ناشطو العراق يستعدون لاستئناف انتفاضتهم بتظاهرات مليونية

24 ابريل 2020
تظاهرات الناصرية ستكون قاسية على السلطات (أسعد نيازي/فرانس برس)
+ الخط -

يواصل المتظاهرون والناشطون الفاعلون في ساحات الاحتجاج في العراق حملاتهم الإعلامية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، من أجل التهيئة لإعادة التظاهرات مرة أخرى، وعلى نحو أوسع في مدن جنوب العراق ووسطه ومدينة بغداد. لكن التحشيد هذه المرة قد يؤدي إلى اتساع رقعة التظاهرات في حال تفجرها مجدداً إلى مدن أخرى، وفقاً لناشطين وأعضاء في لجان تنسيقية، قالوا إنهم قرروا احترام دماء 700 متظاهر من رفاقهم، ومعاودة التظاهرات في أول إعلان عن انحسار فيروس كورونا في العراق.

وتراجعت في الفترة الأخيرة أعداد المحتجين في ساحة التحرير وسط بغداد، التي تُعد نقطة انطلاق تظاهرات أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. إلا أن عشرات المعتصمين لم ينسحبوا من خيامهم التي بقيت منصوبة، واللافتات والشعارات مرفوعة، وصور الضحايا في مكانها. والحال نفسه في مدن جنوب البلاد، مثل الناصرية وكربلاء والبصرة، بعد أن قرر المتظاهرون منذ أسابيع تولّي مهمة حماية أنفسهم وأسرهم من خطر الإصابة بفيروس كورونا، من خلال إجراء حملات تعقيم للساحات والخيام، وتعليق التجمعات الضخمة، فيما فكّ المتظاهرون الحظر الذي قرروه بشأن تعليق الدعوات إلى التظاهرات المليونية أو الطالبية، وتقليل عدد المعتصمين.

وأطلق ناشطون ومدونون عراقيون خلال الأيام الماضية سلسلة من الوسوم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، منها "وعد ترجع الثورة"، و"ثورتنا ما تموت"، و"مليونية بعد الحظر"، للتعبير عمّا سمّوه تراجع أحزاب السلطة عن وعودها بالإصلاح، واستمرار التقاسم الطائفي والحزبي في الحكومة ومؤسسات الدولة، والتنصل من وعود محاربة الفساد، ولا سيما بعد أن قُتل خلال التظاهرات، التي انطلقت في أكتوبر الماضي نحو 700 شخص وأصيب قرابة 27 ألفاً.

في ساحة التحرير في بغداد، نواة الاحتجاجات العراقية التي أعاد المعتصمون فيها نصب خيام جديدة بدلاً من تلك القديمة، يقول المتظاهر أيوب الساعدي، وهو وجه بارز في احتجاجات الساحة، إن "التظاهرات ستعود، وهذا أمر قطعي، ولكن نريد في البداية الترتيب لمليونية كبيرة نكون قادرين فيها على إعادة جذوة الانتفاضة، ورفع المطالب نفسها، وهي المطالبة برحيل الأحزاب وتأسيس حكومة جديدة لا تخضع للإرادات الطائفية والتأثيرات الخارجية". ويضيف، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الاحتجاجات المليونية ستكون قريبة، وستفاجئ الأحزاب المتنفذة والمليشيات المسلحة على إصرار العراقيين لنيل الحياة الحرة والكريمة، وعدم استمرار القهر والفقر والظلم والفساد المالي والإداري في البلاد". ويشير الساعدي إلى أن "السلطات العراقية راهنت على انتهاء الاحتجاجات خلال الأسابيع الماضية، وظنت أن المتظاهرين سينسحبون بعد انتشار كورونا، لكنها تفاجأت بالتنسيق العالي بين المحتجين والمعتصمين. كذلك إن استمرار استفزاز عناصر التيار الصدري الذين لا يزالون يحاولون إنهاء الاحتجاجات من خلال السيطرة على المطعم التركي، باءت كلها بالفشل"، مؤكداً أن "السلطات والمليشيات قد تعود إلى استخدام أدواتها السابقة من قتل وخطف وترهيب. وقد عادت إلى هذا الأسلوب خلال الأيام القليلة الماضية، لإجبار المحتجين على العودة إلى المنازل، لكن هذا الأمر لن يحدث قبل أن نحاسب قتلة المتظاهرين وتشكيل الحكومة وفق مطالب الشعب".



وشهدت ساحة التحرير، الثلاثاء الماضي، بعد قرار الحكومة العراقية برفع الحظر الجزئي عن محافظات البلاد، المفروض منذ قرابة شهر ضمن إجراءات مواجهة تفشي فيروس كورونا، هجوماً مسلحاً من قبل مجهولين، يرتدون زيّاً مدنياً، ببنادق كلاشينكوف على مجموعة من المعتصمين والمتظاهرين، ما أدى إلى سقوط جرحى، بينهم حالات حرجة، وهو الهجوم الأول بعد أن تراجعت أعداد المحتجين وزال التوتر بين قوات الأمن والمليشيات والمتظاهرين.

أما في الناصرية (مركز محافظة ذي قار جنوب العراق)، فيؤكد عضو تنسيقية المحتجين في ساحة الحبوبي علي الريحاني أن "الأحزاب تخشى عودة التظاهرات في الناصرية، لأنها تعرف أنها ستكون أشد وأقسى على السلطات من غيرها في بقية المحافظات. والدعوات إلى عودة التظاهرات المليونية دفعت أجهزة الأمن إلى اعتقال متظاهرين من منازلهم في ذي قار والديوانية وواسط، وهي بادرة احترازية وتخويفية، عمل على تحقيقها جهاز الأمن الوطني الذي يديره رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض. وعمدت الأجهزة الأمنية، مصحوبة بمليشيات أخرى، إلى زيادة العناصر الأمنيين في ساحة الحبوبي، ومراقبة الأوضاع بعد رفع حظر التجول". ويقول الريحاني، في اتصال مع "العربي الجديد"، إن "المليونية المقبلة إشارة إلى استئناف التظاهرات في العراق، وقد تنتهي إلى استقالة بعض المسؤولين من مناصبهم، كما حصل مع حكومة عادل عبد المهدي"، لافتاً إلى أن "القوى السياسية متخوفة من عودة التظاهرات بنحو أعنف بعد خداعهم الجمهور واستغلالهم أزمة كورونا والعودة إلى التحاصص الطائفي والتنصل من وعودها بمحاسبة قتلة المتظاهرين وفتح ملفات الفساد".

إلى البصرة، يشير الناشط المدني محمد رعد إلى أن "الخيارات كثيرة أمام المحتجين، بعد الأسابيع التي هدأت فيها الأوضاع، وتفكير المتظاهرين في الخطوات التصعيدية المستقبلية. فإلى جانب اللجوء لأسلوب التحشيد للتظاهرات المليونية، هناك أساليب متطورة، ومنها زيادة الدعوات إلى قلع الأحزاب المتنفذة ومليشياتها، عبر خلق كيانات سياسية جديدة من رحم ساحات الاحتجاج". ويوضح لـ"العربي الجديد" أن "رهان الأحزاب على صبر المتظاهرين وتحملهم فشل تماماً، ونحن نتعرض لموجة جديدة من التهديدات بالتصفية وحملات الاعتقال التي لم تتوقف يوماً واحداً، لكننا ماضون في مشروعنا واحتجاجاتنا".

وعن ذلك، يرى المحلل السياسي عبد الله الركابي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "اعتماد المتظاهرين على الأساليب الاحتجاجية القديمة نفسها لن يجدي نفعاً مع السلطات التي باتت تعرف من أين تؤكل الكتف. فإذا عاد المتظاهرون إلى التظاهرات المليونية، ستشرع الحكومة بدفع المليشيات والأجهزة الأمنية إلى تكرار السيناريو الماضي نفسه، وهو الخطف والتعذيب والقتل". ويضيف: "يجب أن يلجأ المتظاهرون إلى التوجه نحو التواصل مع العالم الخارجي والمنظمات، والمشاركة في المؤتمرات العالمية عبر وفود منهم، إضافة إلى زيادة التثقيف باتجاه خلق وعي سياسي جديد لدى المحتجين، ما قد يؤزم الموقف على المليشيات ويجعلها تفقد التركيز، لأن الحضور في الساحات والهتاف وحده لا يكفي".

المساهمون