تداعيات "الثلاثاء الكبير": أوباما يردع "ثورة" ساندرز

05 مارس 2020
يحتاج بايدن لإيضاح مشروعه السياسي (فريديريك براون/فرانس برس)
+ الخط -
الانقلاب المفاجئ وغير المسبوق في خريطة الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي، أحدث تغييراً دراماتيكياً في دينامية الصراع بين القيادة التقليدية في الحزب، والتيار اليساري. نائب الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، تحوّل من حملةٍ رئاسية متعثّرة، إلى متصدرٍ للسباق في المواجهة مع السيناتور اليساري بيرني ساندرز، ما يعني دخول الليبراليين في نفقٍ طويل من المعارك الداخلية، قد تمتد إلى المؤتمر القومي للحزب الذي سينعقد في مدينة ميلووكي (ولاية ويسكونسن) في شهر يوليو/تموز المقبل. لكن العنوان الكبير، كان قرار الرئيس السابق باراك أوباما الدخول من وراء الكواليس على خطّ المواجهة مع ساندرز، دفاعاً عن إرثه السياسي في الحزب الديمقراطي.

هناك عوامل رئيسية أدّت إلى هذا التحول الجذري في الانتخابات التمهيدية. أولاً، إعلان النائب الأفريقي الأميركي جيمس كلايبورن، تأييده لبايدن في ولايته في كارولاينا الجنوبية، حسم يوم السبت الماضي الانتصار الانتخابي الأول لنائب الرئيس السابق، وأظهرت نتائج هذه الولاية أنه قادرٌ على الفوز، ولا سيما بين الأميركيين من أصول أفريقية، الكتلة الانتخابية الأبرز في الحزب الديمقراطي. بعدها تلقى بايدن اتصال تهنئةٍ من أوباما، كان المؤشر الأول أن الأخير داعمٌ بشكل ما لحملته الرئاسية، وبدأت كرة الثلج تتراكم داخل الحزب الديمقراطي. أولاً، كان انسحاب المرشحين الوسطيين، عمدة ساوث بند الأسبق بيت بوتيدجيج والسيناتورة إيمي كلوبوشار، من السباق الرئاسي لمصلحة بايدن، وإعلان عدد كبير من القيادات الديمقراطية تأييدها لنائب الرئيس السابق.

العامل الثاني، انتقال الانقسام بين المرشحين الوسطيين إلى المعسكر اليساري، فاستمرار السيناتورة إليزابيث وارن في حملتها الرئاسية، أدى إلى خسائر في الأصوات لساندرز لأنها نافسته بين القاعدة اليسارية. كذلك قدّمت وارن خدمة ثانية لبايدن، لأنها كانت وراء إنهاء الصعود السياسي لعمدة نيويورك الأسبق مايكل بلومبيرغ خلال المناظرة الرئاسية في ولاية نيفادا الشهر الماضي، وبالتالي لم يواجه بايدن منافسة قوية في ولاية مثل فيرجينيا التي استثمر فيها بلومبيرغ 240 مليون دولار من الإعلانات الدعائية الأسابيع الماضية. العامل الآخر كان دفاع ساندرز الجزئي نهاية الشهر الماضي عن الزعيم الكوبي فيدل كاسترو، إذ اعتبر أنّ "من الظلم القول إن كل شيء ببساطة سيئ" في الثورة الكوبية، ما دفع القيادات الديمقراطية إلى استغلال هذا التصريح لدقّ جرس الإنذار، وتسليط الضوء على ما يعتبرونه ضرورة وقف حملة المرشح الاشتراكي قبل اتجاهها إلى حسم الانتخابات التمهيدية.


"الثلاثاء الكبير" كان خريطة انتخابية مواتية لساندرز، وأقصى طموح بايدن كان الحد من مكاسب منافسه اليساري. بايدن لم تكن لديه أموال انتخابية لصرفها، ولا قدرات تنظيمية أو إعلانات دعائية. لكن زخم ربع الساعة الأخير ساعده على قلب الطاولة، عبر الفوز في ولايات الجنوب والشمال في "الثلاثاء الكبير"، أي تكساس وفيرجينيا وأركنساس وكارولينا الشمالية وأوكلاهوما وتينيسي وألاباما ومينيسوتا وماساشوستس، مقابل فوز ساندرز في الولايات الباقية، ولا سيما في الغرب، أي كاليفورنيا وكولورادو ويوتاه، والولاية التي يمثلها في مجلس الشيوخ، فيرمونت. تأييد السيناتورة كلوبوشار ساعد بايدن في كسب ولاية مينيسوتا التي تمثّلها في مجلس الشيوخ، مع العلم أن نائب الرئيس السابق لم يزر هذه الولاية حتى. كذلك إن تأييد المرشح الرئاسي السابق بيتو أورورك، ساعد بايدن على الفوز في ولاية رئيسية مثل تكساس، لم يتوقع أحد قبل أسبوع أن ينافس فيها. وفاز بايدن أيضاً في ولاية إليزابيث وارن، ماساشوستس، وهي ولاية مجاورة لولاية ساندرز، فيرمونت. أداء الأخير كان ضعيفاً، مقارنةً بالنتائج الكبيرة التي حققها في الولايات نفسها عام 2016، وهذا يدل على أن برودة القاعدة الليبرالية حيال هيلاري كلينتون لا تنطبق على بايدن.

الأرقام الانتخابية في نتائج "الثلاثاء الكبير" ترسم ملامح التحالفات والفئات الشعبية في السباق الرئاسي. دعم ساندرز أتى من الناخبين البيض من دون شهادة جامعية، والناخبين من أصول لاتينية، والشباب، فيما دعم بايدن أتى من الناخبين البيض مع شهادة جامعية، والأميركيين من أصول أفريقية، وكبار السن والنساء في الأرياف. فوز بايدن في الجنوب كان نتيجة دعم الأميركيين من أصول أفريقية، لكنه أيضاً فاز بولايات أكثر ناخبيها من البيض، مثل أوكلاهوما. بعدما أصبح السباق يختصر على الرجلين، بدأ ساندرز تركيز هجومه على بايدن، لوقف زخمه الانتخابي عبر تذكير القاعدة الليبرالية بأن نائب الرئيس السابق دعم اتفاقات التجارة الحرة في تسعينيات القرن الماضي التي أدّت إلى خسارة الطبقة العاملة لفرص عملها، وأنه كان من صانعي سياسات أوباما لإنقاذ "وول ستريت" من الإفلاس خلال الركود الاقتصادي، وأنه كان مؤيداً للغزو الأميركي للعراق عام 2003. لكن خطاب ساندرز عن "الثورة السياسية"، والحركة التي يبنيها لهزيمة ترامب، تعرّض لنكسة في "الثلاثاء الكبير". بايدن سيركز في المرحلة المقبلة على أنه يناصر الطبقة الوسطى، وأنه المرشح القادر على توحيد الأميركيين، وهزيمة ترامب في الانتخابات العامة.

لكن هناك تحديات تنتظر كلا المرشحين في المرحلة المقبلة، وهذه الانتخابات التمهيدية كان فيها صعود وهبوط، من أزمة ساندرز القلبية إلى تصدره السباق الرئاسي وتعثر حملة بايدن قبل استعادته الصدارة الآن، وبالتالي يبقى السباق مفتوحاً على كل الاحتمالات، وقد لا يحصل أي مرشح على الأكثرية لحسم المعركة حسابياً. لكن خريطة الولايات التي ستصوّت في الانتخابات المقبلة في الشهر الحالي ليست مواتية للمرشح اليساري، ولا سيما في ولاية فلوريدا التي يتصدر فيها بايدن. ساندرز يبدو أنه متمسك باستراتيجيته الانتخابية الحالية، وبالتالي هناك سقف محدود لتوسع قاعدته اليسارية، ويحتاج إلى التواصل بشكل أفضل مع الناخبين الوسطيين، وإلا فلن يتمكن من حسم السباق مع بايدن في المدى المنظور.

كل المؤشرات تدل على أن أغلبية الناخبين حسموا قرارهم بوجهة التصويت عشية "الثلاثاء الكبير"، وهذا يعني أن الاتجاه لدعم بايدن ليس ثابتاً، وقد يتغير في ولايات أخرى في حال تعثُّر حملته مجدداً. قيادات ديمقراطية تدخلت في حملة بايدن خلال الفترة الأخيرة، ودفعت نحو تغيير فريقه الانتخابي لضبط إيقاع حملته. لكن هناك مناظرة رئاسية مقبلة في 15 مارس/آذار الحالي، ويحتاج بايدن إلى أداء مقبول ليستمر في زخمه الانتخابي، وسيكون من الصعب على ساندرز التهجم بشدة على شخصية منافسه المحببة بين الليبراليين.

كل مؤشرات الناخبين في "الثلاثاء الكبير"، تدل على أن هاجس الليبراليين الرئيسي هو هزيمة الرئيس دونالد ترامب. وبعد تردد، حسمت الأغلبية منهم أن بايدن قد يكون أفضل من يقدر على ذلك. لكن نائب الرئيس السابق يحتاج أيضاً إلى إثبات أنه ليس فقط خيار أفضل السيئين بين المرشحين الديمقراطيين، بل لديه مشروع حكم وقادر على تحشيد القاعدة ومقارعة ترامب في المناظرات، ولا سيما أن أداءه في المناظرات الرئاسية الأخيرة كان ضعيفاً. في المقابل، إذا قرر بايدن التهجم على ساندرز، فهذا الأمر قد يحبط القاعدة اليسارية، ولا سيما الشباب، وقد يتكرر سيناريو عام 2016 بحيث لا تخرج هذه القاعدة اليسارية للتصويت في الانتخابات العامة، ما يؤدي إلى خسارة الديمقراطيين أمام ترامب. تحدي بايدن في الأسابيع المقبلة هو التوازن بين التصويب على ساندرز، وحفظ خط الرجعة مع القاعدة اليسارية، التي من دون حماسة جزء رئيسي منها قد يكون من الصعب عليه هزيمة ترامب.