تونس تدعو مجلس الأمن لرفع العقوبات ووقف النزاعات المسلحة لمواجهة كورونا

15 ابريل 2020
المقترح صاغه الرئيس التونسي (فرانس برس)
+ الخط -
تترقب تونس، تعيين مجلس الأمن الدولي لموعد مناقشة مسودة مشروع قرار يوحد جهود مجابهة كورونا، ويقر إجراءات استثنائية؛ كوقف النزاعات المسلحة ورفع العقوبات الاقتصادية، في إطار مقاربة تقدم الجانب الإنساني على المصالح والحروب. ويحظى هذا المقترح، الذي صاغه الرئيس التونسي قيس سعيد، بدعم الدول غير الدائمة في مجلس الأمن، فيما اصطف الأعضاء الدائمون وراء المقترح الفرنسي.

وتذهب مبادرة الرئيس التونسي إلى أبعد من الطرح التقليدي للتضامن في زمن الأوبئة، الذي يتألف بالأساس من مساعدات طبية وأغذية تقدمها الدول الثرية لنظيرتها الفقيرة، داعية دول العالم للاستعداد لمواجهة تهديد جدي للسلم العالمي قد يحمل انعكاسات خطيرة تعصف بالدول القوية كما الفقيرة أيضا.


وذكرت مصادر خاصة، لـ"العربي الجديد"، أن المقترح التونسي يحظى، إلى حد الآن، بدعم الدول غير دائمة العضوية الثمانية وهي بلجيكا وجمهورية الدومينيك وأستونيا وألمانيا وإندونيسيا والنيجر وسان فنسنت وجزرغرينادين وفيتنام وجنوب أفريقيا، وقد تنضم إليها دول اخرى من الأعضاء الدائمين بالنظر إلى الخلافات بينها.

وأضافت المصادر ذاتها أن الرئيس التونسي دعا لمجلس الأمن لاعتبار الجائحة تهديدا مباشرا للسلم العالمي، وتتطلب مقاربة جديدة في التعاطي مع الأزمة، وقرارا في هذا الشأن من مجلس الأمن الدولي، ووجد مقترحه دعما من الدول غير الدائمة التي اشتدت بها الأزمة نتيجة تردي الأوضاع بعد انتشار الوباء. وختمت مصادر "العربي الجديد" حديثها بأن الرئاسة التونسية تنتظر عقد جلسة مجلس الأمن في الأيام المقبلة من أجل التصويت على مقترح المسودة التي قدمتها.

وبحسب المصادر، تدعو المبادرة التونسية إلى رفع العقوبات الاقتصادية المسلطة على بعض الدول في مثل هذه الحالات، حتى تتمكن من الانتفاع من التعاون الدولي على غرار بقية دول العالم، كما تنص على ضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار في بؤر النزاع لدواع أمنية، وذلك بهدف مساعدة هذه البلدان التي تعيش صعوبات هيكلية وأخرى ناتجة عن وجودها في حالة نزاع منذ فترات، مما يجعلها غير قادرة على مجابهة ما يهددها من سلم وأمن. وتطالب تونس بأن تنصبّ جميع الجهود على مكافحة الوباء وإنقاذ الأرواح.
وتحيط المبادرة التونسية بالانعكاسات الاقتصادية الناجمة عن هذه الأزمة وتأثيرها، خاصة على البلدان النامية، وتلك التي دمرتها الحرب، أو التي في مرحلة ما بعد الصراع، أو المتأثرة بالأزمات الإنسانية أو البلدان ذات النظم الصحية الضعيفة. واعتبار أن الجائحة قد تعصف بالدول ذات البنية الصحية الضعيفة، فإن المقترح التونسي لفت إلى ضرورة أن تكون المقاربة في هذه الدول موجهة لتنمية صحية مستدامة لا مساعدات ظرفية خلال فترة الوباء.

ووفق ما ورد بنص المسودة الأولى، فقد دعت تونس إلى "حث الدول الأعضاء وهياكل الأمم المتحدة والمؤسسات المالية الدولية والجهات المعنية الأخرى على دعم جهود نظم الرعاية الصحية الوطنية في البلدان النامية ذات النظم الصحية الضعيفة من أجل تزويدها بالقدرات المستدامة والمناسبة للتصدي للوباء".

وإحتوت المبادرة على بند متعلق بأهمية الأخذ بعين الاعتبار التأثير المحتمل للوباء على الأمن الغذائي والركود الاقتصادي في جميع أنحاء العالم بسبب القيود على العمل والسفر والتجارة، إلى جانب تدابير الإغلاق ووقف الأنشطة الصناعية. وأكدت على الدور المحوري لجميع مؤسسات منظومة الأمم المتحدة ذات الصلة، ومن بينها المجلس الاقتصادي والاجتماعي في دعم الجهود الوطنية والإقليمية والدولية لمكافحة جائحة "كوفيد-19".


بيد أن الجزء المتعلق بدعم منظمة الصحة العالمية الذي تطرحه تونس في مقترحها، قد يصطدم برفض أميركي إثر قرارات الإدارة الأميركية الأخيرة. وكان مشروع القرار الذي اقترحته تونس قد شدد على الدور المحوري لمنظمة الصحة العالمية ونادى بضرورة إيجاد تضامن دولي ومعاضدة مجهودات هذه المنظمة ومختلف أجهزة المنظومة الأممية.

وقبل طرح هذه المبادرة رسميا، خاض قيس سعيد مشاورات مكثفة مع رؤساء وقادة دول عربية وأفريقية وغربية، معدا بذلك أرضية أولى لتقبل مبادرته من قبل الرأي العام الدولي. ويمكن الجزم بأن قرارات الرئاسة التونسية بتوجيه مساعدات للشعب الفلسطيني، وبعثة طبية إلى إيطاليا، أعدت الرأي العام الداخلي أيضا لفهم الدور الذي يريد سعيد أن يلعبه خلال هذه الفترة.

وقدمت تونس، عبر وزير شؤون خارجيتها، مبادرة سعيد لمجلس الأمن منذ شهر مارس/آذار، وطلبت من المندوب الدائم للصين، الذي ترأس المجلس آنذاك، عقد جلسة طارئة للتداول في انعكاسات الجائحة. ولم تحظ مساعيها بطرح مقاربة دولية إنسانية آنذاك بالاهتمام اللازم، إذ لم يكن قد اتضح حينها بعد مدى انتشار الوباء ولا منهجية كل دولة في مكافحته. لكن اجتياح كورونا لإيطاليا التي تركت وحيدة في مواجهة الوباء، واعتماد دول مقاربات فردية، وصولا إلى الحديث عن إمكانية تجربة لقاحات في أفريقيا وما حمله ذلك من رسائل سلبية وعنصرية في آن واحد، جعلت أصواتا كثيرة تنادي بضرورة مراجعة النهج الذي اتخذه النظام العالمي وفقدانه لأي إعتبار إنساني.

وفي الوقت الذي جسدت فيه جائحة كورونا منعرجا في العلاقات الدولية يتسم بمحاولات الخلاص الفردي من الجائحة، تحاول تونس أن تجد مكانا وسط المنتظم الأممي بطرح مغاير يقوم على مبدأ التضامن الإنساني والدولي.

وتحاول مبادرة سعيد أن تعود بالمؤسسة الأممية إلى أهدافها الأصلية ومسؤولياتها الحقيقية، وتضع الدول الفاعلة فيها والمهيمنة على قرارها في اختبار مباشر أمام الإنسانية؛ فإما تقديم المكافحة الجماعية للوباء على النزاعات الدولية بكل أشكالها، وإما خسائر بشرية ومادية قد تغير ملامح العالم.

المساهمون