت تقارير نشرتها صحيفة "هآرتس" قبل نحو أسبوعين، أن رئيس أركان جيش الاحتلال، الجنرال أفيف كوخافي، أوعز منذ نهاية ديسمبر/ كانون الأول الماضي مع بدء نتنياهو الحديث عن عزمه على ضم غور الأردن، بتشكيل لجنة خاصة لوضع توصيات وخطط عملياتية لسيناريو يوم ما بعد الضم، تشمل أيضاً تغيير نشر القوات الإسرائيلية في الضفة الغربية، وزيادة الحواجز العسكرية، ونشر قوات مسلحة في محيط المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية وعلى محاور الطرق الرئيسية لتأمينها، لا سميا الطرق الالتفافية، ورفع الجهوزية الميدانية لمواجهة عمليات فردية وعمليات متفرقة، ناهيك عن حالة غليان شعبي يمكن أن تترجم لتظاهرات غضب تفقد السلطة السيطرة عليها وتتطور إلى انتفاضة جديدة.