أنهى وزير الخارجية المصري، سامح شكري، جولة أفريقية شملت كلاً من جنوب أفريقيا وتنزانيا ورواندا والكونغو الديمقراطية وجنوب السودان والنيجر، لتسليم زعماء تلك الدول رسائل من رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي، توضح الموقف المصري من قضية سد النهضة، والخلافات المستمرة مع إثيوبيا حول قواعد الملء والتشغيل وإصرار الأخيرة على بدء الملء الأول لخزان السد الرئيسي بالتوازي مع إنجاز أعمال البناء. وفي نفس توقيت جولة شكري، والتي انتهت أول من أمس، سلّم السفراء المصريون رؤساء دول أخرى كجيبوتي والصومال وسيراليون ومالي وأفريقيا الوسطى وتشاد رسائل مماثلة من السيسي، في إطار محاولة مصر كسب تعاطف العواصم الأفريقية لمساندتها في أي خطوات مقبلة قد تلجأ إليها، كرفع شكاوى للجمعية العامة للأمم المتحدة أو مجلس الأمن، أخذاً في الاعتبار الحساسية الاستثنائية للموقف الأفريقي من النزاع بين مصر وإثيوبيا. فالعواصم الأفريقية في شرق القارة وجنوب الصحراء تربطها علاقات وطيدة بأديس أبابا، وعلى الرغم من حرص القاهرة على زيادة ضخّ الاستثمارات الوطنية الرسمية والمساعدات الفنية والمادية، إلا أن العديد من دول القارة تؤمن بوقوع مظلومية تاريخية على إثيوبيا ودول منابع النيل نتيجة آثار العصر الاستعماري الأوروبي، واستحواذ شمال أفريقيا، خصوصاً مصر، على اهتمام الغرب لعهود طويلة، فضلاً عن أفضليتها الاقتصادية والتنموية وتمتعها بوجود نظام ريّ راسخ وعدد من السدود على رأسها السد العالي الذي يمنع عنها مخاطر الفيضان ويضمن استدامة الزراعة. يُضاف إلى ذلك أنّ بعض تلك الدول تنظر إلى تجربة سد النهضة في ما يخص التمويل والتشغيل باعتبارها تجربة تحتذى، وتفتح آفاقاً لتعاون أرحب بين الدول الكبرى والقارة الأفريقية.
لكن ردود الفعل من القادة الأفارقة والمقترحات التي تم طرحها من قبلهم خلال لقاءاتهم بشكري، لا تُرضي الجانب المصري على الإطلاق. وبحسب المصادر، اقتصرت المقترحات في مختلف العواصم على 3 محاور أساسية. أولها منح الاتحاد الأفريقي فرصةً للتدخل بصفته المؤسسية والإقليمية، ولما للدولتين، مصر وإثيوبيا، من باع طويل وتاريخي في خدمة ورعاية هذه المؤسسة، وبحيث يكون لجوؤهما إلى الاتحاد نموذجاً للاحتكام إليه في النزاعات الدبلوماسية بين الدول الأعضاء.
وأوضحت المصادر أن مصر تتحفّظ منذ البداية على الاحتكام للاتحاد الأفريقي لأسباب عدة، أهمها أن مقره في أديس أبابا وأن الأخيرة تتحكم بشكل كبير في أعماله الإدارية، فضلاً عن الشعبية التي تتمتّع بها الرؤى الإثيوبية بين العواصم الأفريقية. وعلى النقيض من موقف القاهرة، فإن أديس أبابا تدفع بقوة في اتجاه الاحتكام إلى الاتحاد الأفريقي، سواء بتشكيل لجنة لتسوية النزاع أو انتداب خبراء قانونيين وفنيين للدراسة.
أما المحور الثالث من المقترحات الأفريقية، فيدور حول ضرورة إبقاء المناقشات فنية بدون التطرق إلى المسائل السياسية، وبدون إشراك الشخصيات الدبلوماسية، وهو أمر ترفضه مصر أيضاً، وطرحه كل من رئيسي رواندا بول كاجامي وجنوب أفريقيا سيريل رامافوزا. علماً بأن إثيوبيا سبق أن طالبت بذلك، ورفضت كل من مصر والسودان الأمر على أساس أن هذا ينطوي على قفز على واقع الحال في الدول الثلاث، ولا يضع في الاعتبار الإشكاليات السياسية والاجتماعية التي تترتب على قضية السد، لا سيما أن إثيوبيا نفسها هي الدولة الأكثر استخداماً للدوافع السياسية في المفاوضات، وكان آخرها المطالبة بإرجاء التوقيع على الاتفاق في واشنطن إلى ما بعد إجراء الانتخابات التشريعية المقبلة.
وأشارت المصادر إلى أن التحركات الدبلوماسية المصرية لن تتوقف بسبب انشغال العالم والعواصم الكبرى بجائحة فيروس كورونا المستجد، لكنها تواجه حقيقة أن حالة الطوارئ الراهنة في جميع دول العالم لا تسمح بإعطاء القضية الأهمية المرجوة، ما يُعطي أفضلية نسبية للإثيوبيين المستفيدين من استمرار العمل بدون التوصل إلى اتفاق.