محافظ نينوى لـ"العربي الجديد": لم نحصل إلا على وعود

07 ابريل 2020
الجبوري: يجب تقديم تعويضات سريعة وعادلة للمواطنين (يونس كيليس/الأناضول)
+ الخط -


على الرغم من مضي أكثر من عامين ونصف العام على تحرير مدينة الموصل، عاصمة محافظة نينوى، شمالي العراق، من سيطرة تنظيم "داعش"، إلا أن المدينة الأكبر بعد بغداد لجهة عدد السكان، فضلاً عن باقي مدن نينوى الحدودية مع سورية وتركيا، لم تخرج بعد من تبعات تلك المرحلة. فالإعلانات عن انتشال جثث المدنيين، أو ما تبقّى من رفاتهم، لا تزال مستمرة بين أسبوع وآخر، خصوصاً في الموصل القديمة والأحياء المحاذية لنهر دجلة، في ساحل الموصل الأيمن، في الوقت الذي لا تزال فيه أعداد كبير من سكان المحافظة في الخيم، بينما تبدو عملية الإعمار والتأهيل خجولة وترقيعية.

ويعاني سهل نينوى من إهمال واضح وفوضى تعدد مصادر القرار، إذ تنتشر في المحافظة مليشيات مختلفة إلى جانب الجيش والشرطة الاتحادية وجهاز الأمن الوطني وتشكيلات أخرى، ما سبّب نفوراً لسكانها من العودة إلى ديارهم، واستمروا في حالة النزوح التي كُتبت عليهم مع احتلال "داعش" لمدنهم في منتصف 2014 ولغاية الآن، وينتشرون في مدن مختلفة من إقليم كردستان العراق وتركيا.

محافظ نينوى نجم الجبوري، وهو أحد قادة معركة تحرير المدينة، إذ كان خلالها يشغل منصب قائد عمليات نينوى قبل أن يحال على التقاعد ويتم اختياره محافظاً، يؤكد في حديث لـ"العربي الجديد"، حاجة الموصل إلى 15 مليار دولار في أقل تقدير لتعود إلى ما كانت عليه قبل احتلال "داعش"، في ما يتعلق بالبنى التحتية فقط، معتبراً أن الموصل وباقي مدن نينوى لم تحصل حتى على مستحقاتها مثل باقي المحافظات، ولم تُعامل على أنها محافظة منكوبة كما أقر البرلمان ذلك.

ويؤكد الجبوري أن "نسبة سكان المحافظة هي 11 في المائة من العراق، لكن ما تحصل عليه لا يتجاوز 2 في المائة فقط من مستحقاتها في موازنة الدولة العامة، وناشدنا أن يتم النظر إلى الموصل، وكل نينوى، بشكل مختلف بسبب وضعها وما أصابها، وما تعرضت له وتعاني منه الآن. وللأسف كنا ننتظر أن ينخرط العالم كله، خصوصاً دول الخليج، في مساعدتها، بسبب ما حل بها من تدمير ومآسٍ مروعة، لكن لم نر شيئاً ملموساً، باستثناء من الإخوة في الكويت الذين قدموا منحاً ووعدونا الآن ببناء مستشفى ابن سينا وأن يوفروا مدارس وننتظر ذلك". وأضاف أن نينوى لم يصلها شيء من مؤتمر إعادة إعمار المدن المنكوبة في الكويت، في فبراير/ شباط 2018، وكانت وعود لم ينفذ منها شيء.


وعن الاحتكاك الأميركي الإيراني الأخير في العراق، وما أعقبه من توترات أمنية في عموم مدن البلاد، يؤكد الجبوري أنها كانت سلبية على دعم منظمات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية المختلفة، لافتاً إلى أن منظمات مثل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID)، وأخرى تابعة للأمم المتحدة ومنظمات أوروبية وعربية تأثرت بالتوتر، كما أن جائحة كورونا تسبّبت بشكل سلبي في إعاقة أنشطة الكثير من برامج المساعدات المقدمة للسكان، أو على مستوى تأهيل بعض الجوانب الحياتية المهمة للمواطنين.

مشاهد دمار صادمة

وحول الاستمرار في إعلانات العثور على جثث تحت أنقاض الموصل، على الرغم من مرور أكثر من عامين على تحرير المدينة، يقول الجبوري إن من يدخل المدينة القديمة في الموصل سيُصدم من آلاف الأطنان من الأنقاض والركام التي سببتها الحرب، وتتطلب جهداً كبيراً "وكنا نأمل من بغداد أن تخصص جهدها لشهر واحد من أجل المساعدة في هذه النقطة تحديداً، لكن لم يحصل ذلك، والناس تنتظر. لكن الآن، ومع انهيار أسعار النفط، صار وضع المساعدة أكثر صعوبة".

ويكشف عن وجود 43 ألف معاملة تعويض لمواطنين تعرضوا لخسائر في الممتلكات جراء الإرهاب والعمليات العسكرية حتى الآن، لم تنجز منها سوى ألفي معاملة فقط منذ تحرير الموصل ولغاية الآن، متسائلاً "كيف يمكن أن يعود الناس لمنازلهم وهي مهدمة ومن دون تعويض؟"، مضيفاً "المدينة ليست لها قدرة على استيعاب أحد، فلا منازل متوفرة للسكن، ولو عاد النازحون أين سيسكنون، فحتى منازل للإيجار لا توجد، ولا بد أن يصار إلى إنشاء مجمعات سكنية ويأخذ السكان تعويضات سريعة وعادلة كي تعود الحياة للمدينة وباقي مدن نينوى، لإعادة بناء منازلهم المدمرة. ومشكلة التعويضات الآن هي أكبر المشاكل التي نواجهها". ويتابع "ذهبنا إلى بغداد من أجل التعويضات أكثر من مرة، وكل الذي نتلقاه مجرد وعود. وعلى الرغم من أن البرلمان العراقي صوّت على قرار بأن التعويضات المالية إن كانت أقل من 30 مليون دينار (نحو 27 ألف دولار) تخوّل المحافظات بتوزيعها، لكن للأسف كله كلام".

وحول التقارير التي تتناول انتهاكات من قِبل مليشيات في سهل نينوى تمنع عودة سكانه المسيحيين، يوضح الجبوري أنها "ليست بهذا الحجم"، مبيناً أن مشكلة سهل نينوى مثل مشكلة باقي مدن محافظة نينوى، وهي الإعمار، ولو توفر الإعمار والخدمات سيعود الجميع، وقسم من المسيحيين من أهل السهل يسكنون الآن في الجانب الأيمن من الموصل، آملاً أن يعود الجميع إلى منازلهم، "لكن الذي يعود يريد خدمات ضمن مستوى مقبول، ويريد فرص عمل ومصدر دخل. وطلبنا الآن أن تكون هناك شرطة من أبناء المكون المسيحي والمكونات الأخرى الموجودة في تلك المناطق لكي يكون هناك مبعث أمان وطمأنينة لهم".

ويكشف محافظ نينوى عن تلقيه وعوداً من زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني بشأن عودة سكان بلدات مخمور وزمار، و"حدد سقفاً زمنياً، لكن هذا السقف انتهى ولم يحدث شيء. ومع ذلك نحن نناشد الآن السيد البارزاني أن يوعز للجان، التي شكلت بهذا الصدد، تفعيل خطوة عودة السكان، خصوصاً أن قسماً منهم يسكن في مخيمات داخل إقليم كردستان"، آملاً "أن تنتهي كارثة كورونا ونرى عودة أهلنا في تلك المناطق، ونرى قرار الرئيس البارزاني على أرض الواقع".

دور الجيش

ويعلن محافظ نينوى، في حديثه لـ"العربي الجديد"، عن انتشار لواء من الجيش العراقي في مدينة سنجار، موضحاً أن الجيش العراقي الآن في مركز مدينة سنجار وفي ناحية سنني، ووجوده مكثف، مؤكداً أن الحديث عن وجود مسلحين لحزب "العمال الكردستاني" قد يكون في جبل سنجار وليس في المدينة. وبعد مرور عام على حادثة غرق العبارة في نهر دجلة بالموصل، يقول الجبوري إن "الملف ما زال بيد القضاء العراقي، والمتهمون مودعون في أحد السجون ينتظرون القصاص العادل، لكن قضايا مثل هذه تأخذ وقتاً بالتأكيد، وما دامت لدى القضاء فلا أحد يستطيع التدخل فيها"، معرباً عن أسفه من أن "الحكومة، حتى الآن، لم تف بوعدها باعتبار الضحايا شهداء، كما وعد رئيس الوزراء (عادل عبد المهدي)، وحتى الآن لم يصدر قرار بشأنهم ولم يتم تعويض ذويهم".

وعن ملف الأسر التي يتهم أبناؤها بالانتماء لتنظيم "داعش"، يؤكد الجبوري أنه يسير بشكل جيد وباتجاه المصالحة المجتمعية وتسوية مع العشائر من الأسر التي تبرأت من أبنائها الإرهابيين، ولا علاقة لها بهم بشأن عودتهم لحياتهم الطبيعية، لافتاً إلى أن "هناك حلحلة في الملف، لكن تبقى المهمة كبيرة ولا بد من معالجة ملف التعويضات من قبل الحكومة"، معتبراً أن جائحة كورونا أثرت على سير معالجة هذا الملف كما ملفات أخرى في المحافظة.